هي البيئة نفسها التي رفعت شعار "شكرًا سوريا" في عام 2005، عقب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، ووسط الحنق اللبناني على نظام بشار الأسد، وصدّرت قبل أعوام ومع اندلاع الثورة في المدن السورية، ميليشيتها العسكرية لقمع الشعب الثائر وتدعيم ركائز النظام المتهاوي، فهجّرت الملايين من أراضيهم إلى تغريبتهم في بلادهم وخارجها؛ لتعود اليوم بالوعيد والتهديد للاجئ السوري بقطع اليد عند امتدادها إلى لقمة عيشها، بعد حملات عنصرية لطرد اللاجئين من قراها ومدنها.
بعد أن ساهمت في تهجيريهم من أراضيهم، نفس البيئة تهدد بقطع أيادي اللاجئين السوريين لو امتدت إلى لقمة العيش!
وهي البيئة نفسها التي عادت الحرية واعتادت رفع الإصبع ومعاداة الصوت الآخر، فلجأت إلى سلاحها لكم الأفواه في السياسة والميدان، ليس في لبنان وحده بل في عدد من الدول العربية، بعد أن كانت انتفضت قبل عقود للحرية والتحرير، فقاومت الاحتلال الإسرائيلي، لكنها جاهرت لاحقًا بالولاء للطغاة، وترسل من أبنائها من يقاتلون على أراضي الغير ويقتلون الساعين فيها إلى التحرر من الظلم والديكتاتورية.
اقرأ/ي أيضًا: حكومة "حزب الله" - الأسد.. لبنان الجحيم
هي نفسها البيئة التي هجّر أهاليها العدوان الصهيوني في حرب تموز/يوليو من العام 2006 إلى سوريا، فاستقبلتهم مدنها بالترحاب واحتضنتهم بيوتها بودّ وتفاعل معهم ناسها بالنخوة والمحبة، هذه البيئة التي قصدها النازح الموالي للأسد ليستدرّ عطفها في بادئ الأمر، فيما صمت كل من يخالفها الرأي خوفًا على أمنه/ إذ ضاقت أمامه السبل وأجبرته الظروف على المكوث بين من يجاهرونه العداء.
نفس البيئة في وقت لاحق إذ بها تحمّلهم جميعهم دون استثناء مسؤولية مقتل أبنائها في سوريا، رغم أن أبناءها هم الغزاة، فراحت تكيل لهم الشتائم وتتعرّض لهم بالضرب حتى أن بعض القرى رُفعت فيها لافتات تدعو اللاجئين إلى الرحيل عنها، كما قامت إحدى البلدات بإمهال النازحين اللذين ليس لهم كفيل من أبنائها، مهلة أقصاها 15 يومًا لمغادرتها، وذلك بحجة المخاوف الأمنية والضغط المتولد على بنيتها التحتية.
أما جديد هذه البيئة فليس بجديد عنها، فهي عادت إلى قاموسها وصاغت من تعابير من تواليهم وتقتدي بهم عبارةً تحفظ ـبرأيهاـ حقّ عمالها في العمل والتكسّب ـ وذلك من خلال لافتة تهدد وتتوعد، قيل إنها رُفعت في إحدى شوارع النبطية الجنوبية، وقد جاء في مضمونها التالي: "أيها السوري.. اليد التي ستمتد إلى لقمة عيشنا سنقطعها".
هذه العبارة أعادت سريعًا إلى أذهان اللبنانيين تصريحات أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، لا سيما قوله الشهير إن "اليد التي ستمتد إلى سلاح المقاومة سنقطعها"، في معرض تهديده خصومه في السياسة اللبنانية، الأمر الذي دفع أحد المتابعين إلى القول إنّ "المفاهيم التي أخرجت بيئة اليسار التحرري والعروبة المنفتحة والسلام على من يحبه عن مبادئها فتزمتت، تخرج اليوم الكثيرين في الجنوب عن إنسانيتهم، حتى باتت العنصرية سمة أقوالهم وأفعالهم التي تنحو في شكلها ومضمونها إلى الداعشية".
حريّ القول إزاء ما تقدّم، أن هذه التصرفات إن كانت انعكاسًا لواقع، إلّا أن انتقادها لا يغيب عن عدد من أبناء هذه البيئة، فأول المعترضين على اللافتة كان أحد أبناء النبطية، الذي استغرب ما جاء فيها، مُؤكدًا أن الحل لواقع مزاحمة اليد العاملة السورية لليد العاملة اللبنانية، يكون "ليس بقطع الأيدي بل بدخول الدولة لتنظيم هذه العمالة".
رغم أنّ التصرفات العنصرية ضد السوريين في جنوب لبنان تعكس واقع هذه البيئة، إلا أن انتقادها لا يغيب عن عددٍ من أبناء نفس البيئة
الاستغراب وصل إلى حدّ الشجب من قبل أحد ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب بعد أن شارك صورة اللافتة على حسابه: "يقتلونهم ويقتلعونهم من بيوتهم ويحتلون أرضهم، وعندما يجدونهم يعملون ليستروا عيالهم ويدفعوا أجرة خيامهم يريدون قطع أيديهم. إنها مظلومية حسينية". ناشطة أخرى سألت: "إن وافقتكم الرأي بأن لا بد من منع اللاجئين السوريين من العمل على الأراضي اللبنانية، من أين لهم تأمين مداخيل تعيل عوائلهم؟ هل عليهم أن يسرقوا او يتسولوا او أن يموتوا من الجوع؟".
اقرأ/ي أيضًا: