في فجر كل يوم، تتباهى سماء إسطنبول بجلال مناظر مآذنها وأصوات المؤذّنين وهم ينادون لصلاة الفجر، معلنين أيضاً في هذا الوقت من كل عام، بداية عامٍ دراسيٍّ جديد يعود فيه الأطفال إلى مقاعد الدراسة.
ولكن يتسلّل إلى هذا المنظر البهي، صيفاً وشتاءً في كلِّ يومٍ من العام في أيام المدرسة وغيرها، صوت الآلات القبيح من المصانع والورشات التي يكون كثيرٌ منها تحت الأرض. وهناك احتمالٌ واردٌ أن يكون أحد الجالسين وراء تلك الآلات طفلٌ سوريٌّ صغير لم يجد بدًا من استبدال مقاعد الدراسة بضجيج الآلات التي أبلت أصابَعَهُ الناعمة، واغتالت طفولتَه قتامةُ قلوب أرباب العمل وظروفه.
نشر التلفزيون العربي تقريراً استقصائياً عن عمالة الأطفال السوريين في تركيا، يسلّط الضوء على ما هو ربما أقرب إلى جريمةٍ جماعيةٍ منها إلى ظاهرة، كان الجاني فيها جشع الشركات الكبرى، وحاجة آلة الرأسمالية الصمّاء إلى الإنتاج المستمر، وضعف الرقابة الحكومية، بل وغضّ الطرف أحياناً كما ذهب إليه التقرير، واستغلال الكثيرين لحاجة الأسر الفقيرة، والنتيجة هي ضياع أجيالٍ من الأطفال السوريين غُيّبوا عن مقاعد الدراسة.
ما هي حجم عمالة الأطفال السوريين في تركيا؟
وفقاً لآخر تحديثٍ لإحصائيات إدارة الهجرة التركية نهاية شهر آب/أغسطس الماضي، تحتضن تركيا اليوم ما يزيد عن 3.2 مليون لاجئاً سورياً (تحت ما يُعرف بالحماية المؤقتّة)، من بينهم 1.6 مليون طفل تحت عمر الـ18 عاماً، 36% من هؤلاء هم من الذكور بعمر 5-18 عاماً، أو عمر الدراسة، بعددٍ يقارب 590 ألف طفل.
يقول طه الغازي، الناشط الحقوقي المهتمّ بقضايا اللاجئين السوريين في تركيا، إن وزارة العمل التركية قدّرت عدد الأطفال المتواجدين في سوق العمل بما يقارب 620 ألف طفل (سوريين وغير سوريين) في تقريرٍ أصدرته العام الماضي.
عدد الأطفال السوريين يشكّل نسبة تقارب 30% من مجموع الأطفال العاملين في تركيا الذين يُقدّرون بـمليوني طفل
يُشير الغازي بعد ذلك إلى تقريرٍ أصدرته هيئة حقوقية تُعرف باسم "مجلس السلامة والصحة المهنية" الذي تأسّس عام 2011، وهو مختص بتوثيق إصابات العمل والانتهاكات المتعلّقة بالعمل، وله جناح يعمل يُعنى بالعمال المهاجرين ومنهم السوريين.
يقدّر تقرير مجلس السلامة والصحة المهنية أن عدد الأطفال السوريين الفاعلين في سوق العمل بما يقارب 300 ألف طفل سوري لاجئ في ظروفٍ وُصفت بأنها ظروف "قاسية غير إنسانية"، ولو أخذنا بأرقام إدارة الهجرة التركية وقارنا بينها وبين الأرقام الصادرة عن مجلس السلامة والصحة المهنية، فإن نصف الأطفال الذكور بعمر الدراسة من اللاجئين السوريين يعملون في المصانع بدلاً من الذهاب إلى المدارس.
ويُضيف الغازي أن عدد الأطفال السوريين يشكّل نسبة تقارب 30% من مجموع الأطفال العاملين في تركيا الذين يُقدّرون بـمليوني طفل، مع إشارته إلى أن هذا العدد يرتفع إلى خمسة ملايين طفل خلال عطلة الصيف، مشيراً إلى أن الأطفال يتواجدون بشكلٍ رئيسي في قطاع الزراعة وبعد ذلك الصناعات النسيجية، وثم الأحذية، وثم الخدمات.
ولذلك بلا شكّ أثرٌ كبير على تغييب الأطفال السوريين عن مقاعد الدراسة. فيُورد تحقيق التلفزيون العربي إحصائيةً صدرت عن وزارة التعليم التركية بداية العام الفائت تقدّر عدد الأطفال السوريين (من الذكور والإناث) من الذين غُيّبوا عن مقاعد الدراسة بما نسبته 35% (أو 393 ألف طفل تقريباً وفقاً لإحصاءات عدد الأطفال بداية عام 2022). وبحسب هيومن رايتس ووتش، فهناك تقريباً 750 ألف طفلٍ سوري بعمر الدراسة مُغيّبين عن المدارس في كلٍّ من تركيا والأردن ولبنان، أي أن أكثر من نصف الأطفال السوريين اللاجئين المغيّبين عن مقاعد الدراسة من البلدان الثلاث يُقيمون في تركيا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشريحة الأكبر من اللاجئين السوريين تعيش في تركيا، إذ تحتضن لبنان والأردن معاً ما يقارب 1.47 مليون لاجئٍ سوري (أقل من نصف تعداد اللاجئين السوريين في تركيا وحدها)، وفقاً لتقريرٍ صدر عن الأمم المتحدة نهاية شهر مايو/أيار الماضي.
أخيراً، أجرت الجهة البحثية Frontiers مسحاً يخصّ عمالة الأطفال السوريين في تركيا في شهر نيسان/أبريل 2022 تمّت فيه مقابلة 684 لاجئاً سورياً، وقد توصّل المسح إلى أن 41% من العينة قالت أن هناك طفلاً أو أكثر يعمل في عائلتهم، منهم 136 لاجئاً قالوا أن عمر أصغر طفل عامل في العائلة يتراوح بين 5-12 عاماً، كما أن معظم الأطفال العاملين يعملون 9-12 ساعةً يومياً.
ظروفٌ مأساوية
يعمل معظم الأطفال في ظروفٍ غير إنسانية، وبأجورٍ يوميةٍ زهيدة تبلغ حسب تحقيق التلفزيون العربي 50 ليرة (2 دولار أمريكي) في اليوم الواحد نظير 10-12 ساعةٍ من العمل، إذ يغادر الطفل منزله من الصباح الباكر ليبدأ العمل من الساعة 7 صباحاً ولا يعود حتى 10 مساءً، مع وجود يومٍ عطلةٍ واحد هو الأحد. ويعمل معظم الأطفال في المدن الصناعية الكبرى في تركيا: إسطنبول وغازي عنتاب وبورصا.
تحدّثت ألترا صوت مع عمر الذي يعمل حلّاقاً في أحد ضواحي مدينة إسطنبول. رحل عمر من سوريا عام 2015، عندما كان عمره لم يتجاوز 13 عاماً، ليستقر مع إثنين من أشقائه وأبيه وأمه في إسطنبول، واضطر عمر إلى العمل فوراً في الخياطة، على الرغم من ضآلة بنيته الجسدية، لأن غيابه عن العمل هو أو أبيه أو شقيقه يعني أزمةً اقتصادية بحكم الغربة والديون التي فُرضت عليهم بسبب اللجوء.
يعمل معظم الأطفال في ظروفٍ غير إنسانية، وبأجورٍ يوميةٍ زهيدة تبلغ حسب تحقيق التلفزيون العربي 50 ليرة (2 دولار أمريكي) في اليوم الواحد نظير 10-12 ساعةٍ من العمل، إذ يغادر الطفل منزله من الصباح الباكر ليبدأ العمل من الساعة 7 صباحاً ولا يعود حتى 10 مساءً
وقد وصف عمر ظروف عمل الأطفال السوريين بأنها صعبةٌ جداً: "يذهب الطفل إلى الورشة الساعة السابعة مساءً حتى الثامنة مساءً، دون أن يرى الشمس، دون أن يجد هواءً، لأنهم يعملون تحت الأرض. وثانياً، لا يهم إن كنت مريضاً، ولا يهم أيضاً شدة مرضك، من المستحيل أن يُعطيك صاحب العمل إذناً لتبقى في المنزل أو تستريح حتى تعود لك عافيتك. هناك الكثير من المضايقات. قد يقرّر صاحب العمل ببساطة أن يطردك من العمل إذا طلبت إجازة، أو يمكن أن يخصم جزءً من أجرتك اليومية، وكان الناس يخافون، وصاحب العمل قلبه ميت يخصم كما يريد ولا يسمح للأطفال أن بأخذ إجازة."
ويعبّر عمر عن الاختلاف الكبير بين حياته في سوريا وتركيا، إذ يقول إن الانتقال من الدراسة في سوريا إلى العمل في تركيا كان تجربةً مختلفةً تماماً، وأن غيابه عن مقاعد الدراسة هو ندمٌ سيلازمه طوال حياته.
تحدّث التلفزيون العربي إلى يوسف بكور الذي عمل في ثلاثة معامل مختلفة. وتحدّث عن قسوة ظروف العمل، وهو ما أدّى إلى تعرّضه لإصابةٍ في يده وفخذيه، واصفاً المعاملة التي لاقاها بالـ"البشعة".
يُشير الغازي بدوره إلى أن مجلس السلامة والصحة المهنية يقول إن هناك ما يقارب 600 طفل لاجئ ماتوا في مكان العمل خلال العقد الأخير.
استفحال الظاهرة
لا شكّ أن ظاهرة عمالة الأطفال هي مشكلةٌ قديمةٌ جديدة، إلا أن هذه المشكلة قد تفاقمت واستفحلت بحسب تقرير التلفزيون العربي في الآونة الأخيرة مع تصاعد نسب التضخّم في تركيا الذي لامس 59% في أعلى مستوىً مُسجّلاً له. وقد أجبر ذلك المزيد من الأطفال على ترك مقاعد الدراسة والالتحاق بمكان العمل لمساعدة ذويهم.
ومما زاد الموضوع سوءً هو اللجوء المضاعف الذي تعرّضت له العديد من هذه العوائل بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في شهر شباط/فبراير الفائت، إذ أن بعضهم قد اضطر إلى ترك ولاياتٍ أخرى في تركيا عاش فيها لسنوات، وكانت له فيها حياةٌ مستقرةٌ نسبياً والوفود إلى إسطنبول واصطدامهم بتكلفةٍ معيشةٍ أعلى مما اعتادوا عليه.
من ناحيةٍ أخرى، يقول الغازي أن الكثير من الأطفال وعوائلهم سحبوا أولادهم من المدارس بسبب العنصرية والتنمّر الذي لاقاه الطفل في المدرسة من قبل أقرانه الأتراك، وكان ذلك بالتوازي مع تصاعد موجة العنصرية وخطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين في تركيا، ويتبع ذلك إرساله إلى سوق العمل.
إلا أن الغازي قال في تصريحه لألترا صوت أن لذلك آثار سلبية أخرى تخصّ الفتيات، إذ أن العوائل قد تقوم بتزويج بناتها القُصّر إذا ما تركت الفتاة المدرسة، وهو ما يتبعه عادةً انفصال وطلاق مبكّر، وهو ما أصبح أمراً ليس غير شائع بين العوائل السورية.
93% من إجمالي القوى العاملة في مصانع النسيج التركية من اللاجئين السوريين لا يملكون تصريحات عمل
يُضاف إلى ذلك التعقيدات القانونية، التي هي الأخرى برزت كمشكلةٍ شائكةٍ أخرى تواجه السوريين في الآونة الأخيرة، والتي تخلق بيئةً خصبةً لعمالة الأطفال بين اللاجئين السوريين. فأولاً، تُوجد الكثير من العراقيل أمام اللاجئين السوريين للحصول على تأشيرة عمل، فوفقاً لمنظّمة العمل الدولية، في تقرير صدر في كانون الثاني/يناير 2022، أن نسبة اليد العاملة في سوريا قد وصلت قرابة مليون سوري، منهم 90% يعملون دون قيود رسمية، ويشمل ذلك التأمين الصحي وإذن العمل، إذ لا يتجاوز عدد المتمتّعين بأوراق عمل رسمية من السوريين 60 ألف شخص، وهذه نسبة "ضئيلة جداً" كما وصفها الغازي في تصريحاته لألترا صوت، مضيفاً أن صاحب العمل قد يتوجّس من تسجيل عماله بصفة رسمية لما سيترتّب على ذلك من حقوق والتزامات قانونية، في حين كان هناك نسبة "ضئيلة جداً" من السوريين الذين يمتنعون عن تحصيل إذن عمل خوفاً من انقطاع المساعدات من المنظّمات الإغاثية كالهلال الأحمر، حيث كان هذا جواب بعض أرباب الأسر السوريين الذين قابلهم الغازي، إلا أن السببين الرئيسين وراء ضعف البيئة التنظيمية للعمال السوريين تبقى الحكومة وأرباب العمل بالدرجة الأولى.
في المقابل قالت منظّمة العمل الدولي أن 3% من الأشخاص المستحقين من السوريين حصلوا على تصريح عمل، وبالمقابل فإن 93% من إجمالي القوى العاملة في مصانع النسيج من اللاجئين السوريين غير مسجّلة، وفقاً لاستطلاع رأي صدر عن وقف أبحاث السياسات الاقتصادية في تركيا أورده تقرير التلفزيون العربي، ويسري ذلك أيضاً على تسجيل الأطفال في المدارس، فوجود الصعوبات القانونية لتسجيل الأطفال اللاجئين في المدارس يجعل العائلة تفضّل الاستفادة من ابنها في سوق العمل، بدلاً من الغرق في متاهةٍ من المعاملات القانونية والأوراق، هذا غير مشاكل اللغة والتكيّف مع بيئةٍ جديدة للطفل.
ويذهب أنس، صاحب ورشة لصناعة الأَسِرّة في مدينة إسينيورت ذات الحضور العالي للاجئين السوريين إلى أسبابٍ مشابهة. فيقول أنس في تصريحاتٍ لألترا صوت إن عمالة الأطفال بين اللاجئين السوريين هي ظاهرةٌ "واضحةٌ"، مبيّناً أيضاً عاملاً اجتماعياً آخر، فغالب الناس يُشغّلون معهم أبناءهم وأبناء إخوتهم. ويقول أنس أن هذا القرار كان "بحكم موضوع الدراسة وتعقيده بالمدارس التركية أو الأوراق الحكومية التي لا يستطيع الأطفال بدونها الحصول على حقهم في التعليم."
ويُضيف أنس أن تشغيل الأطفال بين عمر 15-18 هو أمرٌ جذّاب لأصحاب العمل، لأن الطفل أكثر قدرةً على الاستيعاب والتعلّم مع طلبه معاشاتٍ قليلة، إذ أن المعامل الضخمة، كمعامل النسيج والأحذية، لا يتطلّب العمل فيها من ناحية أخرى خبرةً سابقة، والشغل فيها "روتيني"، ويُضيف أيضاً بكل تأكيد أن الصعوبات المادية هي السبب الرئيسي لعمالة الأطفال، ومن الأمثلة على ذلك قصة طفل بدأ بالعمل منذ عمر 11 عاماً في معمل خياطةٍ تركي، وعمل فيه أربع سنوات قبل أن يقرّر أهله إرساله إلى ألمانيا بسبب تعرّضه للعنصرية من أطفالٍ آخرين أتراك وأفغان.
أديداس، نايكي، H & M، NEXT... ما علاقتهم بالسماسرة وعمالة الأطفال؟
بحسب المفوّضية الأوروبية، فإن تركيا هي أكبر شريك استيراد وتصدير للاتحاد الأوروبي، إذ ذهب ما يزيد عن 41% من واردات السلع التركية إلى أوروبا عام 2022، وفي المقابل استوردت تركيا ما نسبته 26%.
ولذلك تداعياتٌ مخيفةٌ على عمالة الأطفال. إذ قال التلفزيون العربي إن فريق التحقيق حصل على وثائق لم تُعرَض من قبل تُدين 13 شركةً أوروبية من كبرى شركات الملابس في العالم، كـإتش آند إم، وأديداس، ونيكست، ونيويوركر، وبحسب الوثائق فإن هذه الشركات قد اتخذت إجراءات بعد اعتمادها على ورشٍ تشغّل الأطفال في تركيا.
وقد أجرى فريق تحقيق التلفزيون العربي مقابلةً مع إلياس، وهو سمسارٌ يختصّ بتأمين عمالٍ بأجورٍ زهيدة لهذه الورشات، ومنهم الأطفال طبعاً. وهؤلاء السماسرة هم بمثابة صلة الوصل بين أصحاب الورش والأطفال والعائلين الذين تدفعهم الحاجة المادية إلى العمل.
يجرّم القانون التركي عمالة الأطفال. تنصّ المادة 117 من قانون العقوبات التركي أن عمالة الأطفال محرّمةً بالمطلق لمن هم دون الخامسة عشر عاماً
ويقول إلياس إن هذه الشركات تعتمد على ورشٍ صغيرة، بعضها أصحابها سوريون، لتلبية الطلب العالي للملابس، وهنا يأتي دوره بتأمين العتاد البشري اللازم لتلبية هذا الطلب. ويقول إلياس أن الطفل هو عاملٌ مغرٍ لأنه لا يعترض ويستطيع التعلّم، وأن تركيزه هو على الأطفال ممن هم أقل من 15 عاماً.
يقول إلياس أنه أمّن وظيفة لثلاثة آلاف طفل خلال ثلاث سنوات، ولعل هذه الجملة التي قالها تختصر بشكلٍ وافٍ هذا الواقع بين استغلال الشركات الكبرى وبين الحاجة والعوز: "ما يهمني المكسب الشخصي، الحاجة صعبة، لن تجد نهاية الشهر من يدقّ بابك ويسدّ حاجتك".
في المقابل يقول أنس أن الرائج هو تشغيل الأطفال بعمر 14-17 عاماً، ويُضيف أنس، الذي يعمل في الورشة التي يُديرها شابٌ بعمر 17 عاماً بمهنة الخياطة منذ أربعة أشهر، أن ما يهمّ هذه الورشات الضخمة هو الإنتاج والإنتاج فقط، دون النظر إلى المشاكل أو التعامل معها.
ماذا عن القانون التركي؟
يجرّم القانون التركي عمالة الأطفال. تنصّ المادة 117 من قانون العقوبات التركي أن عمالة الأطفال محرّمةً بالمطلق لمن هم دون الخامسة عشر عاماً، ويُعاقب ولي أمر الطفل وصاحب العمل بعقوبة السجن لمدةٍ تتراوح بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامةٍ مالية، أما المادة 80 فتنصّ أن إجبار الطفل على ترك المدرسة وإرساله قسراً للعمل يُعد شكلاً من أشكال الاتجار بالبشر، ويرفع ذلك العقوبة إلى 8-12 عاماً في السجن مع غرامةٍ ماليةٍ أيضاً.
ويعقّب غزوان قرنفل، رئيس تجمّع المحامين السوريين، أنه حتى وفي حال من هم أكبر من 15 عاماً، فلا يُسمح لهم بالعمل إلا خارج أوقات الدراسة مع تحديد نوعياتٍ معينةٍ من العمل يمكن وصفها بـ"غير المجهدة" كبائع في بقالة، أو في مكتب أو مكتبة، أو محل زهور، ولا يجوز أن تتجاوز ساعات العمل سبع ساعاتٍ يومياً من بينها استراحة غداء.
وكما قلنا أعلاه، اضطرت بعض الشركات إلى اتخاذ إجراءاتٍ لمعالجة مشكلة الإنتاج باستخدام عمالة الأطفال، ومن ذلك التعاون مع الحكومة التركية للتبليغ عن هذه الحالات، إلا أنهم قد واجهتهم بعض المشكلات من هذه الناحية، إذ أن أصحاب الورش يمتنعون عن الإجابة على أسئلةٍ تتعلّق بعمالة الأطفال أو إعطاء المعلومات الصحيحة. وفي تصريحاته لألترا صوت، يقول الغازي أن ذلك يكون خوفاً من فرض غرامات على الورشة، بسبب مخالفتها لقانون عمالة الأطفال، وأيضاً عدم قيام تلك الورشات بتقديم تأمين صحي للعمال، وهو ما حدث في إحدى الورشات في مدينة "آيكوسان" الصناعية، المشهورة بصناعة الأحذية، في منطقة "إيكتيلي"، حيث أنكر صاحب الورشة التركي وجود أطفال سوريين عاملين في الورشة، على الرغم من علم المنظّمة السائلة بوجود أطفال في هذه الورشة.
ويُضيف الغازي في مقابلته مع التلفزيون العربي أن هناك طرقاً أخرى يلجأ إليها أصحاب هذه الورش للتحايل على القانون والجهات الرقابية، منها تشغيل الأطفال في مصانع غير معروفةٍ للمراقبين، أو إخفاء الأطفال أو إرسالهم للخارج وقت حضور المراقبين وممثّلو هذه الشركات، أو تشغيلهم بشكلٍ مبطّن، وأضاف السمسار إلياس أن أحد الحيل الأخرى هي التظاهر بأن الطفل موجودٌ لإيصال الطعام لأبيه أو أخيه الكبير الذي يعمل في الورشة.
ويرى غزوان قرنفل أن هذه المشكلة هي مسؤولية أصحاب الورشات، أي أن السلطات لا تقوم بغضّ الطرف بصورةٍ مقصودة، بل تواجه التفاف واحتيال هذه الشركات. في المقابل، يقول أنس إن موضوع عمالة الأطفال لا يلقى اهتماماً من المراقبين الذين يزورون ورش العمل: "الرقابة عامة ولكنها قليلة، يسأل المراقبون عادةً عن العمال بشكلٍ عام، عن ترخيصهم، ولكنهم لا يسألون تحديداً عن وجود أطفال."
كيف نتصدّى لهذه الظاهرة؟
في النهاية، يشدّد الغازي أن تفاقم مشكلة تسرّب الأطفال السوريين من المدارس والتحاقهم بمكان العمل في هذه الفترة سيؤدّي إلى انخفاض نسب المتعلّمين والكفاءات الثقافية والعلمية في المجتمع السوري، منبهّاً أن ناقوس الخطر قد دُقَّ من الآن، وعلى السوريين "كمنظّمات مجتمع مدني، كمؤسّسات معارضة سورية، كهيئات، كلجان، حتى بالتعاون مع الأطراف التركية كجهات حكومية وغير حكومية، وأيضاً مع منظّمات وهيئات الأمم المتحدة، العمل بكل الأطر والسبل على إعادة الأطفال السوريين من أماكن العمل إلى مقاعد الدراسة."
وفي هذا السياق، تحدّث ألترا صوت مع الناشط الحقوقي طه الغازي متسائلاً عمّا يمكن لمنظّمات المجتمع المدني فعله للحدّ من هذه الظاهرة: "دور [المنظّمات الحقوقية والمجتمع المدني] يقتصر فقط على رصد وتوثيق عمالة الأطفال القاصرين في عمر الدراسة تحديداً." وكشف الغازي أنه يتمّ إقامة دورات توعوية عن آثار عمالة الأطفال، وهناك من المنظّمات من تقوم بالتنسيق مع وزارة التعليم التركية لطرح مشاريع تشجيعية لإعادة الطلاب إلى مقاعد الدراسة، إلا أن الغازي نوّه إلى أن تقديم دعم مادي بما يسمح لتحقيق استقرار اقتصادي لعائلة الطفل هو أمرٌ غير متوفّر حالياً لهذه المنظّمات.