مع تصاعد حدة الضربات في أوكرانيا وتسارع الأحداث على المستوى الدولي، تحبس المنطقة العربية ودول العالم النامي أنفاسها ترقبًا لانعكاسات هذه الحرب على اقتصاداتها، إذ إن بعد المسافة بين دول الشرق الأوسط والمناطق المشتعلة لم يكن يوما سببًا كافيًا لحمايتها من آثار الحريق، خاصة وأن طبيعة النظام العالمي تفرض نمط سوق معولمة تؤثر أطرافها وتتأثر بالأزمات أيا كان موقعها على الخريطة.
طبيعة النظام العالمي تفرض نمط سوق معولمة تؤثر أطرافها وتتأثر بالأزمات أيا كان موقعها على الخريطة.
الحرب التي بدأت تلقي بظلالها على لقمة عيش العرب لم تستثنِ الأردن الذي يستورد كامل احتياجاته النفطية وما بين 85% إلى 90% من سلته الغذائية من الخارج، إذ تسود مخاوف من شبح ارتفاع جديد في الأسعار خاصة بعد قرار غربي بعزل بنوك روسيا عن نظام سويفت المصرفي.
لقراءة المزيد عن القرارات الأوروبية لعزل روسيا اقتصاديًا، يمكن الاطّلاع على هذا المقال.
وضع السلع الأساسية
يستورد الأردن كافة احتياجاته من القمح والشعير من الأسواق العالمية، إذ لا تنتج الأراضي الزراعية الأردنية إلا 25 ألف طن فقط من القمح في الوقت الذي تقدر فيه احتياجات السكان بأكثر من مليون طن.
من ناحية أخرى، لم يستورد الأردن القمح خلال عامي 2021 أو 2022 من روسيا، بسبب فرضها ضرائب تصدير على منتجاتها من القمح والشعير والذرة، كما لم يستورده من أوكرانيا في العام الحالي. في حين لم تتجاوز المستوردات من مادة القمح من أوكرانيا عام 2021 نسبة 10% من إجمالي الواردات للبلاد.
تؤكد وزارة الصناعة والتجارة على لسان الناطق باسمها، ينال برماوي، أن مخزون القمح في الأردن يكفي لمدة خمسة عشر شهرًا، في حين يكفي الاحتياطي من الشعير مدة أحد عشر شهرًا، وذلك أن الوزارة منذ عام 2008 بدأت بالعمل على سياسة تهدف إلى توفير احتياطي كبير من المواد الأساسية يفوق الحدود الآمنة.
يضيف برماوي لألترا صوت أن الأردن أيضًا يتبع سياسة تقضي باستيراد القمح وغيره من السلع الغذائية الأساسية من مناشئ متعددة لتفادي الاعتماد في الحصول عليه من مصدر واحد، كما يؤكد أن الدعم الحكومي لسلعة الشعير سيظل قائما، "فالوضع في الأردن مريح حاليًا، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بما قد يحدث في الغد وبالمدة التي قد تستمر فيها الحرب ومدى ارتداداتها على الاقتصاد العالمي ومن ثم على الأردن"، كما يستدرك برماوي.
الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي يقول إنه من المتوقع أن تظهر آثار القرار الغربي الأخير بعزل بنوك روسية عن نظام سويفت على المستوى العالمي مع افتتاح الأسواق الغربية اليوم الإثنين، 28 شباط/فبراير، وهو ما يعني زيادة ارتفاع أسعار النفط والغاز والسلع الغذائية، إذ تحتل روسيا مرتبة متقدمة عالميا على قائمة الدول المصدرة للمنتجات بشكل عام.
أما محليًا، فلن تبدأ تأثيرات تداعيات الحرب في أوكرانيا بالظهور حتى مرور بضعة أشهر، وذلك أنه على الرغم من الاحتياطي المريح من مخزون السلع الأساسية في الأردن، إلا أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية عالميا بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مشتقات النفط وأسعار الشحن وارتفاع المخاطر على النقل بالسفن عبر البحر الأسود بمقدار الضعف، كل ذلك سيؤثر على الأسعار بشكل سلبي سيشعر به المواطن.
