لا يبدو أن الأزمة المندلعة بين المدارس الخاصة في المغرب وآباء وأمهات التلاميذ، ستجد حلًا في أقرب الآجال، فالاحتقان بين الطرفين لازال مستمرًا في جميع المدن المغرب. وبسبب تباين المواقف حول موضوع أداء الأجور الشهرية منذ قرار وزارة التربية الوطنية، بداية شهر أذار/مارس الماضي، تم تعليق الدراسة بكافة المستويات في إطار التدابير الاحترازية للتصدي لتفشي الجائحة.
تقول المدارس الخصوصية في المغرب أنها أنفقت على عملية التعليم عن بعد ميزانية خاصة للمسايرة، في حين يرى أولياء الأمور أن العملية لم تكن ناجعة، والمدارس ليس من حقها أن تطلب أجورها كاملة
إذ يتعلق الخلاف بين الطرفين حول قضية أداء الواجبات الشهرية المترتبة منذ بداية جائحة كورونا، إذ تمسك كل طرف برأيه وموقفه. فالقائمون على المؤسسات التعليمية الخصوصية يطالبون بدفع الأجور كاملة بالنسبة لأولياء التلاميذ الذين لم يتضرروا سلبًا من التبعات الاقتصادية للجائحة، في حين تنادي عديد من الأسر المتضررة من "كورونا" بالإعفاء المؤقت أو تخفيض تلك المستحقات إلى النصف.
اقرأ/ي أيضًا: التعليم الخاص بالمغرب.. جدل متجدد حول الجودة وغلاء الرسوم
فيما تبرر الأسر موقفها كونها تضررت من تبعات الفيروس، فهي اضطرت إلى الانخراط في خدمات الإترنت واقتناء أجهزة معلوماتية، بالإضافة إلى الأزمة المالية التي خلفتها كورونا. مقابل ذلك رفضت المؤسسات التعليمية أي تخفيض في واجبات التمدرس، مبررة ذلك بأنها تضررت هي الأخرى من الجائحة وتتحمل واجبات الأساتذة، بعدما رفضت لجنة اليقظة (لجنة الدعم) تمكين إجرائها من الاستفادة من التعويضات، التي يصرفها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للأجراء، الذين توقف نشاط مقاولاتهم.
حق أم جشع؟
وصلت الأزمة بين المدارس الخصوصية في المغرب وأولياء أمور التلاميذ إلى الطريق المقفول، بعد تشبث كل جهة برأيها، وفشل كل المفاوضات الودية التي تمت بين الطرفين، فالمدارس الخصوصية تقول إنها أنفقت على عملية التعليم عن بعد ميزانية خاصة للمسايرة، في حين يرى أولياء الأمور أن العملية لم تكن ناجعة، والمدارس ليس من حقها أن تطلب أجورها كاملة.
انتقل الخلاف بين أرباب المدارس الخاصة وأولياء الأمور، من وسط جدران الإدارات باستعمال لغة الحوار، إلى محيط المدارس، التي تحول أغلبها عبر مدن المغرب إلى ساحة للاحتجاج بشعارات ولافتات تطالب بوقف جشع قطاع المدارس الخاصة، خصوصا أنها في بداية الأزمة قدمت طلب الاستفادة من الدعم المخصص لمواجهة جائحة فيروس كورونا.
بسبب تعنت كل من إدارات المدارس الخاصة وأولياء أمور التلاميذ وراء مواقفهم، وصلت الأزمة المتعلقة بالأقساط المدرسية إلى عتبة القضاء المغربي
التصعيد المتبادل بين الطرفين وصل إلى حد تقاذف الاتهامات التي انتقلت إلى وسائل الإعلام، فأرباب المدارس يصفون الجهة الأخرى بـ"الجاهلة"، في حين رفع أولياء الأمور سقف الاتهامات إلى "الجشع" في ضل فراغ قانوني يحتكم لجهة دون أخرى دخل النزاع في متاهة وصلت ملفاتها إلى القضاء.
اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. نحو إلغاء مجانية التعليم العمومي!
في حين يتحدث النظام الأساسي المنظم للتعليم الخصوصي في البلد، وهو القانون رقم 06,00، في أحكامه عن الشروط العامة لالتزامات المستثمر في مجال التربية والتكوين، ومعايير التجهيز والتأطير والبرامج والمناهج المقررة والتدابير البيداغوجية الصرفة، ولم يتدخل في مسألة الأداءات الشهرية والسنوية.
الفراغ القانوني والأزمة المندلعة استغلها بعض آباء وأمهات التلاميذ المناسبة لإثارة مسائل التهرب الضريبي، وغلاء اشتراكات التأمين السنوية، وعدم احترام المعايير والضوابط الصحية المعتمدة في بعض المدارس.
الاتهامات الموجهة إلى أرباب المدارس الخاصة من طرف أولياء أمور التلاميذ رد عليها مالك مؤسسة في مجموعة واتساب خاصة، إذ تم تسريب التسجيل والذي ضاعف نسبة الاحتقان بين الطرفين، وأوصلهم إلى النفق المسدود.
