الترا صوت - فريق التحرير
فرضت السلطات المحلية في كوبا قيودًا على وسائل التواصل الاجتماعي بعد موجة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت، يوم الأحد الماضي، ردًا على انحدار الأوضاع الاقتصادية والسياسية إلى أدنى مستوياتها، فيما وجهت الحكومة الكوبية اتهامها للولايات المتحدة بالوقوف وراء موجة الاحتجاجات الأخيرة، مع دخول موسكو على خط الدول الداعمة للرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل مطالبة واشنطن بـ"عدم التدخل في شؤون دولة ذات سيادة".
انضم آلاف الكوبيين إلى الاحتجاجات التي خرجت في مدن عدة ردًا على النقص الحاد بالغذاء وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية
آلاف الكوبيين ينضمون إلى الاحتجاجات
انضم آلاف الكوبيين إلى الاحتجاجات التي خرجت في مدن عدة ردًا على النقص الحاد بالغذاء وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية، وذلك بعد وصول مقاطع مصوّرة عبر منصات التواصل الاجتماعي تظهر خروج المئات في عدد من المدن غير الرئيسية، قبل أن تتوسع رقعة الاحتجاجات لتشمل العاصمة هافانا، ردت عليها قوات الشرطة بالإضافة إلى أشخاص برتدون لباس مدني بعنف شديد، مما أسفر عن سقوط قتلى.
اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن كوبا؟ دليلك الكامل لفهم الحراك الشعبي في دولة الحزب الواحد
وبعد وقت قصير من اندلاع الاحتجاجات قطعت قنوات التلفزة المحلية بثها لتنقل كلمة للرئيس دياز كانيل يحذر فيها المحتجين من "زعزعة الاستقرار" في الجزيرة المطلة على البحر الكاريبي، ومؤكدًا على أن الاحتجاجات ستقابل "برد ثوري"، داعيًا أنصار الحزب الشيوعي الحاكم في البلاد إلى النزول للشوارع، فيما أشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن أنصار الرئيس دياز كانيل منعوا المحتجين من بسط سيطرتهم على أجزاء حساسة من العاصمة.
ويعيش النسبة الأكبر من الكوبيين أسوء أزمة اقتصادية تضرب البلاد منذ 30 عامًا، بعدما ساهمت العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مصحوبةً بتداعيات فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) من حدة الأزمة، حيثُ كان من أسباب الاحتجاجات سوء التعامل مع فيروس كورونا، حيث يقول المحتجون إن الحكومة الكوبية استخدمت مكافحة الجائحة العالمية لفرض المزيد من القيود المدنية.
وقال تقرير صادر عن شركة نت بلوكس لمراقبة الإنترنت على مستوى العالم إن السلطات الكوبية فرضت قيودًا على الإنترنت مما أثر سلبًا على وصول الكوبيين إلى منصات التواصل الاجتماعي، التي اعتمدوا عليها في تنظيم الاحتجاجات الأخيرة، وفيما أشارت نت بلوكس إلى حصول أعطال في خدمات فيسبوك وواتساب وإنستجرام وتليجرام خلال يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، فإن تويتر أوضحت أنها لم تلحظ أي حظر على خدمتها.
أسباب متعددة تدفع الكوبيين للاحتجاج
كان الشح الحاد بالأدوية فضلًا عن انقطاع التيار الكهربائي وتزايد أعداد الأشخاص الذين يقفون في الطوابير للحصول على المواد الغذائية عاملًا أساسيًا في مفاقمة حدة الاحتجاجات الشعبية، لكن الأكثر أهمية من ذلك تمثل بمحصول السكر الذي كان شحيحًا هذا العام، حيثُ يُعتبر من أعمدة الاقتصاد الكوبي، ودخل فيروس كورونا إلى خط الأزمة بعدما قررت السلطات الكوبية إغلاق البلاد لثمانية أشهر، مما أثر على السياحة التي تعتبر ثاني أكبر داعم للاقتصاد الكوبي.
وبحسب ما نقلت تقارير إعلامية فإن شركة تسويق السكر الكوبية (أزكوبا)، أرجعت أسباب شح محصول السكر إلى نقص في الوقود وتعطل الآلات المستخدمة في استخراجه، بالإضافة إلى عوامل طبيعية، مثل الرطوبة في الحقول، وهو ما أثر على احتياطي الحكومة الكوبية من العملات الصعبة، مما يعني عدم القدرة على شراء السلع الأجنبية لتعويض النقص، كما تفعل عادة.