قطاع الطاقة المتعثر
حتى وقت كتابة هذا التقرير، تجاوز سعر برميل النفط في العقود الآجلة 105 دولار أمريكي، ويتوقع أن يرتفع إلى 120 دولار في الأيام القليلة المقبلة.
أما الأردن فيستورد كافة احتياجاته النفطية من الخارج، وقد ارتفعت فاتورة الأردن من النفط الخام ومشتقاته بنسبة 43% العام الماضي لتصل إلى حوالي 1.836 مليار دينار أردني بالمقارنة مع عام 2020 إذ بلغت آنذاك حوالي 1.283 مليار دينار، كما أعلنت دائرة الإحصاءات العامة يوم الأحد.
يأتي ذلك في ظل تراكم مستمر لخسائر شركة الكهرباء الوطنية لتصل ديونها إلى 7.18 مليار دولار العام الماضي، وهو ما دفع الحكومة الأردنية إلى الإعلان عن رفع تعرفة الكهرباء مطلع نيسان/أبريل المقبل.
رغم ذلك طمأن وزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة يوم الخميس، الأردنيين مؤكدا أن قرار رئيس الحكومة بتثبيت أسعار المشتقات النفطية خلال الشهرين المقبلين لا يزال ساريًا.
الخرابشة أضاف لقناة المملكة أن "تثبيت أسعار المحروقات لشهر شباط/فبراير الحالي يخفض إيرادات الحكومة بنحو 30 مليون دينار"، إلا أن "الاتفاقيات التي وقعتها شركة الكهرباء الوطنية تساعد الأردن خلال هذا الظرف لمواجهة الارتفاع المضطرد لأسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية...وتضمن الحصول على الكميات التي نحتاجها بالأسعار المتفق عليها".
من ناحيته، ينتقد الشوبكي "اعتماد الحكومة المفرط وغير الصحيح على الضرائب المفروضة على المشتقات النفطية والذي يبلغ ثلث الإيرادات الضريبية للموازنة العامة"، وهو ما من شأنه أن يدخل الحكومة في حرج كبير في حال اضطرارها لتجميد الضرائب على المشتقات النفطية، كما سيدخل المواطن الأردني في حالة من عدم اليقين والتوجس حيال احتمالية ارتفاع الأسعار في أي لحظة.
يضيف الشوبكي لألترا صوت أن الوضع الحالي استثنائي وهو يتطلب رد فعل استثنائيًا من قبل الحكومة التي عليها أن تجمد الضرائب على المشتقات النفطية وأن تحمي أسعار السلع الأساسية من الارتفاع. كما تتطلب رد فعل استثنائي من الأردنيين الذين عليهم أن يتزودوا بالمواد الغذائية طويلة الأمد ولكن من دون الدخول في حالة من الهلع.
الشوبكي: الحكومة مطالبة باتخاذ إجراءات على المدى البعيد تتلخص في تخفيف اعتماداتها على العوائد الضريبية المفروضة على المشتقات النفطية وعلى ضريبة المبيعات
كما أن الحكومة مطالبة باتخاذ إجراءات على المدى البعيد تتلخص في تخفيف اعتماداتها على العوائد الضريبية المفروضة على المشتقات النفطية وعلى ضريبة المبيعات بهدف إنعاش السوق ورفع القدرة الشرائية، كما يقول الشوبكي.
"لكن ما أراه الآن هو أنه لا توجد لدى الحكومة خطة، وهي تكتفي بتصريحات طمأنة للمواطنين فقط من دون تقديم أي تفاصيل عن ملامح واضحة لخطة تنوي العمل بها"، يقول الشوبكي.
اقرأ/ي أيضًا:
بعد الغزو الروسي.. سوريون يتضامنون مع أوكرانيا ويذكّرون بمرارة الحرب والنزوح