التسجيل قال فيه صاحبه: "على أولياء الأمور أن يفهموا أنني مقاولة خاصة ربحية في مجال التربية والتعليم، أبحث عن الأرباح وهذا من حقي، ومن حقي أن أحدد سعر الأقساط الشهرية التي أقدر أنها تناسب العرض المدرسي والتربوي الذي تقدمه المؤسسة للتلاميذ، ومن حقنا التوسع في زيادة مدارس أخرى وما المانع، ولا حق لوزارة أمزازي للتدخل في عملنا".
هل تفلح الوساطة
قادت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي وساطة بين أرباب المدارس الخاصة وأولياء الأمور، إذ اجتمع الوزير سعيد أمزازي بممثلين عن الفدرالية الوطنية لجمعيات آباء التلاميذ بالمغرب، من أجل البحث عن صيغة توافقية لحل الخلاف بين الطرفين بعدما وجهت لها دعوة رسمية.
الاجتماع مع الوزير سبقه اجتماع أول، عقده مع رابطة التعليم الخاص بالمغرب، إذ طالب مديري الأكاديميات الجهوية للتربية ومسؤولي المديريات الجهوية للتربية بالتدخل لإيجاد حل لمشكل واجبات التمدرس، المتعلقة بالفصل الأخير من الموسم الدراسي الحالي.
ينتظر أن يتم الإعلان في الأيام القليلة المقبلة عن إعلان مشترك بشأن الرسوم المدرسية والنسبة المتفق عليها في التعليم الخصوصي المغربي، ما يحمل وعدًا بحل الأزمة المتفاقمة
وساطة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، جاءت في إطار تقريب وجهات نظر الطرفين في القضية الشائكة، لكنها، قانونيًا، لا تتوفر على أي صلاحيات فيما يتعلق بتحديد واجبات التمدرس، مقابل ذلك لديها سلطة رقابية في مناهج التدريس، ولديها مجموعة من الأوراق يمكن توظيفها لحث مؤسسات التعليم الخاصة على الانخراط بشكل فعال في الحوار مع آباء وأولياء التلاميذ.
اقرأ/ي أيضًا: أزمة التعليم في المغرب.. أعمق من إصلاحات "الترقيع"
يسعى سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي، مع ممثلي الفدرالية الوطنية لجمعيات آباء التلاميذ بالمغرب إلى التوصل لصيغة يمكن أن تنهي الخلاف، الذي نشب بين أولياء التلاميذ وأرباب مؤسسات التعليم الخاصة، حول رسوم التمدرس المتعلقة بالفصل الأخير.
الاجتماعين مع الوزير، والحل الذي تسعى إليه الوزارة، انتهى بوعد قدمه الوزير أمزازي خلال الاجتماع إذ قال إنه سيتدخل لدى محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية والإصلاح الإداري، من أجل تمكين العاملين بقطاع التعليم الخاص من الاستفادة من الدعم المخصص من صندوق مواجهة تداعيات “كوفيد 19” لتعويض أجراء المقاولات المتضررة.
كما أكد وزير التربية الوطنية أن الحكومة تدرس حاليًا كيفية منح الدعم لمستخدمي المدارس الخاصة وإدماجهم ضمن المستفيدين من تعويضات صندوق “كوفيد 19”.
في الوقت الذي شكل فيه آباء وأولياء التلاميذ مجموعات في وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى تنصب عدد كبير من المحامين المنتمين لصفوف أولياء الأمور من أجل الدفاع على الترافع القانوني على القضايا التي وصل بعضها إلى المحاكم، بعدما اضطرت عدد من المدارس إلى رفع الخصام إلى السلطة القضائية.
بينما يجتمع ممثلي أولياء أمور التلاميذ ومؤسسات التعليم الخاصة بشكل دوري، من أجل تحديد نسبة التخفيض وشروط الاستفادة، إذ ينتظر أن يتم الإعلان في الأيام القليلة المقبلة عن إعلان مشترك بشأن الرسوم المدرسية والنسبة المتفق عليها.
من جهتها دخلت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك على خط الأزمة، ووضعت شكاية تتضمن 237 توقيع في مدن مختلفة من المغرب، تستنكر فيه "رفض تخفيض واجبات التمدرس عن الشهور التي توقف فيه كل شيء في البلاد والعالم، لأن عملية التعليم عن بعد لم تكن ناجعة".
الشكاية التي من المنتظر أن تجد طريقًا لقضية كبرى أمام المحكمة إذا لم يجد المشكل حلا جاء فيها أنه "أمام تعنت أرباب المدارس الخاصة، لجأ آباء وأولياء التلاميذ إلى جمعيات حماية المستهلك لإحقاق مطلبهم العادل، أمام مهادنة الحكومة لظاهرة تغول القطاع الخصوصي".
كما يصر أولياء الأمور على أن الحكومة شجعت المدارس الخاصة، ولم تضع وسائل التقنين والمراقبة لحماية أطراف متعاقدة في التعليم الخصوصي، بالإضافة إلى غياب أي إطار قانوني يحدد العلاقة بين المؤسسة والمستهلك أدى إلى الفوضى.
اقرأ/ي أيضًا: