تعيش موريتانيا على صفيح ساخن بعد قرار الإفراج عن الكاتب محمد الشيخ ولد امخيطير قبل أيام، وذلك بسبب مقال كتبه قبل أربع سنوات، قيل إنه أساء فيه للنبي محمد. وكتهدئة للأوضاع، قرر الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، أول أمس الخميس، تشريع قانون جديد ينص على قتل "ساب الأنبياء وتارك الصلاة" ومن دون استتابة.
أعلنت الحكومة الموريتانية عن مشروع قانون جديد ينص على القتل من غير استتابة لتارك الصلاة أو سابّ الأنبياء
وقد أعلن وزير العدل الموريتاني إبراهيم ولد داداه، الخميس، عن مشروع القانون في مؤتمر صحفي. ومشروع القانون هو تعديل لقانون سابق، بإلغاء أحكام المادة 306 من الأمر القانوني رقم "83-162" الصادر بتاريخ التاسع من حزيران/يونيو 1963، المتضمن للقانون الجنائي.
ومن بين ما نص عليه مشروع القانون الجديد، أن "كل مسلم ذكرًا كان أو أنثى، استهزأ أو سب الله ورسوله أو ملائكته أو كتبه أو أحد أنبيائه؛ يقتل ولا يستتاب، وإن تاب لا يسقط عنه الحد"، كما ينص على "اعتقال أي شخص ارتد عن الإسلام صراحة أو قولًا أو فعلًا، أو أنكر معلومًا من الدين. ويحبس ثلاثة أيام، يستتاب خلالها، فإن لم يتب حكم عليه بالقتل كفرًا وآل ماله إلى بيت مال المسلمين".
اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا أين وإلى أين؟
المثير في القانون الجديد، هو حُكمه على ما تضمره الصدور بالنص التالي: "كل شخص يُظهر الإسلام ويُسر الكفر، يعتبر زنديقًا، ويعاقب بالقتل إن عُثر عليه بدون استتابة، ولا تُقبل توبته إلا إذا أعلنها قبل الإطلاع على زندقته".
ثم تنص الفقرة الأخيرة من القانون على أن "كل مسلم مُكلّف امتنع عن أداء الصلاة مع الاعتراف بوجوبها، يُؤمر بها وينتظر به آخر ركعة، وإن تمادى في الامتناع قُتل، وإن كان مُنكرًا وجوبها قُتل كفرًا، ولا يفعل في تجهيزه ودفنه ما يفعل في موتى المسلمين، ويكون ماله لبيت مال المسلمين، ولا تثبت هذه الجريمة إلا بالإقرار".
مع هذا يُشار إلى أن موريتانيا لم تشهد تنفيذًا لحكم الإعدام منذ حوالي ثلاثين عامًا، ليصبح القانون الجديد مثار المزيد من الجدل، كونه يُوسّع من دائرة حُكم الإعدام، لدرجة الحكم به على النوايا.
محاولةٌ للتهدئة؟
يرى البعض أن مشروع القانون الجديد جاء كتهدئة لحالة غضب اجتاحت عددًا من المدن الموريتانية، بعد الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف قبل أيام، بإسقاط حكم الإعدام عن محمد الشيخ ولد امخيطير، والإفراج عنه.
وعلّق وزير العدل، إبراهيم ولد داداه، خلال إعلانه مشروع القانون الجديد، على الحكم الاستئنافي لصالح ولد امخيطير، بأنه حُكم "صدر عن قضاة مستقلين، ووفق قانون صاغته مراجع علمية في البلاد قبل أكثر من ثلاثة عقود"، ليبدو أكثر وُضوحًا أن الإعلان عن مشروع القانون الجديد هو بالفعل من باب تدارك الغضب بين شرائح من الشعب المُحافظ.
وقد قال ولد داداه، إن "المادة القانونية الجديدة، وبعد تعديلها، سيبدأ العمل بها في الحالات القادمة"، مُستدركًا أن "محرري القانون الجنائي الموريتاني مطلع الثمانينيات، لم يتوقعوا أن تحصل وقائع مثل ما حصلت مؤخرًا في موريتانيا، تسيء إلى الدين الإسلامي".
يبدو أن الحكومة الموريتانية أعلنت عن القانون الجديد لامتصاص الغضب من إسقاط حكم الإعدام عن ولد امخيطير المتهم بالإساءة للنبي محمد
ولمزيدٍ من التهدئة على ما يبدو، قال وزير العدل، إن ولد امخيطير لا يزال قيد الاحتجاز، ولم يُفرج عنه. دون مزيدٍ من التفاصيل حول ما إذا كانت الحكومة بإبقاء ولد امخيطير قيد الاحتجاز سترد حكم المحكمة بالإفراج عنه، أو أم تدبير احترازي بسبب الاحتجاجات التي خرجت اعتراضًا على الحكم الاستئنافي.
احتجاجات لم تهدأ
وسبق للمحكمة الابتدائية بمدينة نواذيبو أن حكمت بالإعدام على محمد الشيخ ولد امخيطير، بخصوص المقال الذي كتبه في كانون الثاني/يناير 2014.
اقرأ/ي أيضًا: 5 ظواهر في موريتانيا تتحدى التحديث
إلا أنّ محكمة الاستئناف، أسقطت حكم الإعدام، وحكمت عليه في المقابل بالسجن سنتين مع غرامة مالية، الحكم الذي يعني الإفراج عن ولد امخيطير كونه أمضى في السجن أكثر من فترة الحكم المحكوم عليه به، بل من حقه تلقي تعويض عن الفترة التي زادت عن السنتين، وتبلغ نحو عام.
وفور صدور حكم الاستئناف، خرجت مظاهرات احتجاجية في العديد من المدن الموريتانية، واستمرت التظاهرات لأيّام تحت عنوان "جمعة الغضب"، تطالب بتنفيذ الإعدام بحق ولد امخيطير على مقاله المسيء للنبي محمد.
ثُم انتقل جدل الحكم الاستئنافي بإسقاط الإعدام عن ولد امخيطير، إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فتفاعل نشطاء مع الاحتجاجات وأطلقوا وسم (هاشتاغ) "#جمعة_الغضب".
بعد الحكم بإسقاط الإعدام عن ولد امخيطير، خرجت تظاهرات في عدة مدن موريتانية احتجاجًا على الحكم ومطالبةً بتنفيذ الإعدام
من جهة اُخرى، أصدرت رابطة العلماء الموريتانيين بيانًا أعلنت فيه رفضها إسقاط حكم الإعدام عن الكاتب محمد الشيخ ولد امخيطير، داعيةً الموريتانيين إلى ما أسمته "نصرة النبي"، مُؤكدة على أنّ ما اعتبرتها إساءة للنبي محمد بمثابة "الردة الصريحة، يُعاقب عليها صاحبها".
اقرأ/ي أيضًا: