بالكاد احتفت تونس مؤخرًا بإخراجها من القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي لدول الملاذات الضريبية، حتى أضافها البرلمان الأوروبي إلى قائمة سوداء جديدة خاصة بالدول المعرضة لخطر تمويل الإرهاب وتبييض الأموال. غير أن الخبر الأهم الذي حاز على اهتمام التونسيين هو ما ذكرته صحيفة "لومند الفرنسية" أن وزارة الخارجية التونسية قدمت هدايا متمثلة في زيت زيتون وتمر لنواب البرلمان الأوروبي في إطار الدعاية لتونس، وهو ما أثار حالة سخط وسخرية بين التونسيين في مواقع التواصل الاجتماعي لما وصفوه بـ"الفضيحة" بخصوص طرق تعامل دبلوماسية بلادهم مع الأوروبيين.
ذكرت "لومند" أن وزارة الخارجية التونسية قدمت هدايا لنواب البرلمان الأوروبي في إطار الدعاية لتونس وهو ما أثار موجة من السخرية والسخط على مواقع التواصل
وتعليقًا على الخبر الوارد في الصحيفة الفرنسية، سخر المدير التنفيذي لمنظمة "أنا يقظ" المعنية بمكافحة الفساد على حسابه الشخصي من أن "هذه الأساليب شبيهة بعهد الجاهلية". كما سخر المحامي أنور القوصري متسائلًا إذا "لا تزال متوفرة كميات من التمر والزيت أو أنه تم إرسالها جميعها للنواب الأوروبيين". وتهكم الناشط فؤاد الحمزاوي ممن روجوا أن الدبلوماسية قد شهدت تراجعاً زمن الترويكا الحاكمة بين 2011 و2014 وأنها ستجد هيبتها مع التغيير الحاصل باعتلاء نداء تونس الحكم. وتواترت التغريدات الساخرة والمتهكمة مع سخط البعض واستغراب آخرين.
اقرأ/ي أيضًا: برود الدبلوماسية التونسية في الملف الليبي
وتبادل التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ساخرة، مفبركة بالفوتوشوب، تظهر وزير الخارجية خميس الجهيناوي يحمل شمروخًا من التمر والزيت، فيما تظهر أخرى رئيس الحكومة يقدم لرئيس الجمهورية قائمة "السلع" التي تم تقديمها للنواب الأوروبيين.
وفي ذات الإطار، أعلن النائب الجديد في البرلمان التونسي ياسين العياري، الذي وقع انتخابه حديثًا من الانتخابات الجزئية التي وقعت في ألمانيا، عزمه تقديم سؤال كتابي لوزير الخارجية لمساءلته حول ما ذُكر في صحيفة "لوموند الفرنسية"، مضيفًا في نشرية على حسابه على موقع فيسبوك "مؤسف ومحزن أن تصبح الدبلوماسية التونسية أضحوكة: نتائجًا وطرق عمل!".
اقرأ/ي أيضًا: سخرية ونقد لسفير فرنسا في تونس.. ما القصة؟
نفت الخارجية التونسية ما ورد في "لوموند" الفرنسية معتبرة تصنيف تونس ضمن الدول المعرضة لخطر تمويل الإرهاب وتبييض الأموال مجحفًا
من جهتها، نفت الوزارة بصفة قطعية ذلك معتبرة إياه "محاولة للاستنقاص من قيمة الجهود المكثفة التي بذلتها تونس". وهاجمت الصحيفة الفرنسية التي قالت إنها دائمًا ما تدعي امتلاك الحقيقة.
وبغض النظر عن صدق المذكور من عدمه، توجد قابلية بين التونسيين للاعتقاد بأن بلادهم تلجأ لمثل هذه الممارسات، والتي يدافع عنها البعض من منطلق الدعاية عبر الترويج للمنتجات التونسية على الأقل. وهذه القابلية ليس منطلقها الرغبة في السخرية المجانية من الفعل ذاته بل سابقية استعمال هذه الوسائل محليًا في إطار الحملات الانتخابية لحزب نداء تونس، سليل حزب التجمع المنحل، وأحزاب أخرى وعليه ظهرت الصورة أن الديبلوماسية التونسية "تصدّر" أدوات الدعاية من الداخل التونسي نحو الخارج.
غير أن سخرية التونسيين هي أشمل من فعل تقديم زيت وتمر للنواب الأوروبيين، بما هي سخرية في جوهرها من وضع دبلوماسية لطالما قيل إن الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي سيسعى لإرجاع "هيبتها" في مقابل القول بتراجعها بل وتقهقرها زمن الائتلاف الحاكم بين 2011 و2014.
صار جزء كبير من التونسيين يعتقدون أن الحديث عن "الهيبة" لم يكن إلا أداة دعائية لاستثارة العاطفة وربما بعض الحنين إلى الماضي وذلك ليس بالنظر فقط إلى فراغ مضمونها سياسيًا بل كذلك لسلسلة إخفاقات الدبلوماسية التونسية، ومن ذلك مثلاً غياب رئيس الجمهورية منذ صعوده لقصر قرطاج عن جميع قمم الاتحاد الإفريقي، وذلك بالتزامن مع العودة القوية للمنافس المغربي للسوق الإفريقية، بل ومؤخرًا تغيب السبسي عن قمة دافوس رغم أن تونس كانت بحاجة، في هذا الوقت بالذات، للترويج لديمقراطيتها الناشئة لكسب الدعم المطلوب.
ومن المرتقب أن يؤثر التصنيف الجديد لتونس على سمعتها الاقتصادية، في الوقت الذي تسعى فيه لجلب الاستثمارات الأجنبية للخروج من أزمتها الحالية. وكانت تونس بحاجة لتصويت أغلبية النواب الأوروبيين أي 376 نائبًا لمنع هذا التصنيف غير أنها لم تنجح إلا في إقناع 357 نائبًا، وهو ما اعتبره مراقبون تأكيدًا على عدم الإجماع الأوروبي حول هذا التصنيف الذي وصفته الخارجية التونسية بـ"المجحف" بما أنه لم يراع أن تونس لا تزال ديمقراطية ناشئة تحتاج للدعم، خاصة وأنها قدمت تعهدات بالقيام بتطوير منظومتها التشريعية والمالية لمواجهة مخاطر تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
اقرأ/ي أيضًا:
#تونس_تؤدب_الإمارات.. تونس تنتصر لنسائها
تورط الإمارات في استهداف ثورة تونس.. تسريبات جديدة تؤكد المعلوم