من أجل أن تصبح لاعبًا يحترف كرة القدم، يجب أن تتهيأ لك الظروف المناسبة، بداية من الطفولة المستقرة، والتغذية المنتظمة، وتعلّم أساسيات كرة القدم في أحد الأكاديميات المتطورة، وبعد ذلك كلّه، سيخرج من مئات وربما آلاف الأطفال أحد نجوم كرة القدم، وينجح في تجربته الاحترافية.
لكننا سنتكلم اليوم عن نجم كروي لم تسعفه الظروف ليحظى بهذا التكوين المثالي، لكنّه كافح كثيرًا منذ طفولته، حتى دخل عالم الاحتراف وهو متأخّر نوعًا ما، بسبب إيمانه بقدراته وجهده ومثابرته، ليصبح من أشهر المهاجمين وأفضلهم، في أحد أقوى المنتخبات العربية والأفريقية.
حكاية أيوب الكعبي وكفاحه من أجل مساعدته عائلته، تشير إلى أن التصميم والإرادة كفيلان بتحقيق الأحلام، مهما كانت الظروف صعبة.
ونقصد بكلامنا مهاجم المنتخب المغربي أيوب الكعبي، والذي التحق بسن متأخرة في ركب الاحتراف، ولعب في صفوف المنتخب المغربي دون أن تكون له مشاركات بالفئات العمرية، هذا المهاجم الذي يمثّل كابوسًا لدى حراس مرمى المنافسين، حيث يمكنه اللعب في أكثر من مركز هجومي، سواء كقلب هجوم أو جناح أيمن أو جناح أيسر.
أيوب الكعبي وحياته الشخصية
ولد أيوب الكعبي في 26 حزيران/يونيو 1993 قرب الدار البيضاء في المغرب، لعائلة فقيرة جدًا، فعاش معهم في حيّ فقير على أطراف المدينة، ومثله مثل أكثر الأطفال، كان مهووسًا بكرة القدم، فكان يمارسها في الشوارع بأقدام حافية تتضرج بالدماء في كثير من الأحيان بسبب كرة القدم.
ولأن الحياة صعبة جدًا في ظروف الفقر والحرمان، كان على أيوب الكعبي ترك دراسته، والاتجاه إلى العمل من أجل مساندة عائلته، وهنا ترك المدرسة في سن الـ15 والتحق بورشة للنجارة، علّها تكون صنعته المستقبلية، وتحسّن دخل الأسرة، وتبني له مستقبلًا أفضل، يقول أيوب عن هذه المرحلة: "قد ولدت في عائلة متواضعة، وكان علي أن أتعلم مهنة ما، وهكذا دخلت مجال تعلم مهنة النجارة".
ومع ذلك لم يستطع أيوب أن يفارق محبوبته، فظل يمارس كرة القدم أثناء انصرافه من عمله وخلال أيام العطل، وهنا شاهد الكثيرون موهبة أيوب الكعبي الفذّة، فنصحوه بالانضمام إلى ناد محلي، فصار يشارك مع هذا النادي بالتدريبات أثناء فراغه، إلى أن لمح موهبته كشافو نادي الراسينغ الرياضي، فقرروا أن يوقعوا معه عقدًا وهو بعمر الـ21 عامًا، ليترك أيوب الكعبي النجارة ويتفرغ من حينها للعب كرة القدم.
أيوب الكعبي ومسيرته الرياضية
في عام 2014 انضم أيوب الكعبي إلى نادي الراسينغ الرياضي، في أول تجربة احترافية بمسيرته وهو بعمر الـ21 عامًا، هذا الفريق كان ينشط في دوري الدرجة الثانية، حيث تمت إعارة الكعبي إلى ناديين محليين، ومن ثم دمجه في الفريق الرديف لنادي الراسينغ.
كان مركزه الأساسي هو الظهير الأيسر، لكنه سجّل الكثير من الأهداف، لينتقل تدريجيًا نحو مركز المهاجم، ويصبح خطّ الهجوم مكانه الرئيسي، وفي موسم 2016-2017 انضم أيوب الكعبي رسميًا للمشاركة مع الفريق الأول بناديه، والذي كان ينافس في الدوري المغربي للدرجة الثانية.
انفجرت مواهب أيوب الكعبي في أول تجاربه الكروية، فسجّل بموسم "2016-2017" 25 هدفًا، ليتصدّر ترتيب الهدافين في دوري الدرجة الثانية، ويقود فريقه لدوري الدرجة الأولى للمرة الأولى منذ 15 عامًا.
سال لعاب الأندية المغربية من أجل الظفر بخدمات هذا الهدّاف الذي علا شأنه في دوري الدرجة الثانية، وفاز نادي نهضة بركان بالسباق، موقعًا معه عقدًا لمدة 4 سنوات، بقيمة تبلغ 1.9 مليون يورو، فشارك أيوب الكعبي معه موسم 2017-2018، وسجّل الكثير من الأهداف، ليحتل المركز الثالث في ترتيب هدافي الدوري المغربي.
مع تألّق أيوب الكعبي في موسمه الأول مع نهضة بركان، سارعت الأندية الأوروبية للظفر بخدماته، لكن أيوب الكعبي اختار وجهة احترافية غير مألوفة، رحل إلى نادي هيبي فورتون الصيني مقابل 6 مليون يورو، وهناك لعب ضد لاعبين كبار قدموا من أقوى أندية العالم، مثل ماسكيرانو ولافيتزي وجيرفينيو.
مع نهاية أول مواسمه في الدوري الصيني، تمّت إعارة أيوب الكعبي إلى نادي الوداد الرياضي المغربي، وقدّم مستويات جيدة مسجلًا العديد من الأهداف، لكنّ فترة إعارته انتهت، وكان عليه العودة للصين مع بداية عام 2020، لكن جائحة كورونا غزت العالم، وتوقّفت المنافسات الرياضية كباقي تفاصيل الحياة في الصين، ليصبح لاعبًا حرًّا بعد ذلك.
في موسم 2020-2021 وقّع أيوب الكعبي عقدًا مع نادي الوداد لمدة ثلاث سنوات، وقدّم الكعبي أفضل مستوياته مع الوداد، فسجّل هدفًا واحدًا على الأقل في ست مباريات متتالية بدوري أبطال أفريقيا، كذلك أنهى الموسم بطلًا للدوري المغربي، وتوّج هدّافًا للبطولة برصيد 18 هدفًا.
هذا التألّق الكبير دفع نادي هاطاي سبور التركي للتعاقد معه في موسم 2021-2022، فتألّق المهاجم المغربي مع نادي الجنوب التركي، واستمر معه حتى النصف الثاني من موسم 2022-2023، بسبب حدث لم يكن بالحسبان.
في السادس من شباط/فبراير عام 2023، ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا زلزالًا قويًا أودى بحياة عشرات الآلاف، وتضررت مدن عديدة ومنها مدينة هاطاي التركية التي سوّيت فيها أحياء كاملة بالأرض.
نجا أيوب الكعبي من موت محتم، فيما تم العثور على المدير الرياضي لنادي هاطاي سبور تانر سافوت ولاعب كرة القدم كريستيان أتسو ميتين تحت الأنقاض، وبسبب تبعات الزلزال طلب الفريق الانسحاب من الدوري التركي في هذا الموسم، على أن يواصل اللعب في الموسم التالي، وهو ما حدث وتمت الموافقة عليه من قبل الاتحاد التركي لكرة القدم.
هنا اضطر أيوب الكعبي للبحث عن ناد جديد ينشط في صفوفه، فانتقل إلى نادي السد القطري، في فترة قصيرة امتدت منذ شهر آذار/مارس حتى نهاية الموسم، أي لثلاثة أشهر فقط، ومن بعد ذلك انتقل إلى أولمبياكوس اليوناني، وهناك يعتبر ركنًا أساسيًا في الفريق الذي يشارك بالعديد من المسابقات محليًا وأوروبيًا، وأبرز الإنجازات تكللت بقيادة فريقه اليوناني للتتويج بدوري المؤتمر الأوروبي، كأول فريق يوناني ينال لقب قاري، بعدما سجّل الكعبي بمفرده 11 هدفًا في الأدوار الإقصائية بنسخة واحدة، محطمًا الرقم القياسي لنجوم كبار أمثال رونالدو وبنزيما وفالكاو، والذين سجل كل منهم 10 أهداف في الأدوار الإقصائية بمسابقة أوروبية خلال نسخة واحدة، وبالطبع كان أغلى أهداف الكعبي مع أولمبياكوس، هو هدف المباراة الوحيد بالنهائي ضد فيورينتينا.
ألقاب أيوب الكعبي
- بطولة أفريقيا للاعبين المحليين "مرّتين"
- بطل الدوري المغربي
- بطل كأس المغرب
- بطل دوري المؤتمر الأوروبي مع أولمبياكوس
أيوب الكعبي مع منتخب المغرب
مع ظهور أيوب الكعبي المميز في موسمه الأول بالدوري المغربي 2017-2018، تم استدعاؤه للمنتخب المغربي المحلي، للمشاركة في بطولة أفريقيا للاعبين المحليين، بقيادة المدرب جمال السلامي، وهناك كان نجم البطولة الأول، فقاد بلاده للتتويج باللقب للمرة الأولى في تاريخها، كذلك نال لقب الهداف برصيد 9 أهداف، وبفارق شاسع عن أقرب ملاحقيه الذي سجّل 3 أهداف فقط، ناهيك عن فوزه بجائزة أفضل لاعب في البطولة.
هذا الأداء الرهيب في بطولة أفريقيا للاعبين المحليين، جعل مدرب المنتخب الأول لأسود الأطلس يستدعيه لارتداء قميص المنتخب في أهم محفل على الإطلاق، ونحكي عن كأس العالم 2018 التي أقيمت في روسيا.
أيوب الكعبي الذي ترك الدراسة من أجل العمل في النجارة، كي يستطيع المساعدة في تأمين القوت لعائلته، ودخل عالم الرياضة الاحترافية في سنّ متأخّر، أصبح من عناصر منتخب المغرب المشاركة في كأس العالم، والذي ودعت فيه المغرب البطولة من الدور الأول، رغم الأداء المميز لكتيبة المدرب هيرفي رينارد.
بعد ذلك عاد أيوب الكعبي لتمثيل منتخب المغرب في بطولة أفريقيا للاعبين المحليين 2020، وهذه المرة بقيادة المدرب الحسين عموتة، وهناك أيضًا نجح في قيادة أسود الأطلس للتتويج باللقب للمرة الثانية تواليًا، فاحتل المركز الثاني في صدارة الهدافين، وسجل هدف تأمين الانتصار بالمباراة النهائية ضد منتخب مالي.
كان أيوب الكعبي من القائمة التي ستلعب في كأس أمم أفريقيا 2021، بقيادة المدرب وحيد خليلوزيتش، لكن إصابته بفيروس كورونا أبعدته عن الفريق، حيث ودّعت المغرب البطولة من الدور ربع النهائي بخسارتها أمام مصر، لكنّه بعد ذلك قاد المغرب لضمان الوصول إلى نهائيات كأس العالم 2022، بتقديمه تمريرة حاسمة في لقاء الذهاب، مانحًا فريقه التعادل، والذي كان مهمًا للغاية وممهدًا طريق بلوغ المونديال.
ومع قدوم المدرب وليد الركراكي لقيادة منتخب المغرب، اختار أيوب الكعبي ضمن القائمة الأولية المشاركة في كأس العالم 2022، ولكنه لم يضعه ضمن القائمة النهائية المشاركة في المونديال، حيث شاهد أيوب مباريات المغرب من التلفاز مثله مثل أي مشجع عربي ومغربي.
لكن وليد الركراكي استدعى أيوب الكعبي للمشاركة في كأس أمم أفريقيا 2023، والتي لُعبت بداية عام 2024، وكان أيوب من العناصر الهامة في الفريق المغربي، والذي ودّع المسابقة من الدور ثمن النهائي، بخسارته أمام جنوب أفريقيا.
جدول مشاركات أيوب الكعبي مع منتخب المغرب
البطولة |
عدد المباريات |
عدد دقائق اللعب |
كأس العالم |
2 |
98 |
كأس أمم أفريقيا |
7 |
288 |
تصفيات كأس العالم |
8 |
463 |
تصفيات كأس أمم أفريقيا |
6 |
334 |
كأس أفريقيا للاعبين المحليين |
12 |
965 |
مباريات ودية |
8 |
268 |
المجموع |
43 |
2416 |
حكاية أيوب الكعبي وكفاحه من أجل مساعدته عائلته، ومن بعد ذلك دخول عالم نجومية كرة القدم بشكل متأخر، تشير إلى أن التصميم والإرادة كفيلان بتحقيق الأحلام، مهما كانت الظروف صعبة.
أيوب الكعبي تم اكتشاف موهبته الكروية وهو بعمر الـ21 عامًا، وأوّل مشاركة له مع منتخب المغرب الأول بلقاء رسمي كان في كأس العالم 2018، ومنذ ذلك الحين، يمثّل هذا اللاعب رمزًا للعديد من الأطفال المغاربة، وخاصة من محبي نادي الوداد، وأصبح مؤخرًا رمزًا في اليونان، بعدما قاد أولمبياكوس لتحقيق بطولة الأوروبية، كأول ناد يوناني يفعل ذلك.