شهد القطاع الإعلامي في أرمينيا حالة من الاستياء والقلق منذ بداية الحديث عن تقديم مشروعي قانونين منفصلين يتعلقان بحرية التعبير والصحافة إلى البرلمان الأرميني. وهي إجراءات يمكن وصفها بالسياسية البحتة، ولا يمكنها تحقيق الهدف الأساسي من وجود الإعلام، ألا وهو حماية حق المواطن في الوصول إلى المعلومات، كما كانت لجنة حماية حرية التعبير قد وصفت الأمر في بيان لها عند بداية تداول المسألة في النصف الثاني من سنة 2020.
بدأ التحول في المشهد الإعلامي في أرمينيا مع تطبيق الأحكام العرفية في 27 أيلول/سبتمبر 2020، ومنع الصحفيين من انتقاد تصرفات مسؤولي الدولة، أو أداء الجيش الأرميني
منذ بداية سنة 2021 تمت مناقشة مشروع القانون الأول فعلًا، وتضمن زيادة الغرامات بمقدار 5 أضعاف على "الإهانات والتشهير"، وتتراوح قيمة الغرامات بين 9500 دولار أمريكي و19 ألف دولار أمريكي، وقد اجتاز مشروع القانون جلسة الاستماع الأولى في الهيئة التشريعية. ويقترح مشروع القانون الثاني فرض غرامة تصل إلى ألف دولار أمريكي على وسائل الإعلام التي تستشهد بمصادر منقولة من مواقع إلكترونية أو من حسابات وسائل تواصل اجتماعي غير معروفة ومحددة الهوية. كما تمت صياغة مشروع قانون ثالث، اقترحه مكتب المدعي العام في أرمينيا ولكن لم يتم تقديمه إلى البرلمان بعد، وينص على أن غرامة تصل إلى حوالي 6 آلاف دولار أمريكي أو السجن لمدة عامين تفرض على من تثبت إدانتهم بـ"إهانة أو التشهير بأي شخص في الخدمة العامة فيما يتعلق بأداء واجباته الرسمية". وجاءت مشاريع القوانين كرد فعل على تزايد نشر مواد "مضللة" مناهضة للحكومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، خصوصًا قنوات تلغرام، والتي قامت وسائل الإعلام المعارضة بترديدها، حسب ما نقل تقرير لمنظمة غلوبال فويس.
اقرأ/ي أيضًا: تلفزيون سوريا يدخل عامه الرابع بانطلاقة برامجية وبصرية جديدة
وفي 19 شباط/فبراير 2021 أصدرت عدة منظمات حقوقية وصحفية، بيانًا مشتركًا نددت فيه بهذه الخطوات التشريعية، وأشار البيان إلى أن هذا النهج يضع "قيودًا غير مقبولة على حرية التعبير". وجاء في البيان أيضًا "من المستحيل تجاهل حقيقة أن المسؤولين والسياسيين ينظرون إلى النقد الموضوعي لوسائل الإعلام على أنه إهانة وافتراء، ومن ثم القيام بمحاولات انتقام من خلال المحاكم". واعتبر البيان أن القوانين المفروضة ستلحق الضرر ليس فقط بالمنصات غير المهنية، بل ستصيب الصحفيين الذين يتقيدون بالقانون والأخلاق المهنية. نقطة سجالية أخرى طرحها البيان المشترك تتجلى في أن القانون "يتجاهل الوضع المالي للوسائل الإعلامية عند فرض الغرامات مما يهدد بتدميرها وإيقافها عن العمل". وطالبت المنظمات الحقوقية في بيانها بعدة إجراءات، منها: تأجيل القراءة الثانية للقانون في الجمعية الوطنية، وعدم توقيع رئيس جمهورية أرمينيا على القانون في حال تم إقراره، وضمان الحق والحرية في الوصول إلى المعلومات، وأخذ المعاهدات والمعايير الدولية في الحسبان، وتصحيح الوضع عبر إجراءات إضافية.
في سياق متصل، قالت رئيسة مركز حرية المعلومات وأستاذة الصحافة المشاركة في جامعة يريفان، شوشان دويدويان، في حديث لموقع OC Media أنها تعتقد أن هذه القوانين سترتد بنتائج عكسية إذا تم إقرارها. وشددت على أن "المجتمع لديه طلب على المعلومات، وسيجد طرقًا لتلبية هذا الطلب" وأضافت "إذا منع الصحفيون من كتابة قصص عالية الجودة، فستملئ الفجوة بالقيل والقال والأخبار المزيفة". ومن جهته قال رئيس تحرير مركز المبادرات الإعلامية، جيهام فاردانيان، في حديثه لموقع OC Media أن "القوانين لن تؤدي إلا إلى خلق بيئة إعلامية أكثر عدائية". وأضاف "قبل بضع سنوات، حتى المحكمة الدستورية أوصت المحاكم بتجنب تطبيق الحد الأقصى للغرامات، حيث يمكن اعتبار هذه القوانين بمثابة ضغوطات على وسائل الإعلام".
وكان قد بدأ التحول في المشهد الإعلامي في أرمينيا مع تطبيق الأحكام العرفية في 27 أيلول/سبتمبر 2020، أي في اليوم الأول للحرب مع أذربيجان في إقليم ناغورنو كاراباخ. وبموجب الأحكام العرفية، تم منع الصحفيين من انتقاد تصرفات مسؤولي الدولة أو أداء الجيش الأرميني. وحتى توقيع اتفاقية نهاية الحرب الثانية في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 تعرض العمل الصحفي في أرمينيا للفوضى بسبب اللوائح والقوانين الجديدة والغامضة في كثير من الأحيان. وبعد انتهاء الحرب، استمرت حالة التوتر من طرف وزارة الدفاع في علاقتها مع وسائل الإعلام، خاصة وأن الوزارة تبنت سياسة الصمت. وأفادت العديد من المؤسسات الإعلامية أن طلباتها المتعلقة بحرية الوصول إلى المعلومات قد رفضت من قبل الوزارة على أساس أن المعلومات المطلوبة كانت "من أسرار الدولة"، لا سيما المعلومات المتعلقة بأعداد الضحايا من الجنود.
اقرأ/ي أيضًا:
السوريون يعلقون على ارتفاع سعر الدولار والسلع الأساسية
إساءة من أستاذ جامعي للاعب في نادي الزمالك تشعل مواقع التواصل في مصر