ألترا صوت - فريق التحرير
تستعيد هذه المساحة اﻷسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات النارين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.
توفي الخميس الفائت، الثاني من أيلول/ سبتمبر الجاري، الموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوراكيس (1925 – 2021)، عن عمرٍ ناهز 96 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا موسيقيًا مميزًا، ومسيرة نضالية حافلة ضد النازيين ودكتاتوريات العسكر، أمضى جزءًا منها إما سجينًا أو منفيًا، ما جعل منه رمزًا للمقاومة داخل اليونان وخارجها.
يضم الكتاب اليوميات التي دوّنها ميكيس ثيودوراكيس بين عامي 1967 و1970، ووثّق فيها أحوال اليونان بعد انقلاب الجيش على الديمقراطية
ولد ثيودوراكيس في 29 تموز/ يوليو سنة 1925 في جزيرة خيوس، وأمضى سنوات حياته الأولى متنقلًا بين مدنٍ يونانية مختلفة، بسبب تنقل والده المستمر من وظيفة إلى أخرى. وفي عام 1937، حصل على كمنجة واكورديون للمرة الأولى في حياته، ليبدأ حينها بالتأليف الموسيقي، ويضع في عام 1939 لحن أغنية "كابتن زكارياس"، التي تحولت إلى أغنية رسمية للبحارة في المقاومة اليونانية خلال الحرب العالمية الثانية.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: الحفرة
في تلك الحرب، وتحديدًا في 25 آذار/ مارس عام 1942، اعتُقل الموسيقار اليوناني الراحل لمدة عامٍ تعرض فيه لتعذيبٍ وحشي في سجن جزيرة ماكرونيسوس، ما دفعه للانضمام إلى المقاومة اليونانية ضد النازيين فور إطلاق سراحه. ومنذ ذلك الوقت، انخرط ثيودوراكيس في العمل السياسي والنضالي، حيث شارك في أنشطة سرية مختلفة ضد الجيش الإيطالي أثناء احتلاله لليونان، وساهم في تنظيم مظاهراتٍ عديدة ضد القوات البريطانية، منها مظاهرة 25 آذار/ مارس 1946 التي تعرض فيها لضربٍ مبرح أفقده وعيه. وحين استيقظ، وجد نفسه مُلقى على قطعة رخام وسط الجثث في مشرحة المستشفى.
وبعد أكثر من 20 عامًا على نهاية الحرب العالمية الثانية، و18 عامًا على نهاية الحرب الأهلية اليونانية، وإبان الأزمة السياسية بين القوى اليمينية واليسارية، أصدر المجلس العسكري اليوناني الذي تولى السلطة بانقلابٍ عسكري نفذه في 21 نيسان/ أبريل 1967، قرارًا بمنع تداول أي عملٍ موسيقي لثيودوراكيس. وبعد الانقلاب بنحو أربعة أشهر، اعتُقل الراحل بسبب نشاطه النضالي ضد الانقلاب، ودخل حينها مرحلة جديدة من النضال السياسي ضد العسكر، كان عنوانها الأبرز إضرابه عن الطعام مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته.
الحرب اﻷهلية اليونانية بين القوات الحكومية والشيوعيين بين عامي 1946 و1949، واﻷزمة السياسية التي تبعتها بين الأحزاب اليسارية واليمينية، باﻹضافة إلى انقلاب 1967 وما ترتب عليه، وموقف ثيودوراكيس منه ودوره في مقاومته، هي المواضيع التي تناولها في كتابه "يوميات المقاومة في اليونان"، الذي صدر للمرة اﻷولى عام 1971، فيما صدرت طبعته العربية عام 1973 عن "دار ابن خلدون"، في العاصمة اللبنانية بيروت، بترجمة ابتسام عبد الله، وأمل الشرقي.
يتألف الكتاب من 433 صفحة موزعة على قسمين، يضم كلٌ منهما أربعة فصول ضمّت يومياته التي دوّنها بين عامي 1967 و1970، ووثّق فيها نضال الشعب اليوناني ضد الفاشية ودكتاتورية العسكر، وعبّر من خلالها أيضًا عن تجسيده دور المثقف الثوري، والفنان المرتبط بنضال الجماهير القومي والطبقي.
تناول ثيودوراكيس في يومياته مسائل مختلفة تتعلق بالحياة السياسية اليونانية وأزماتها العديدة التي تمخض عنها انقلاب عام 1967
يروي ميكيس ثيودوراكيس في يومياته هذه بعضًا من تفاصيل انقلاب 1967. ويقدّم، في الوقت ذاته، ملاحظات نقدية مختلفة تضيء على أسباب الانقلاب، وهزيمة الديمقراطيين، وأداء اليسار اليوناني، ومعضلات العمل السياسي، وغيرها من المسائل التي تقدّم لمحة تاريخية مفصلة حول تلك المرحلة الفارقة في تاريخ اليونان.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: الصبي الخادم
ويؤرخ عبر هذه اليوميات أيضًا لظروف اعتقاله في 21 آب/ أغسطس 1967، واضرابه عن الطعام داخل السجن، ووضعه فيما بعد تحت اﻹقامة الجبرية، ومن ثم نفيه مع عائلته إلى قرية زاتونا الواقعة في جبال اﻷركيدس، وذلك قبل إطلاق سراحه عام 1970 بضغطٍ دولي، وانتقاله بعدها للعيش في العاصمة الفرنسية باريس، منفاه الذي عاد منه عام 1974 بعد نهاية حكم المجلس العسكري، وعودة الديمقراطية إلى اليونان.
اقرأ/ي أيضًا: