نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، بطبعتها الدولية، تقريرًا لداليا ألبيرج، قامت فيه بالكشف عن جانب من رسائل غير منشورة سابقًا للشاعر فيليب لاركن ومونيكا جونز. مما يرد فيها "كان يكذب عليَّ، الوَغد، لكنني أحببتُه." هكذا وصفت مونيكا جونز الشاعر فيليب لاركِن، وهو وَصف موجَز وعاطفي لحبيبٍ ظل يخونها مرارًا وتكرارًا، ومع ذلك فَإنها جعلت مِن "منزله الصغير وغير المميز على الإطلاق" في مدينة هُلْ مزارًا مقدسًا بعد وفاته.
لم تكن علاقة مونيكا جونز بفيليب لاركن سلسلة أو مريحة بحدودها الدنيا كما توضحه الرسائل المنشورة حديثًا
تكشفُ تلك الرسائل التي لم تُنشَر مِن قبل عن كامل نطاق غضب جونز ومخاوفها وإحباطاتها خلال علاقة استمرت لأكثر من أربعة عقود أليمة، مع الرجل الذي كتبَ بعض أَحب وأثمن القصائد في اللغة الإنجليزية. إذ كَتبتْ له في إحدى الرسائل: "لا أريدُ أن أكون، ولن أكون، موضوعًا للشفقة والرثاء كأنني قُروح مُستوّل." وتفجَّعت في رسالة أخرى تقول: "أعلم أنك لا تفكر فيَّ إلَّا بوصفي مشكلة، خطأ يجب إصلاحه." كتبَت مرارًا عن شعور بوحدةٍ رهيبة وبأنها "خائفة للغاية." هكذا بلغَ بها اليأس حدَّ أن تقول عن كدمة على كتفها بأنها "رفقةٌ من نوع ما".
اقرأ/ي أيضًا: رواية "1900" ألساندرو باريكو.. حين يأتي العالمُ إليك
تجمَّعت أفكارها التي توجع القلب تلك داخل 54 صندوق صغير، في 2.400 رسالة إلى لاركن، تركتها في رعاية مكتبة بودلي، وهي المكتبة البحثية العامة الأساسية في جامعة أُكسفورد، بتوجيهٍ صارِم منها بأن تبقى مُغلَقة لحين مرور عقودٍ على رحيلها. وقد توفيت عام 2001، عن 78 عامًا.
في الوقت الراهن، مُنحَ البروفيسور جون سازرلاند، وهو عالِم بارِز وصديق مقرب للراحلة السيدة جونز، حق الإطلاع الكامل على تلك المجموعة الاستثنائية دونَ قيدٍ أو شرط. وقد صرَّح لصحيفة الأوبزرفر، من منشورات الغارديان، بأن الرسائل كانت "ذات طبيعة متفجرة"، وقد ضمَّت "كلَّ شيء فِعليًا كانت قد كتبته إلى لاركن على مدى 37 عامًا من الغرام على البُعْد".
وُلدَ كلٌ مِن لاركن وجونز في عام 1922 ودَرسا في جامعة أُكسفورد، رغم أنهما التقيا للمرة الأولى في ما كان يسمَّى آنذاك كُلية جامعة ليستر عام 1946. كان قد توظَّف حديثًا كأمين المكتبة العامة وكانت هي أستاذة اللغة الإنجليزية، امرأة فاتنة ذات شعرٍ بُني فاتح. جرى نَقل لاركن إلى جامعة الملكة في بِلفاست سنة 1950، ثم بعد خمس سنوات من ذلك إلى جامعة هُل. وعاشت الآنسة جونز حياتها في انتظار زياراته. غير أنَّ علاقتهما التي كانت ذات مرة مفعمة بالشغف، أتلفها إفراطهما في شُرب الكحوليات، ومع ذلك فقد استمرت حتَّى وفاته في 1985.
قال سازرلاند: "كان لاركن على علاقة بامرأتين في هُلْ [إحداهما هي ميف برينان]. وكان يجد وقتًا للمرور بمونيكا كلما زار والدته بالقرب منها [في لوفبرو]... ومِن ثم يرجع سريعًا إلى مدينة هُل وإلى المرأتين الأخريين." وكانت مونيكا جونز تعرف بأمر هاتين المرأتين، ومع ذلك فقد صرَّحت مرارًا في رسائلها إلى لاركن بحبها له: "إنَّ وجودك في حياتي نعمة كبرى." وأضاف سازرلاند: "تشبه رسائلها كتابة تيَّار الوعي الأدبي، ولكن في أحيان، لا تكون مجرد تيَّار بل فيضان جيَّاش. وفيها انتقالات غريبة. فَبعد قَدحٍ لاذع على صفحة كاملة ضد ميف، فجأة تُذكّر مونيكا فيليب بأن يسقي الزهور".
كان لاركن يولي الآنسة جونز تقديرًا خاصًا، باعتبارها ندًا مكافئًا له على المستوى الثقافي، على عكس نسائه الأخريات. وقد أهدى لها مجموعته الشعرية الباهرة، (الأقل انخداعًا) – برغم أنها اشتملت على قصائد حول علاقاته الأخرى. وقد أوصى بأن ترث هي الجزء الأكبر من ممتلكاته وعقاراته.
لكن الحقيقة أنَّها قد حُمّلت اللوم في عدم غزارة إنتاجه الشعري، تحديدًا لتأثيرها المثبط عليه، قال سازرلاند: "يتوقَّف منتجه الشعري على أربعة كتب صغيرة. حوالي مئة قصيدة فقط." وقد لاحظ أنَّ كنجزلي آميس، وهو أقرب أصدقاء لاركن مِن أيام أكسفور، كان سيئًا وقاسيًا معها بوجهٍ خاص، ناعتًا إيَّاها "بالحيزبون العابسة".
"وإنَّ شخصية مارجريت بيل في [رواية آميس] (جيم المحظوظ) لَهي صورة كاريكاتورية مِن مونيكا. ولم يكن كنجزلي قد التقى بها في ذلك الحين، غير أن فيليب لاركن قد زوَّد كنجزلي بكافة التفاصيل. كان قادرًا على بلوغ هذه الدرجة من القسوة. كتبت إلى فيليب رسالة مُنفعلة بدرجة لا تُصدَّق، قالت فيها: "لستُ متضخمة الذات لكي أعتقد أن جميع الناس يريدون وضع شخصيتي في كتابٍ لهم، ولا أعتقدُ أنك قد تكون غادرًا خائنًا لهذه الدرجة."
ومن الزَعم الشائع، غير المؤكَّد، عن مونيكا جونز مسؤوليتها عن تدمير ثلاثين دفترًا مِن يومياته وأوراقه الخاصة.
كان سازرلاند، وهو الأستاذ السابق للأدب الإنجليزي الحديث في جامعة كوليج لندن، قد درس على يديّ الآنسة جونز ويَنسب الفضلَ في مسيرته المهنية إليها. وهو الآن ينهي كتابًا عنها، معتمدًا على تلك الرسائل، وسوف يُنشَر الكتاب العام القادم في دار ويدينفيلد آند نيكولسُن. وقد أعربَ عن دهشته مِن أنَّ أحدًا لم يكتب سيرة حياتها حتَّى الآن، رغم أنها كانت أهم شخص في حياة لاركن.
اقرأ/ي أيضًا: البحث عن مفضي الجدعان الجديد
كما قال إنه لا يوجد كاتب آخَر لسيرة لاركن قد "تمتَّع بحق الإطلاع الكامل على تلك الرسائل"، والتي قامت مكتبة بودلي بفهرستها وتنصيفها في "مأثرة جديرة بالفخر، على أرقى مستوى لعِلم تنظيم المكتبات". وشدَّ ما هو مؤثر ومثير أنَّ بعض المظاريف لا يزال يحمل علامات طلاء شفتيها.
تتوقَّف المراسلات في بداية سبعينات القرن العشرين عندما حصلَ كلاهما على هواتف منزلية. قال سازرلاند: "بعد ذلك الوقت، كان يتصل بها هاتفيًا كلَّ ليلة. وحينما انهارت صحته تمامًا في مطلع الثمانينات انتقلت للعيش معه. وكانا يسكران معًا. مات هو وعاشت هي من بعده لتواصل السُكْر حتَّى الثمالة. كانت امرأة غريبة. على المرء أن يعرفها جيدًا حتَّى يطَّلع على جوانبها الطيبة. لقد عاملها معاملة سيئة، ولكنه كتب عنها دائمًا بوَلع وغرام. لقد كان ذلك مزيجًا غير معتاد. وقد كاد بالفعل أن يقطع علاقته بها تمامًا، لكنَّ كلًا منهما كان بحاجةٍ إلى الآخَر. كان كلاهما إنسانين في غاية من التعاسة."
يأملُ سازرلاند أن "يُنقذ مونيكا جونز من النُسخ السابقة لها التي ذاعت وراجعت في حياتها ولم تزل رائجة حتَّى لحظتنا هذه. إذ يمكن للمرء أن يسبر أغوار الصناديق الأربعة والخمسين التي لا قرار لها، حتَّى يستخرج منها نسخة أخرى من مونيكا جونز، نسخة تقف جنبًا إلى جنب فيليب لاركن، لا تلك التي تسعى وراءه مثل ظلٍ باهت كان يتبادل معه الرسائل".
اقرأ/ي أيضًا: