من شأن التحول في طبيعة محرك البحث جوجل نحو نتائج يولدها الذكاء الاصطناعي أن يقلل كثافة الزيارات الواردة من جوجل إلى مواقع النشر، خاصة في ظل حصول عدد متزايد من المستخدمين على نتائجهم المنشودة من صفحة بحث جوجل مباشرة عوضًا عن الذهاب إلى تلك المواقع.
أعلنت شركة جوجل في مؤتمرها السنوي جوجل أي/أو (Google I/O)، الذي عقد مؤخرًا، عن مجموعة كبيرة من التغييرات والأمور التجريبية القادمة التي ستطبق على محرك البحث جوجل .
صحيح أن الأمر ما يزال مبكرًا، ولكن لو بدأ تنفيذ هذه التغييرات على نطاق واسع، فسيكون أبرز إصلاح شامل يطرأ على حيز مهم في شبكة الإنترنت منذ أمد طويل؛ فمن شأن هذا التحول أن يقلل بشدة من كثافة الزيارات الواردة من جوجل إلى مواقع الناشرين الإلكترونية، خاصة في ظل حصول عدد متزايد من المستخدمين على نتائجهم المنشودة من صفحة بحث جوجل مباشرة عوضًا عن الذهاب إلى تلك المواقع. وقد يلحق هذا الأمر طبعًا ضررًا بإيرادات وصلات التسويق بالعمولة، التي تحققها مواقع النشر من التوصيات على المنتج.
لو بدأ تنفيذ التغييرات، التي أعلنت عنها جوجل في مؤتمرها، على نطاق واسع، فسيكون أبرز إصلاح شامل يطرأ على حيز مهم في شبكة الإنترنت منذ أمد طويل.
ومع ذلك تنطوي هذه التغييرات على جانب إيجابي؛ فربما يستفيد الصحفيون المستقلون وكتاب الأعمدة والنشرات الإخبارية من عامل تصفية جديد (فلتر) مصمم لإبراز تجارب الآخرين وخبراتهم، رغم أن نطاق الاستفادة من ذلك سيكون محدودًا كذلك، وخاصة في سياقات غير مركزيّة، أي خارج الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية.
"تجربة البحث التوليدي"
يضع محرك بحث جوجل الإجابات التي يولدها الذكاء الاصطناعي في أعلى بعض صفحات نتائج البحث، وتوضح الشركة هذا الأمر بقولها:
"لنفرض أن لدينا السؤال التالي: أيهما أفضل لعائلة لديها ثلاثة أطفال صغار، الذهاب في نزهة إلى الحديقة الوطنية أو إلى متحف الأطفال؟ لعل المستخدم في الحالة العادية يُجزِّئ هذا السؤال إلى أسئلة أصغر، فيفرز المعلومات المتاحة، ثم يربطها بعضها ببعض. أما بعد استعمال الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن محرك البحث جوجل يقوم بهذه الأمور نيابة عنك، فتظهر أمامك في أعلى صفحة البحث لمحة موجزة مدعومة بالذكاء الاصطناعي فيها معلومات أساسية للاطلاع عليها، وفيها كذلك وصلات للتعمق في البحث".
وقد عكف جيفري فاولر (Geoffrey Fowler)، المحرر في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية على تجربة هذه الميزة، ووصف أداة تجربة البحث التوليدي (SGE) بقوله:
"عندما تجيب تجربة البحث التوليدي في جوجل عن سؤال معين، فإنها تأتي بأدلة توثيق لدعم إجابتها، فنرى في الجانب الأيسر مجموعة من الوصلات البارزة لمصادر الإجابة. ولو ضغطنا على الأيقونة في الزاوية العلوية اليمنى، إذن لاتسع نطاق عرض الإجابة لتظهر مواقع المصادر جملة إثر أخرى ضمن رد الذكاء الاصطناعي.
ولنا هنا أن نرى هذه الميزة من منظورين مختلفين؛ فإما أن نرى أنها أراحتنا من عناء فتح تلك المواقع، والاضطرار إلى تصفح موقع مليء بالمعلومات المتفرقة البعيدة عن موضوع بحثنا، أو أن نرى أنّنا بامتناعنا عن تصفحها قد نحرم أنفسنا من الاطلاع على معلومات جديدة أو مهمة ومفيدة لسياق بحثنا".
يمكن النظر إلى ميزة عرض المصادر إما على أنها تريحنا من فتح مواقع إضافية ومن تصفح موقع مليء بالمعلومات المتفرقة البعيدة عن موضوع بحثنا، أو أنها تحرمنا من من الاطلاع على معلومات جديدة أو مهمة ومفيدة لسياق البحث.
وتظهر أمامنا المصادر الثلاثة الأفضل بشكل افتراضي، ولكننا نستطيع الحصول على مصادر إضافية عبر تبديل العرض.
ويُدمَج المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي على نحو واسع في نتائج التسوق، فلو بحثت مثلًا عن "مكبر صوت يعمل بالبلوتوث ومناسب للحفلات بسعر يقلّ عن 100 دولار أمريكي"، فستظهر أمامك قائمة مدعمة بالذكاء الاصطناعي للمنتجات الموصى بشرائها. ولعل هذه الميزة لا تُسعِد مواقع النشر التي تكسب المال من وصلات التسويق بالعمولة (affiliate links).
وتنبه شركة جوجل إلى أن ميزة البحث التوليدي ما تزال في طور التجربة، ولم تُتح على نطاق واسع حتى الآن (يمكن للقاطنين في الولايات المتحدة الأمريكية تجربة هذه الميزة عبر تسجيل أسمائهم في قائمة الانتظار بالضغط على الرابط التالي، سواء من متصفح كروم أو تطبيق جوجل ). ويشير ديفيد بيرس (David Pierce) من موقع ذا فيرج (The Verge) الإلكتروني إلى ضرورة وجود حدود مفترضة عند استخدام جوجل للذكاء الاصطناعي في الإجابة.
"لن تحصل عمليات البحث كلّها على إجابة مولّدة بالذكاء الاصطناعي، فهذه الإجابات لا تظهر إلّا إذا علمت خوارزميات جوجل أنها أفيد وأنجع من النتائج الاعتيادية، وتُضبَط المواضيع الحساسة، مثل المواضيع الصحية والمالية، على تجنب أي تدخل من الذكاء الاصطناعي في الإجابات المتعلقة بها. بيد أنه ظهر جليًا في العروض والاختبارات القصيرة التي أجريتها بصرف النظر عن مواضيعها، سواء عندما بحثتُ عن بسكويت الكوكيز أو المغنية آديل أو المقاهي القريبة مني أو أفضل الأفلام السينمائية خلال عام 2022".
وعلى سبيل المثال، لمّا تساءل ويل نايت (Will Knight)، المحرر في مجلة وايرد (Wired)، إن كان جو بايدن رئيسًا كفؤًا، أو طلب الحصول على معلومات بخصوص قوانين الإجهاض في الولايات المختلفة في أمريكا، امتنع منتج الذكاء الاصطناعي في جوجل عن الإجابة. ولا يفترض أن يتبنى نموذج الذكاء الاصطناعي في جوجل أي آراء، بيد أنه يقوم بذلك أحيانًا. ويقول موقع ذا فيرج:
"طلبت في إحدى مراحل الاستعراض التجريبي من ليز ريد Liz Reid، نائب الرئيس لشؤون البحث في جوجل ، البحث عن اسم المغنية "أديل" حصرًا، فتضمنت اللمحة الموجزة معلومات متوقعة بدرجة أو بأخرى؛ إذ احتوت على معلومات عن ماضيها وجوائزها الفنية وخبرًا عن نقصان وزنها، غير أنها تضمنت جملة أخرى هي (عروضها المباشرة أفضل من ألبوماتها المسجلة). وهذا الجملة طبعًا مثيرة للاهتمام لأنه لا يفترض بنموذج الذكاء الاصطناعي من جوجل أن يتبنى أي آراء. وهنا ردّت ريد بسرعة وأحالت مصدر هذه الجملة إلى مدونة موسيقية، غير أنها أقرّت بأنّ هذا الأمر يعكس فشلًا في النظام".
جواهر مخفية
تعكف شركة جوجل كذلك على توسيع نطاق استخدام عامل تصفية نتائج البحث المعروف باسم الرؤى (Perspectives)، فهو إلى ذلك يجلب المحتوى الذي يُنشئه المستخدمون، سواء كان منشورات في موقع ريديت Reddit أو فيديوهات اليوتيوب أو منشورات المدونات أو غيرها، ويُضمِّنه في نتائج البحث. ويتزامن هذا التغيير مع سعي الأمريكيين المطرد نحو الاطلاع على الأخبار والمعلومات من الأفراد لا المؤسسات، فتطبيق تيك توك وإنستغرام يقتطعان حصة من سوق البحث. وقد قالت جوجل عن ذلك:
"لو أردت خلال الأسابيع القادمة أن تبحث عن شيء معين أفاد من تجارب الآخرين، فربما وجدت في أعلى نتائج البحث عامل تصفية الرؤى، عندها انقر عليه مباشرة لترى أمامك فيديوهات طويلة وقصيرة، وصورًا ومنشورات نصية شاركها الأفراد في منتديات النقاش الإلكترونية ومواقع الأسئلة والأجوبة ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي. وهنا نعرض لك أيضًا تفاصيل إضافية عن صانعي ذلك المحتوى، مثل الاسم أو الصورة أو الملف الشخصي أو المعلومات المتعلقة بشعبية محتواهم وانتشاره.
ففي كثير من الأحيان توجد المعلومات المفيدة في أماكن مُستبعدةٍ أو صعبة المنال، فقد توجد في تعليق ضمن حوار في أحد المنتديات، أو في منشور ضمن مدونة مغمورة، أو في مقالة يورد صاحبها خبرته المميزة بموضوع معين. وهنا يتيح نظامنا المفيد لتصنيف المحتوى مزيدًا من هذه "الجواهر المخفية" ضمن البحث، خاصة حينما نرى أنها تحسن نتائج البحث".
وقد قالت ليز ريد لموقع ذا فيرج: "رأينا أن المستخدمين لدينا، خاصة ذوي الفئات العمرية الأصغر، يرغبون بالاستماع إلى آراء الآخرين في الغالب، فهم لا يودون سماع كلام المؤسسات والشركات التجارية الكبرى دونًا عن سواها. فسألنا أنفسنا هنا: كيف نُيسر بلوغ ذلك على المستخدمين؟".
ولعل من المشوّق أن نرى لاحقًا تعريف شركة جوجل للأفراد "الآخرين" بعد إطلاقها لهذه الأداة الجديدة (الرؤى)؛ فهل يشمل هذا المصطلح الصحفيين وكتاب الأعمدة العاملين في الصحف؟ وهل تظهر منصة ساب ستاكس Substacks ضمن النتائج؟ فربما تفيد هذه الميزة ناشري الأخبار الكبار والصحفيين المستقلين.