"لا شيء تغير في بناية جامعة الخرطوم لكن المحتوى تغير كثيرًا"، تقول سلمى ذلك بأسى واضح وهي خريجة جامعة الخرطوم منذ حوالي تسع سنوات. وتؤكد لـ"الترا صوت": إن "الجامعة فقدت ألقها وتراجع مستوى الطلبة الأكاديمي فيها بشكل ملحوظ وغابت كل الأنشطة الفكرية والسياسية".
وتقبع جامعة الخرطوم في المركز 1918 بحسب التصنيف العالمي للجامعات للعام 2015، ويعاني خريجو الجامعة من مشاكل مختلفة عند البحث عن عمل بعد إتمام دراساتهم ويفسر البعض ذلك بتردي مستوى التدريس.
منذ انقلاب الإسلاميين في حزيران/يونيو 1989، رفعت الحكومة شعار "ثورة التعليم العالي"، وأكدت سعيها تشييد جامعات جديدة لتستوعب أكبر عدد من الطلاب. في المقابل، وعلى أرض الواقع، تقلصت ميزانية التعليم إلى أقل من 3 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية. وتفاقمت الأزمة داخل جامعة الخرطوم مع قرار تعريب المناهج الإنجليزية وهو ما أضر بالمستوى الأكاديمي للدروس.
ويرى بعض المتابعين للشأن التعليمي في السودان أن جامعة الخرطوم تعرضت بشكل متعمد إلى محاولة إضعاف وتهميش لصالح مؤسسات تعليمية أخرى، نظرًا إلى الدور السياسي الذي طالما لعبته تاريخيًا إذ نجحت من قبل في الإطاحة بأكثر من حكم عسكري، في تشرين الأول/أكتوبر 1964 وفي نيسان/أبريل 1985. ويستندون إلى طرد عدد من الأساتذة بسبب مواقفهم السياسية وتقليص ميزانية البحث العلمي في الجامعة وإهمال بنيتها التحتية وهي التي كان يتطلع إليها كل طلبة السودان وكانت تلقب ب"الجميلة والمستحيلة".
تعرضت جامعة الخرطوم بشكل متعمد إلى محاولة إضعاف وتهميش نظرًا إلى الدور السياسي الذي طالما لعبته تاريخيًا
في سياق متصل، يقول محمد عبد العزيز، متخرج من جامعة الخرطوم منذ أكثر من عشر سنوات والسكرتير الثقافي السابق باتحاد الطلاب، لـ"الترا صوت": "الجامعة مرآة تعكس حالة الوطن وهي في حالة تدهور مستمر خلال العقدين الماضيين، إلا أنها ظلت مع ذلك الأولى على مستوى الجامعات السودانية، وفقاً للتصنيف العالمي".
ويضيف محمد: "السياسة التي انتهجتها الحكومة في مجال التعليم العالي، بصفة عامة، أسهمت في تدهور الجامعة على المستوى العالمي والإقليمي وكان لتدهور الأوضاع الاقتصادية بعيد انفصال جنوب السودان دور في هجرة خيرة كوادرها".
ويعتبر بعض أساتذة الجامعة أن وضعها لا يزال جيدًا رغم النقائص، ويستندون إلى كونها لا تزال تصنف ضمن 20 جامعة الأولى عربيًا وهي في المرتبة 27 على مستوى أفريقيا.
ويوضح عصمت محمود، أستاذ الفلسفة بالجامعة نفسها، لـ"الترا صوت": "خلال فترة حكم البشير، ثمة اتجاهات عامة تلاقت مع مصالح شخصية وانضافت إليها محاولات لتصفية الجامعة. فقدت الجامعة بذلك استقلاليتها وانهارت الديمقراطية داخل مؤسساتها".
ومن الوقائع التي أضعفت جامعة الخرطوم، فصل الأساتذة الذين كان لديهم موقف صارم من النظام السياسي الحاكم، والتوقف المستمر للدراسة بسبب العنف الطلابي، وإهدار موارد الجامعة ومحاولة تركيعها بالتعيينات السياسية في مواقع المسؤولية.
ولا تتوقف حدود الأزمة في تصنيف جامعة الخرطوم من حيث المستوى الأكاديمي، لكنها تشهد تراجع النشاط الفكري والثقافي والسياسي، وهي التي كانت ملتقى لأنشطة مختلفة إضافة إلى احتضانها عديد المؤتمرات العالمية سابقًا، وقد أنجبت أجيالًا من المبدعين في شتى المجالات. ويجدر الإشارة أن معظم من في هرم السلطة في السودان اليوم هم من خريجي جامعة الخرطوم لكن هذه المؤسسة التعليمية اليوم لا تحظى بأي امتيازات تخولها المحافظة على صيتها ومكانتها.