وأنحت الحكومة الكوبية باللوم بشكل مباشر على الولايات المتحدة معتبرة أن الحظر التجاري الذي فرض على الجزيرة الكاريبية منذ عقود، كان السبب المباشر وراء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها، وزاد من تداعياتها العقوبات الاقتصادية التي شددتها إدارة ترامب، حيثُ أعاد فرض 240 إجراء ضد كوبا، بما في ذلك إعادة إدراجها ضمن قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، وإطلاق ملاحقات قضائية بحق الشركات الأجنبية المتعاملة مع الجزيرة، وتشديد القيود على التحويلات المالية للكوبيين الذين يعملون في الخارج ويرسلون الأموال إلى بلادهم.
قرارت إسعافية لامتصاص غضب الشارع
في خطوة تدل على محاولة امتصاص غضب المحتجين الكوبيين، قال الرئيس الكوبي في خطاب يشبه إلى حد ما خطابات النقد الذاتي التي درج استخدامها بين قيادات الأحزاب الشيوعية، إنه: "علينا أيضًا استخلاص العبر من هذه الاضطرابات، علينا أيضًا أن نجري تحليلًا دقيقًا لمشاكلنا"، حيثُ أضاف الزعيم الشيوعي معترفًا بوجود "أمور ينبغي تحسينها" مرجعًا ذلك لوجود متظاهرين لا يشعرون بالرضا.
وتابع دياز كانيل مضيفًا في حديثه أنه "ربما ينبغي أيضًا الاعتذار من أولئك الذين في خضم هذا الارتباك في هذا النوع من الأحداث، اعتبروا (مثيري شغب) وتعرضوا لسوء معاملة"، لافتًا إلى وقوع جرحى في صفوف المتظاهرين، قبل أن يطلق دعوة "للسلام والتفاهم والاحترام بين الكوبيين"، مشيرًا إلى أن "الأمر الذي يجب علينا تشجيعه، حتى لو كانت لدينا أحيانًا وجهات نظر مختلفة بشأن بعض المسائل، هو أن نحاول إيجاد حلولًا في ما بيننا".
وأصدرت السلطات الكوبية مجموعة من القرارات التي يمكن وصفها بالإسعافية لامتصاص غضب الشارع، وجاءت القرارات تباعًا على لسان رئيس الوزراء، مانويل ماريرو، الذي سمح "بصورة استثنائية ومؤقتة بأن يجلب الركاب (الكوبيون القادمون من الخارج) معهم في حقائبهم موادًا غذائية ومنتجات نظافة وأدوية، من دون حد أقصى لقيمتها ومن دون ضرائب جمركية عليها"، لافتًا إلى أن هذا الإجراء ساري المفعول حتى نهاية العام الجاري، وهو واحد من بين مجموعة مطالب رفعها المحتجون.
كما أعلن وزير الاقتصاد، أليخاندرو جيل، إنهاء العمل بالحد الأقصى للرواتب في المؤسسات الرسمية التي كانت تخضع لجدول رواتب صارم، موضحًا ذلك بقوله: "نلغي الحد المفروض على جداول الأجور لمؤسسات الدولة، أولًا" بموجب "مبدأ كسب المزيد إذا أنتجنا المزيد من الثروة وإذا كنا أكثر كفاءة"، وتابع جيل مشيرًا إلى أنه سيتم خلال الأسابيع القادمة وضع القواعد الموعودة منذ فترة طويلة لتشكيل الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم، وهو واحد من القرارات التي كان من غير الممكن أن يعلن عنها الحزب الشيوعي الحاكم.
مطالب روسية برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوبا
دخلت الولايات المتحدة على خط الاحتجاجات الكوبية بعدما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دعمه للاحتجاجات الكوبية في وجه ما وصفه بـ"عقود من القمع والمعاناة الاقتصادية التي تعرضوا لها من قبل النظام الاستبدادي الكوبي"، ووصفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تصريحات بايدن بأنها تحول واضح باللهجة عن موقف الرئيس السابق باراك أوباما عندما أعلن خلال زيارته التاريخية إلى العاصمة هافانا أنه جاء "لدفن آخر بقايا الحرب الباردة في الأمريكيتين" في عام 2016.
وعلى عكس الولايات المتحدة التي طالبت الحكومة الكوبية بالإفراج عن المعتقلين، مؤكدة وقوفها إلى جانب الكوبيين الذين يطالبون بحقوقهم، وهو الموقف المماثل للاتحاد الأوروبي، فإن الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور اعتبر أن تعليق الحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض على كوبا سيكون بمثابة "بادرة حسن نية"، بينما شدد الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، على دعمه للحزب الشيوعي الحاكم في البلاد.
لكن اللهجة الأشد في الانتقاد للموقف الأمريكي جاءت على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التي وصفت التصريحات الأمريكية بأنها "تتبع استراتيجية ممنهجة تهدف إلى خنق هذا البلد (كوبا) والتمييز ضد شعبه وتدمير اقتصاده"، معيدة التذكير بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على الجزيرة الكاريبية منذ قرابة 60 عامًا، قبل أن تختم حديثها بمطالبة الإدارة الأمريكية برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوبا.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت بشكل تدريجي عقوبات اقتصادية على جزيرة كوبا منذ عام 1958، حيثُ صدرت أولى العقوبات خلال الثورة التي قادها فيديل كاسترو ضد نظام فولغينسيو باتيستا الديكتاتوري في عام 1958، وعادت واشنطن لتفرض المزيد من العقوبات بعد استلام الزعيم الشيوعي كاسترو مقاليد الحكم في البلاد، على خلفية ما يعرف بأزمة الصواريخ الكوبية التي كان الاتحاد السوفييتي طرفًا فيها، قبل أن تفرض إدارة ترامب عقوبات مشددة في عام 2018.
لكن العقوبات الأمريكية ليست العامل الوحيد للأزمة الاقتصادية
على الرغم من أن الرئيس الكوبي أشار بشكل مباشر إلى أن العقوبات الأمريكية كان لها تأثير تراكمي على الأزمة الاقتصادية الكوبية، فإن تقارير صحفية تحدثت عن أن الحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض على الجزيرة الكوبية ليس كافيًا لتفسير الأزمة، فقد كان من أهم العوامل التي أدت إلى الركود الاقتصادي المتفاقم منذ سنوات اعتماد الحزب الشيوعي الحاكم في الجزيرة على المعونة التي كان يقدمها الاتحاد السوفييتي.
ومع انهيار الاتحاد السوفييتي بحلول نهاية العام 1991 بدأت معاناة الاقتصاد الكوبي، وأصبحت الجزيرة الكوبية تواجه نقصًا شديدًا بالغذاء، وانكمش اقتصادها إلى أكثر من 35 بالمائة، بينما استمرت كوبا بالنهج الاقتصادي السوفييتي رافضة دعوة الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، نجوين فو ترونج، الذي حث كوبا على المضي قدمًا بتبني سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي، على غرار التجربة الفيتنامية التي ساهمت بانتشال 30 مليون فيتنامي من الفقر.
تقارير صحفية تحدثت عن أن الحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض على الجزيرة الكوبية ليس كافيًا لتفسير الأزمة في كوبا
وبحسب ما نقل موقع إن بي سي إن نيوز الأمريكي فإن الخبير الاقتصادي الكوبي بافيل فيدال أشار إلى أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية كانت من أهم العوامل المؤثرة سلبيًا على الاقتصاد الكوبي، حيث ساهمت بتقييد الواردات والصادرات، ومنعت المستثمرين من ضخ أموالهم في الجزيرة الكاريبية، مع تسجيل انكماش بالاقتصاد المحلي بنسبة 11 بالمائة في العام الماضي. لكن ذلك ليس العامل الوحيد، فقد أضاف فيدال بأن الحكومة الكوبية لم تستجب للعديد من الفرص لإصلاح الاقتصاد منذ تسعينات القرن الماضي، بعدما استمرت بإدارة معظم الصناعات الرئيسية في الجزيرة إلى جانب إشرافها على توظيف القوى العاملة في المؤسسات الرسمية، لافتًا إلى أن الحكومة الكوبية الراهنة لا تتمتع بالكاريزما أو الشرعية التاريخية التي كان يتمتع بها الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو (1926 – 2016).