03-مايو-2018

سيطرت شركة فيسبوك على تطبيق واتس آب بالكمال (Getty)

أعلن الملياردير والرئيس التنفيذي لشركة واتساب، جان كوم، استقالته من منصبه عبر رسالة نشرها على موقع فيسبوك، وذلك بعد خلافات مع الشركة الأم، فيسبوك، حول استراتيجية خدمة الرسائل العامة، ومساعي فيسبوك لاستخدام بيانات واتساب الشخصية، وإضعاف تشفيرها،  بحسب مصادر مطلعة على النقاشات الداخلية. وكان كوم قد باع تطبيق واتساب لشركة فيسبوك عام 2014، نظير ما يزيد على 16 مليار دولار، وباستقالته هذه يكون قد وضع نهاية لواحدة من أكبر الاستحواذات التكنولجية في التاريخ، فما قصة هذا الاستحواذ؟ في هذا التقرير المترجم عن صحيفة واشنطن بوست، توضيح للقصة الكاملة.


كتب الرئيس التنفيذي لشركة واتساب، جان كوم، على حسابه في موقع فيسبوك بعد نشر صحيفة واشنطن بوست عن خطط مغادرته: "لقد حان الوقت للمغادرة". وكان قد أبلغ بعض التنفيذيين البارزين في فيسبوك وواتساب بقراره، كما تراجع ظهوره خلال الأشهر الأخيرة في مكاتب واتساب داخل مقر فيسبوك بوادي السليكون، حسبما أفادت المصادر.

تُعد استقلالية واتساب وحماية بيانات مستخدميه مبدأً أساسيًا من المبادئ التي تعهد جان كوم وشريكه المؤسس، براين أكتون، بحمايتها عندما باعا شركتهما الناشئة إلى فيسبوك. وقد أكدت الشركة على تمسكها بتعهداتها من خلال إضافة التشفير عام 2016. اكتسب الخلاف حول البيانات زخمًا إضافيًا في أعقاب الكشف عن سماح فيسبوك لطرف ثالث بإساءة استخدام بيانات مستخدميه الشخصية في آذار/مارس الماضي.

رد الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، على منشور جان كوم مشيدًا بما تعلمه منه حول "التشفير وقدرته على انتزاع السلطة من الأنظمة المركزية ووضعها في أيدي الناس". وأضاف قائلًا: "ستبقى تلك القيم دائمًا محور واتساب".وعلى الرغم من ذلك، تحتاج شركة فيسبوك إلى إثبات أن عملية استثمارها في واتساب -التي تُعد أضخم عمليات استحواذها على الإطلاق- كانت تستحق المخاطرة.

قال دانييل إيفس، المحلل ورئيس الأبحاث التكنولوجية لشركة "جي بي إتش إنسايت" للأبحاث، إن "جزءًا من نجاح فيسبوك يتمثل في قدرتها على استيعاب ودمج الاستحواذات، والنجاح في تحقيق دخل منها، ودمجها في الآلة الإعلانية الخاصة بها". لكن واتساب شكلت تحديًا كبيرًا بسبب مقاومة مؤسسيها، وأضاف "كان ذلك بمثابة صدام ثقافي هائل".

اقرأ/ي أيضًا: هل يتجسس زوكربيرغ على هواتفنا ليعرف ما نريد؟ هذا رد فيسبوك

ويُعد خروج جان كوم أمرًا شديد الغرابة في فيسبوك. إذ إن الدوائر الإدارية الداخلية، إضافة إلى مجلس الإدارة، اتسمت بالولاء الشديد لعملاق التواصل الاجتماعي في خضم الفضائح التي عصفت به. بالإضافة إلى أن كوم هو مؤسس الشركة الوحيد الذي انضم إلى مجلس إدارة فيسبوك بعد استحواذ فيسبوك على شركته. وذلك إلى جانب اثنين آخرين من التنفيذيين من مجلس الإدارة، هما زوكربيرغ، وشيريل ساندبرغ، المديرة التنفيذية للعمليات. وامتنعت شركة فيسبوك عن التعليق على أسباب مغادرة كوم، لكنها لم تنفي تلك الأخبار.

تحتاج شركة فيسبوك إلى إثبات أن عملية استثمارها في واتساب التي تُعد أضخم عمليات استحواذها على الإطلاق كانت تستحق المخاطرة

وقال جان كوم في منشوره على فيسبوك إنه يود الابتعاد بعض الوقت عن مجال التكنولوجيا، والتركيز على مساعٍ أخرى "مثل جمع محركات بورش النادرة المبردة بالهواء، والعمل على سيارتي، ولعب الصحن الطائر".

غادر أكتون الشركة في تشرين الثاني/نوفمبر. وانضم إلى مجموعة من التنفيذيين السابقين المنتقدين لفيسبوك. وقد أيد أكتون مؤخرًا حملة "احذف فيسبوك" #DeleteFacebook على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي اكتسبت زخمًا كبيرًا في أعقاب الخلاف المثير للجدل حول خصوصية البيانات التي أشعلتها شركة كامبريدج أناليتيكا، وهي شركة للتسويق السياسي ارتبط اسمها بحملة ترامب الانتخابية، والتي حصلت بطرق ملتوية على البيانات الخاصة بـ 87 مليونًا من مستخدمي موقع فيسبوك.

وعلى الرغم من إسهام فضيحة كامبريدج أناليتيكا في مناخ الإحباط الذي انتشر على نطاق واسع بين موظفي واتساب في فيسبوك، إلا أن كوم كان قد اتخذ قراره بالمغادرة قبل هذه الفضيحة، حسبما أوردت المصادر.

تُعد منصة واتساب أكبر خدمة رسائل في العالم، بما يقدر بـ 1.5 مليار مستخدم شهريًا. كما أنها الأكثر شعبيةً في دول مثل الهند، ومصر، والبرازيل، فضلًا عن أوروبا، حيث تُستخدم لإجراء المكالمات الهاتفية، وفي الرسائل النصية بين الأصدقاء والشركات، بالإضافة إلى نشر الأخبار، ومجموعات الدردشة.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يعدّ فيسبوك عدّو الصحافة الوحيد؟

كان جان كوم وأكتون، اللذان عملا سويًا في شركة ياهو، قد أسسا واتساب عام 2009. وعد التطبيق بتوفير الاتصالات الخاصة مقابل 99 سنت في السنة. وبحلول عام 2014، بلغ عدد مستخدمي الشركة الصغيرة 500 مليون مستخدم تقريبًا. وهو ما لفت انتباه زوكربيرغ الذي كان يتطلع إلى توسيع شبكته الاجتماعية بالخارج. وبعد تناول عشاء بمنزل زوكربيرغ، قدم زوكربيرغ عرضًا لشراء واتساب، ما حول أكتون وجان كوم إلى مليارديرات في لمح البصر.

ولكن حتى في الأيام الأولى، كانت هناك علامات على عدم التوافق. فقد كان دخل واتساب وقت الاستحواذ لا يتعدى 20 مليون دولار. بينما كان فيسبوك يحقق مليارات الدولارات من خلال بيع وصول المعلنين إلى مستخدميه، الذين جمع عنهم حجمًا هائلًا من المعلومات.

كان جان كوم وأكتون ينتقدان علنًا نموذج الإعلان الموجه. وكتبا في منشور على إحدى مدونات واتساب عام 2012، "لا أحد يستيقظ من نومه متشوقًا لمطالعة المزيد من الإعلانات، ولا أحد يخلد إلى نومه وهو مشغول بما سوف يراه من إعلانات في الغد". وقد وصفا إعلانات الإنترنت بأنها "إخلال بالجمال، وإهانة لذكائك، وإعاقة لأفكارك".

كما أن مؤسسا واتساب أيضًا من أشد المؤمنين بالخصوصية. إذ بذلا جهدًا مضنيًا لجمع أقل قدر ممكن من البيانات من مستخدميهم، ما تطلب أرقام الهواتف فقط، وهو ما يضعهم على النقيض تمامًا من غول البيانات، فيسبوك. صرح جان كوم وأكتون خلال فترة الاستحواذ بأن فيسبوك أكد لهما أن خدمة واتساب سوف تظل خدمةً مستقلة، ولن تشارك بياناتها مع فيسبوك.

مؤسّسا واتساب أيضًا من أشد المؤمنين بالخصوصية. إذ بذلا جهدًا مضنيًا لجمع أقل قدر ممكن من البيانات من مستخدميهم

إلا أن الأسئلة الخاصة بكيفية تحقيق ذلك أو بكيفية تحقيق واتساب للأرباح، تُركت دون إجابة. كتب المؤسسان في منشور على المدونة، متعلق بعملية الاستحواذ، "ستظل واتساب مستقلة، وستعمل بشكل مستقل. ولايزال بإمكانك التأكد من عدم مقاطعة الإعلانات لاتصالاتك".

ولكن بعد ثمانية عشر شهرًا، تلاشت وعود عدم تبادل البيانات. فقد دفع فيسبوك واتساب إلى تغيير شروط الخدمة، من أجل إتاحة الفرصة أمام الشبكة الاجتماعية للوصول إلى أرقام هواتف مستخدمي واتساب، بالإضافة إلى بعض البيانات التحليلية، مثل أنواع الأجهزة، وأنظمة التشغيل التي يستخدمها مستخدمي التطبيق.

كان مديرا واتساب مطمئنين لمشاركة بعض البيانات مع فيسبوك لمعرفة حجم مستخدمي الخدمة، حسب المصادر المطلعة. لكنهما عارضا استخدام بيانات واتساب لإنشاء ملف شخصي للمستخدم، ما يسمح بتوحيده مع منصات فيسبوك المتعددة، والتي تتضمن إنستغرام، وفيسبوك ماسنجر أيضًا، والتي يمكن استغلالها في استهداف الإعلانات، أو في استخراج بيانات فيسبوك.

وافق كل من أكتون وجان كوم على ذلك، ما مكن فيسبوك من تقديم اقتراحات صداقة على موقع فيسبوك باستخدام بيانات الاتصال الخاصة بواتساب، وجعل بوسع فيسبوك أن يجمع مزيد من البيانات عن العلاقات بينهم. سمح هذا التغيير أيضًا للمعلنين باستخدام أرقام الهاتف من خلال نظام إعلانات فيسبوك، والمعروف باسم "الجمهور المخصص"، والوصول إلى أشخاص جدد لاستهدافهم بالإعلانات.

فرضت المفوضية الأوروبية، وهي السلطة التنظيمية للاتحاد الأوروبي، العام الماضي غرامة على فيسبوك بقيمة 122 مليون دولار، بسبب الإدلاء بتصريحات "مضللة" عندما وافق الاتحاد الأوروبي على تشغيل واتساب.

وسرعان ما اندلع الخلاف حول كيفية تحقيق واتساب للأرباح. فقد ألغى فيسبوك الاشتراك السنوي البالغ 99 سنتًا، بينما واصل كل من جان كوم وأكتون معارضتهما للنموذج الإعلاني. استمرت الخدمة دون إعلانات، إلا أن واتساب قد بدأ اختبارات لتحقيق الأرباح، ففي كانون الثاني/يناير، طرحت فيسبوك أداةً باسم "واتساب بزنس" تتيح للشركات إنشاء ملف تعريفي، وإرسال الرسائل لعملائها عبر واتساب. كما اختلف المؤسسان أيضًا مع فيسبوك حول بناء نظام دفع عبر الهاتف المحمول من خلال تطبيق واتساب في الهند.

كانت هناك نقطة خلاف أخرى حول تشفير واتساب. ففي عام 2016، أضافت واتساب نظام التشفير من طرف إلى طرف، وهي خاصية أمان تعمل على إعادة ترتيب رسائل المستخدمين بطريقة لا تسمح لأي طرف خارجي، بما في ذلك مشغلي واتساب، بقراءة محتوى الرسائل. وقد أراد المسؤولون التنفيذيون في فيسبوك جعل استخدام الشركات للأداة الجديدة أكثر يسرًا، بينما كان المسؤولان في واتساب يعتقدان أن ذلك قد يتطلب إضعاف تشفير واتساب بعض الشيء.

في نهاية المطاف، نال الإحباط من جان كوم بسبب اختلاف التوجهات، حسب تأكيدات المصادر المطلعة. ويشعر عدد آخر من موظفي واتساب بإحباط شديد، ويخططون للمغادرة في كانون الثاني/نوفمبر، وذلك بعد مرور أربعة أعوام وشهر من استحواذ فيسبوك، حيث يُسمح لهم بممارسة كافة خياراتهم المالية وفقًا لشروط الصفقة المبرمة مع فيسبوك، حسب ما صرحت به المصادر الداخلية.

تبرع أكتون بمبلغ 50 مليون دولار من أمواله لتطبيق سيجنال (Signal)، وهو تطبيق رسائل منافس مُجهز بكافة وسائل الحماية والخصوصية. وأعلن مؤخرًا من خلال منشور عن هذا التبرع، وعن دوره كرئيس مجلس إدارة تنفيذي لمؤسسة سيجنال غير الهادفة للربح، وقال أكتون إن هدفه هو إنشاء "أكثر تجربة اتصال موثوقة في العالم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيسبوك والسياسة القذرة.. خادم مطيع للأوامر الإسرائيلية والأمريكية

فضيحة كامبريدج أناليتيكا.. فيسبوك يضحي بخصوصية 57 مليار صداقة