أيام قليلة فقط تفصلنا عن عيد الأضحى، وكلما اقترب العيد "الكبير" بالمغرب إلا وتجدد النقاش حول إعلان بعض المغاربة رفضهم شراء كبش العيد والتضحية، حيث يقول بعضهم إنها سنة وليست فرضًا دينيًا، ويرفضها آخرون بشكل قطعي، مما يصعد الجدل حول الأمر.
جدل الأضحية يتجدد في المغرب مع كل عيد أضحى لكنه تأجج هذا العام على مواقع التواصل بحدة أكثر ومع دعوات بالتخلي عن شعيرة الذبح
وفي هذا السياق، أثار منذ أيام المحلل السياسي والصحفي يونس دافقير النقاش مجددًا عبر تدوينة أثارت جدلًا تعرض دافقير إثرها إلى وابل من الانتقادات تمس شخصه وعائلته. وقد جاء فيها: "عيد الأضحى هو تحالف تجاري موضوعي بين تجار الدين وكبار الملاك الزراعيين ضد فقراء الوطن باسم خرافة كبش نزل من السماء".
اقرأ/ي أيضًا: قبل عيد الأضحى.. الكبش الأقرن مطمح الجزائريين
أعلن يونس دافقير سحب جميع تدويناته التي لها علاقة بالموضوع، قائلاً: "لم أكن أتوقع، في تدويناتي بخصوص عيد الأضحى، وأنا أعبر عن انطباع وجداني تجاه ما يعانيه فقراء بلدي مع هذه الشعيرة الدينية، أن يصل النقاش إلى هذا الحد". وأضاف: "وربما قد أكون بالغت في قسوة التعبير أو تعسفت في طرح فكرتي مما سبب ألمًا لكثير ممن نختلف معهم".
وختم يونس دافقير بقوله: "نحن في حاجة إلى تجديد تفكيرنا في الدين وبعض مرجعياته وممارساته. وإذ أشدد على أن هدفي لم يكن أبدًا ازدراء دينيًا أو احتقار معتقدات من يتقاسمون معي نفس الانتماء لمرجعية الإسلام المغربي المعتدل والمتنور".
النقاش حول إحياء شعيرة العيد الأضحى من طرف الفقراء وما قد يسببه ذلك من ثقل على كاهلهم، واعتبار البعض أن هذه الأفكار والنقاشات هي دخيلة على مجتمع إسلامي، هو ليس بالجديد على المغاربة للأمانة. إلا أن ما يميز هذه السنة أن هذا النقاش انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي بشدة، إذ أعلن البعض التضامن مع يونس دافقير ومشاطرته نفس الرأي ودعمه، من بينهم منير بنصالح، رئيس حركة أنفاس، قائلًا في تدوينة له عبر نفس الموقع إن "عيد الأضحى أصبح يشكل رمزًا لتحالف طبقي، يطحن من هم في الأسفل بمباركة الإكليروس الجديد"، مضيفًا "لكم في إشهارات القروض ذكرى يا أولي الألباب".
اقرأ/ي أيضًا: عيد الأضحى بالمغرب..الأضاحي بالتقسيط
الباحث محمد بنصالح صرح بدوره: "إن عيد الأضحى هذه السنة يتزامن مع الدخول المدرسي، فإن تخصيص قيمة الأضحية لمساعدة آباء التلاميذ المحتاجين أفضل عند الله وعند الأنام، وأقرب إلى روح الإسلام من التهافت على الأغنام".
ميسورون لكنهم يرفضون العيد
بشكل عام، إن كان بعض المغاربة المنتمين إلى طبقة اجتماعية فقيرة يلجؤون إلى القروض لشراء أضحية العيد، فإن البقية ينتمون إلى طبقة اجتماعية ميسورة لكن جزءًا منهم لا يقتنون كبش العيد ويعتبرونه "أمرًا ثانويًا"، هذا ما أكدته نتائج البحث الوطني حول نفقات واستهلاك الأسر الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط بين تموز/ يوليو 2013 وحزيران/ يونيو 2014.
ويتضح من خلال المعطيات التي جاء بها البحث، أن عدم ممارسة هذه الشعيرة ينتشر بين سكان المدن، حيث تقدر نسبة الساكنة التي لم تقم بذبح الأضحية 5.9 في المئة مقابل 2.5 في المئة في البوادي. كما أن حوالي نصف الأسر الفردية (46.5 في المئة)، لم تقم بذبح الأضحية خلال 2013/2014. وتنخفض هذه النسبة لتصل إلى 0.8 في المئة لدى الأسر المكونة من 6 أفراد فأكثر.
إضافة إلى ذلك، الأسر التي لم تمارس هذه الشعيرة تنتمي أكثر إلى الطبقة الغنية والمتعلمة، حيث أن ما يقرب من 12 في المئة منها تصنف ضمن 10 في المئة من الأسر الأعلى دخلاً. كما تصل نسبة عدم أداء هذه الشعيرة إلى 11.6 في المئة ضمن الأسر التي يسيرها شخص بمستوى تعليمي عال مقابل أقل من 4 في المئة للأسر التي يسيرها شخص بدون مستوى تعليمي.
ويبدو أن أرقام المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة رسمية تعنى بـ"الدراسات والأبحاث"، تدل على أن المجتمع المغربي يعرف انتشارًا لمجموعة من الأفكار ومعتقدات جديدة بخصوص عيد الأضحى، خصوصًا وسط المثقفين والمتعلمين.
لكن هناك من المغاربة من يرى أن "إحياء شعائر عيد الأضحى سنة يجب احترامها"، تمامًا مثل نادية محسين، سيدة في الخمسينات من عمرها، تشتغل معلمة في إحدى المدارس العمومية بالمغرب. تقول نادية في حديثها لـ"ألترا صوت": "الإسلام لم يلزم الفقراء بأضحية العيد، بل العادات الاجتماعية هي التي فرضت على الفقراء أن يقتنوا الأضحية مهما كانت ظروفهم المادية، ولهذا يلجأ الفقراء إلى القروض"، تستطرد: "لكن هذا لا يبرر موقف بعض الأغنياء من عدم شراء كبش العيد فهو سنة مؤكدة، واجبة على الميسورين"، وفق تعبيرها.
ويعتبر أسامة الغول، في الأربعينات من عمره، ويشتغل في أحد البنوك بالدار البيضاء، أن "شراء الأضحية أمرًا غير مهم بل عادة اجتماعية"، على حد تعبيره. أسامة وهو أب لطفلين، في كل سنة يقضي العيد الأكبر في أحد المنتجعات السياحية بمراكش، ويبرر ذلك بكونه هو وزوجته "لا يتناولان لحم الغنم" ويؤكد أنه "يقوم في المقابل بتوفير سعر الكبش لأسرة فقيرة".
تحرر من العادات والضغوط الاجتماعية..
يبرر باحثون تنامي ظاهرة عدم اقتناء بعض المغاربة لكبش العيد بـ"تحررهم من الضغط الاجتماعي المرافق لبعض العادات والشعائر الإسلامية"
ويبرر باحثون في علم الاجتماع تنامي ظاهرة عدم اقتناء بعض المغاربة لكبش العيد بـ"تحررهم من الضغط الاجتماعي المرافق لبعض العادات في المجتمعات الإسلامية"، مبررين موقفهم بأن شعائر عيد الأضحى هي سنة وليست فرضًا، رافضين كل المظاهر الاجتماعية المصاحبة للعيد.
ومن جهتها، تقول لمياء الطيبي، باحثة في علم الاجتماع في حديثها لـ"ألترا صوت" إن "عادات بعض المغاربة تغيرت، خصوصًا وسط أولئك الذين يتمتعون بثقافة وتعليم عال، أو الذين ينتمون إلى طبقة اجتماعية ميسورة". وأضافت لمياء أن "هؤلاء الأشخاص غيروا الكثير من الممارسات الاجتماعية مثل العادات المرافقة لعيد الأضحى وهي عادات لا علاقة لها عادة بالدين".
كما أن هناك سببًا آخر دفع بعض المغاربة إلى رفض إحياء شعائر عيد الأضحى وهو سبب صحي كما تقول لمياء الطيبي: "بعض الأسر تعاني من أمراض مثل "الكوليسترول" أو السكري، ويمنع الأطباء على هؤلاء المرضى تناول الكثير من اللحوم لما له من أضرار صحية عليهم".
اقرأ/ي أيضًا:
أضحية العيد.. موضة سادية أو شعيرة دينية؟
ذكريات عيد الأضحى.. يوم ذبحتُ أخي