هناك أنواع كثيرة من الكتابة، لا تُعد ولا تُحصى، والنوع الواحد قد يصنع منه الكاتب تنويعات كثيرة. لكن النوع المفضل عندي هو الكتابة عن الماضي، الكتابة عن النوستالجيا. ولعل المثال الأبرز لدي هو رواية "جدار أخير" لمي خالد، التي صدرت عام 2001، واللافت أنها تزامنت مع أعمال أولى لكُتاب أصبحوا من أعلام الكتابة في مصر بعد ذلك، مثل علاء الأسواني وبلال فضل.
في روايتها الأولى، وضعت المصرية مي خالد الماضي على المشرحة
تلت هذه الرواية عدة أعمال روائية لمي خالد، من بينها: "مقعد أخير في قاعة إيوارت" 2005، "تانغو وموال" 2010، و"جيمنازيوم" 2015.
اقرأ/ي أيضًا: بعد عام من السجن.. أحمد ناجي يتحدث
بداية من الإهداء تشعر أنك أمام تجربة فريدة تحكي لك "ذكريات": "في حياة من يكتبون.. أناس يجيدون الحكي. إلى من علماني كثيرًا. أمي وأبي. وإلى كل من باحوا". تحكي رواية مي خالد حكاية أميرة، أو "بُمبة" كما تلقبها عائلتها. "بُمبة" بنت شفيق بيه، ذلك الرجل الأرستقراطي الذي يعامل الجميع من طرف أنفه. "بُمبة" التي تسكن في حي السكاكيني، الحالمة، التي تنتظر عادل، فارس الأحلام، جارها الذي وعدها بقصر كبير تعيش فيه أجمل أيام حياتها. قد ترى الفكرة بسيطة و"كليشيهية" إلى حد ما، لكن الكاتبة تصنع من هذا الكليشيه رواية في غاية البساطة والجمال.
نقابل في رواية "جدار أخير" لمي خالد الست عين، والدة "بُمبة"، الفلاحة التي أوقعت البيه في شباكها، فنرى طوال الرواية مفارقات جميلة وحبًا حقيقيًا رغم الاختلاف الطبقي. ونقابل خالدة، تلك الشخصية المركبة المتناقضة إلى حد كبير، والتي نشعر أنها أم ثانية لـ"بُمبة" طوال الرواية. حياة "بُمبة" بسيطة، لكنها تحلم دائمًا بالكثير. نقابل أحلامها وما تلاها من عذابات وإخفاقات لا تنتهي، ونراقب تلك البنت دلوعة العائلة وهي تذوق المُر وتتحول أحلامها إلى أطلال لا تمتلك حتى حرية البكاء عليها.
أسلوب مي خالد السردي في رواية "جدار أخير" في غاية الجمال والرشاقة. أسلوب سهل يمزج لك الألفاظ العامية والحوار العامي بسرد الفصحى فلا تشعر بتنافر بين الاثنين أو انزعاج. اختيارها للأماكن والموضوعات يشعرك دائمًا أنك عشت هذه الأحداث، مررت بهذه الشوارع وجلست على هذه المقاهي. تقنعك الكاتبة طوال الرواية أنها تتناول نوستالجيتك أنت، لا "بُمبة".
اقرأ/ي أيضًا: