بالتوازي مع الحرب التدميرية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة تحت مرأى ومسمع العالم، تعمد الماكينة الإعلامية الإسرائيلية، على جري عادتها، إلى خلق رواية مضللة بهدف استمالة الرأي العام العالمي، من خلال اختلاق الأحداث وتزييف الوقائع، وتحريف الحقائق بما يخدم روايتها، ضمن حرب إعلامية تنتهجها الحكومة الإسرائيلية والناطقين باسم سلطات الاحتلال، وتساندها وسائل الإعلام إسرائيلية وعالمية.
ومن ضمن مئات الأفكار الملفّقة والمزيّفة التي يبثّها مسؤولو الدعاية الإسرائيلية، يمكن التوقف بشكل خاص عند ثلاثة أحداث كان مستوى الكذب فيها فاقعًا، بهدف التأثير على الرأي العام الدولي.
1- عائلة الفتاة الألمانية تدحض رواية الاحتلال
بعد ساعات من الإعلان عن عملية طوفان الأقصى، انتشر على موقع إكس صورة لفتاة ألمانية، ادّعى صاحب التغريدة أنها تعرّضت للاغتصاب والتعذيب والقتل على يد قوات حماس خلال طوفان الأقصى، وقد قامت الآلاف من الحسابات بإعادة نشر التغريدة، وتناقلتها وكالات أنباء وصحف عالمية، دون أن تتكلّف عناء التحقّق من الخبر.
موقع مسبار، المتخصّص بالتحقّق من المعلومات المنتشرة في الصحف والوكالات وعلى وسائل التواصل، أكّد أن الفتاة التي تزعم المواقع الإسرائيلية أنها عُذبت وقُتلت، تدعى شاني لوك، في سن الـ 22، وهي ألمانية تحمل الجنسية الإسرائيلية، ولا توجد أي أدلة على أنها عُذبت أو تعرضت للاغتصاب وقتلت.
وبعد ساعات من انتشار الخبر، أعلنت والدة الفتاة ريكاردا لوك، نقلًا عن مقربين من العائلة، أن ابنتها لا تزال على قيد الحياة في أحد المستشفيات في غزة، وطالبت الحكومة الألمانية بالتدخل لإنقاذ ابنتها.
2- بايدن يكذب على العالم
في خطابه العلني الأول منذ انطلاق طوفان الأقصى، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الأربعاء في الـ 11 من تشرين الأول/أكتوبر الحالي، أنه شاهد بنفسه مقاطع فيديو لأطفال قامت حماس بقطع رؤوسهم، حيث قال: "من المهم للأمريكيين أن يروا ما حدث.. لم أعتقد قط أنني سأرى صور إرهابيين وهم يقطعون رؤوس الأطفال".
وقد أتى ادّعاء بايدن في لحظة كانت الحكومات الغربية ووسائل الإعلام هناك تعمل على شيطنة حركة حماس بشتى الوسائل، لتبرير الفظائع التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة المحاصر.
BIDEN: "I never really thought that I would see...have confirmed pictures of terrorists beheading children" pic.twitter.com/J7doFdeKn2
— FJ (@Natsecjeff) October 11, 2023
وسرعان ما عاد البيت الأبيض ووضّح عبر المتحدث باسمه، إلى أن الرئيس بايدن استند في ما قاله إلى حديث سمعه من نتنياهو، وإلى أنه لم يشاهد أو يؤكد بشكل حاسم ومستقل، قيام حماس بقطع رؤوس الأطفال.
وكانت وسائل إعلام غربية نقلت معلومات عن وزارة الخارجية الإسرائيلية وجنود إسرائيليون، أشاروا إلى أن مسلحين من قطاع غزة، قاموا بقتل أكثر من أربعين طفلًا رضيعًا، كما قتلوا الحيوانات الأليفة في غلاف غزة. وقد تم تداول هذه المعلومات على نطاق واسع بدون التأكد منها، أو تقديم أي دليل حسّي وملموس عليها.
هي لعبة يتقنها الإعلام الإسرائيلي، يروّج لأكاذيب لتمرير روايته، وتأليب العالم ضد الفلسطينيين، يهمه الانطباع الأول، فهو الذي يترك الأثر الأكبر.
Clarifying media reports that US President Joe Biden claimed he had seen “confirmed pictures of terrorists beheading children,” a White House spokesperson said Biden and other US officials have not seen or independently confirmed that Hamas beheaded Israeli children… pic.twitter.com/Pd9LtXnlmd
— Anadolu English (@anadoluagency) October 12, 2023
3- التنصل من جريمة مستشفى المعمداني
بعد سلسلة من التهديدات المتواصلة في الأيام الأخيرة، أقدمت قوات الاحتلال على قصف مستشفى المعمداني جنوبي غزة، ما أدى إلى استشهاد مئات المواطنين من نزلاء المستشفى وزوّارهم، ومن العائلات النازحة التي تواجدت في باحة المستشفى ظنّا منها أنها في مكان آمن.
فور شيوع الخبر، حاولت السلطات الإسرائيلية بشتى الطرق التهرب من مسؤولية الجريمة المروعة أمام الرأي العام العالمي، فرجحت الوسائل الإعلامية الإسرائيلية في البداية إلى أن يكون الصاروخ الذي فجّر المستشفى مصدره حركة حماس، قبل أن يعلن الجيش الإسرائيلي عن أن تحقيقاته تشير إلى الصاروخ يعود للجهاد الإسلامي، وقد أصاب المستشفى عن طريق الخطأ، بل إن الناشطين الإسرائيليين تداولوا مقطع فيديو لصاروخ قالوا أنه انطلق من غزة وأصاب المستشفى، الأمر الذي فضحه المتابعون مؤكدين أن المقطع يعود للعام 2022، مقدّمين أدلة على ذلك.
#عاجل | الرئيس الأميركي بايدن: غضبت بسبب الانفجار في المستشفى ويبدو أن الجانب الآخر هو من ارتكب الجريمة وليس إسرائيل pic.twitter.com/eJdD8z7T8H
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) October 18, 2023
وبالرغم من أن أكثر من وكالة إعلام عالمية أشارت بُعيد استهداف المستشفى إلى أن القصف ناجم عن غارة جوية إسرائيلية، فإن إسرائيل نجحت مرة أخرى في تحويل جريمة مروعة، بحجم قصف مستشفى مأهول، إلى حديث تقني حول نوعية الصاروخ وطبيعته ومن يقف حوله، لتسارع بعض الدول الغربية إلى الطلب بالتحقيق حول ما جرى، الأمر الذي يهدف كما هو واضح إلى تمييع القصة وإعطاء إسرائيل التي لم تتوقف عن قصف غزة بعد استهداف المستشفى، المزيد من الدعم لمواصلة عدوانها، في وقت كان فاضحًا إمعان جو بايدن في الانحياز إلى الرواية الإسرائيلية، حيث قال بعد لقاء مع نتنياهو، إنه يعتقد أن الطرف الآخر (أي الفلسطينيون) استهدف المستشفى.