19-أكتوبر-2024
نقص الأدوية في شمال غزة

نساء فلسطينيات ينظرنّ إل خيم للنازحين دمرتها غارة لجيش الاحتلال في مواصي خانيونس (رويترز)

قبل أسبوع تقريبًا، انقطع علاج "مرض السكري" لدى المسن الفلسطيني المحاصر في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، محمد عودة، الذي يعاني من هذا المرض المزمن منذ أكثر من 30 عامًا، وحتى ما قبل عملية الإبادة الإسرائيلية التي تستهدف منذ أسبوعين تقريبًا المخيم ومحيطه، كان الرجل الستيني يحصل بشكل دوري على علاجه من أحد المراكز الصحية المنتشرة داخل المخيم.

ومع بدء العملية العسكرية التي أعلن جيش الاحتلال في شمال غزة توقفت جميع المراكز الصحية والنقاط الطبية في المنطقة عن العمل، والتي كانت تقدم خدمات الإسعاف الأولي والعناية بالحالات المرضية المزمنة العلاج المناسب لهم بشكل دوري.

وقال عودة لوكالة "الأناضول" إن: "انقطاع العلاج زاد من تفاقم حالتي الصحية والنفسية، وأنا قلق جدًا من الأيام المقبلة إذا لم أتمكن من الحصول على الدواء"، مطالبًا "الجهات الدولية الصحية بالتدخل العاجل" وتأمين أدوية الأمراض المزمنة، مضيفًا أنه كان يتناول العلاج مرتين يوميًا للحفاظ على "مستوى السكر في الدم حتى لا يتعرض لنوبات إغماء ووهن عام بالجسم".

مع بدء العملية العسكرية التي أعلن جيش الاحتلال في شمال غزة توقف عمل جميع المراكز الصحية والنقاط الطبية في المنطقة

وفي السادس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أعلن جيش الاحتلال بدء اجتياحه شمال قطاع غزة بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة"، بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجير سكانها.

ووفق منظمة الصحة العالمية، يعيش نحو 350 ألف شخص مصاب بالأمراض المزمنة في قطاع غزة. وتقول المنظمة إن "نقص الأدوية الأساسية وإغلاق المرافق الصحية يؤديان إلى خطر يتهدد 52 ألف مصاب بالسكري، و45 ألف مصاب بالربو، و45 ألف مصاب بأمراض القلب والأوعية الدموية، و225 ألف مصاب بارتفاع ضغط الدم".

حياة مهددة

خلال حديثه للأناضول يتابع عودة أنه "منذ انقطاع العلاج صار يشعر كثيرًا بأنه على وشك الإغماء، كما أن حركته أصبحت محدودة خوفًا من سقوطه أرضًا وشعوره بعدم الاتزان"، مطالبًا "الجهات الصحية الدولية بضرورة التدخل العاجل وإدخال علاجات الأمراض المزمنة وتمكين المرضى من استلامها عبر نقاط طبية تنتشر في مناطق شمال قطاع غزة".

مأساة صحية أخرى تعيشها الفلسطينية المُسنّة، آمال الشنباري، والنازحة في أحد مراكز الإيواء بمنطقة "مشروع بيت لاهيا" شمالي قطاع غزة، والتي تعاني الحصار الإسرائيلي منذ 14 يومًا. ويقول أحمد الشنباري نجل المسنّة البكر لـ"الأناضول": "والدتي تعاني دائمًا من اضطراب في ضغط الدم لديها، وهذا مرض مزمن تتلقى له العلاج منذ سنوات طويلة".

ويضيف في حديثه: "قبل العملية العسكرية الأخيرة، كنت أحصل بصعوبة بالغة على العلاج لوالدتي، وبعد العملية صار الأمر شبه مستحيل لأن كل النقاط الطبية والمراكز الصحية مغلقة والصيدليات التجارية مغلقة أيضًا".

ولفت في حديثه إلى أن "المستشفيات التي باتت تعمل في شمال قطاع غزة، وهي فقط المستشفيات الكبرى الثلاثة (كمال عدوان والإندونيسي والعودة)، وتقدم خدماتها لحالات الطوارئ فقط، لكنها لا توفر الخدمات لأصحاب الأمراض المزمنة"، محذّرًا من أن "استمرار حرمان والدته من علاجها يهدد حياتها، لا سيما مع حالة نقص الغذاء التي يعيشها المحاصرون في شمال قطاع غزة والمياه الملوثة التي يضطرون لشربها".

خوف وجوع ونفاد دواء

بخلاف محمد عودة وآمال، يعاني الفلسطيني، تيسير المدهون، هو الآخر من المصابين بأمراض مزمنة أبرزها "السكر وضغط الدم"، ولا يزال محاصرًا في مخيم جباليا مع استمرار العملية العسكرية. وقال لـ"الأناضول": "نعاني نقصًا في الغذاء بشكل كبير ونشرب المياه الملوثة ولا يتوفر دواء للأمراض التي أعاني منها".

ولفت المدهون إلى أنه مع نقص الغذاء والدواء بات يشعر بأنه يفقد شيئًا من صحته وقوته في كل دقيقة، مؤكدًا أن "معظم الأدوية التي كانت لديه نفدت ولم يتناول أيًا منها منذ أيام، وهو ما ينذر بخطر شديد على صحته وبدأ الشعور به منذ أيام".

ويتابع المدهون "في الوضع الطبيعي كان نقص الدواء ليوم واحد يقعدني في الفراش لأيام، فكيف سيكون الحال في هذا الوضع الذي يسيطر فيه الخوف والجوع!"، داعيًا "المؤسسات التي تهتم بعلاج حالات الأمراض المزمنة إلى التدخل الفوري لإنقاذ حياته وحياة مئات المرضى المحاصرين في منطقة جباليا ومحيطها قبل فوات الأوان".

ومنذ أسبوعين، يواصل جيش الاحتلال حرب الإبادة والتجويع في شمال قطاع غزة، خاصة في منطقة جباليا ومخيمها، حيث يفرض حصارًا خانقًا وتجويعًا، تحت قصف دموي مستمر ونسف بيوت فوق رؤوس ساكنيها. وهذه العملية البرية الثالثة التي ينفذها جيش الاحتلال في مخيم جباليا منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.