إلى جانب الحديث عن "شعر البشر"؛ أنواعه وطرق قصّه، سواء للرجال أو النساء، لم لا نلقي الضوء على "شعر الدواب"؟ الخيول أو الحمير أو الجِمال وغيرهم، والتي تدخل في صناعات عديدة بعد قصها مثل صناعة أنواع معينة من الملابس وفرشات الأحذية كما يستخدمه صانعي الآلات الموسيقية أيضًا؛ حيث يدرج بعضه في الأوتار الخاصة بآلاتهم الموسيقية. في هذا التقرير، سنتعرض لشعر الدواب من خلال مهنة "حلاق الدواب"، مهنة غير مألوفة، تواجهها مشاكل عدة، تهددها بالاندثار.
يتعرض حلاقو الدواب في مصر لمضايقات عدة، أمنية خاصة، لكنهم يحافظون على مهنتهم التي توارثها بعضهم أبًا عن جد
انتقل "الترا صوت" إلى إحدى مناطق مصر القديمة في الحفّار بالتحديد "سور مجرى العيون"، وسألنا عن أحد حلاقي الدواب، وهناك تعرفنا على عم مصطفى وابنه محمد. والأخير، 33 عامًا، يعمل كحلاق للدواب منذ أن كان في سن 17 عامًا، حيث ورث ذلك العمل عن جده مما جعله يترك عمله الأوّل كـ"سمكري" إعجابًا بالمهنة المتوارثة.
يملك محمد ماكينة الحلاقة اليدوية منذ زمن، مصدر رزقه الأساسي، إلى جانب "ماكينة كهربائية" والتي لا يعمل بها إلا أثناء ضغط العمل (في المزارع الكبيرة وغيرها)، حيث تتعدى تكلفة شرائها 2000 جنيه، مما يجعله يتجنب حصول أي عطل بها.
اقرأ/ي أيضًا: من الزمن والفقر وهموم الناس.. "العرضحالجية" اشتكوا
يقول محمد لـ"الترا صوت" إن "أمناء الشرطة والبلدية يقفون بالمرصاد لحلاقي الدواب، فعلى سبيل المثال يطردونهم باستمرار من أمام منطقة سور مجرى العيون رغم أنهم لا يسببون أي ضرر على حد تعبيره. ويضيف: "ننظف المكان بعد انتهاء يوم العمل ولا نفهم دواعي هذا الإزعاج الدائم، الذي قد يكلفنا أن تشق عربة أحدنا نصفين باستخدام أحد "اللواد الحكومية" وينتهي الأمر بحصانه أو حماره وجبة للأسود في حديقة الحيوان". ويذكر أيضًا المضايقات الصادرة عن البلدية (مجلس المدينة)، التي تفاجئهم بين الحين والآخر، لتصادر الخيول والحمير بتعلة تعطيل حركة السير.
في الجانب الآخر، يقول أحد أمناء الشرطة، وهو يعمل في ذات المنطقة، لـ"الترا صوت" إنه "في الوقت الحالي، مُنع ذبح الحصان، وعادة ما يتم رد الحيوانات إلى أصحابها بمقابل غرامات قليلة، وهي إجراءات تعود لتجاوزهم القانون، كعدم حفاظهم على نظافة المكان وأخذهم بالاعتبار لجانبه الأثري".
ويختلف سعر الحلاقة باختلاف "القصّة" التي يطلبها الزبون نفسه وصعوبة عملها، فأحيانًا يطلب أحد الزبائن رسومات فريدة. يتحدث معنا محمد من جديد: "ما نفعله في الصباح هو الخروج "على باب الله" لننتظر الرزق، هكذا يومًا بعد آخر"، ويوضح: "الأمر اختلف حاليًا عن الماضي، زيادة الأسعار والغلاء الذي تعيشه مصر الآن، جعل أصحاب الدواب على اختلافها تتأخر قدر الإمكان في قص شعر الدابة، للحصان الواحد نتحصل على حوالي 35 – 40 جنيه (ما يقرب من 2 دولار)، وبالتالي فالربح قليل جدًا".
اقرأ/ي أيضًا: أم خليل القصّابة.. تتحدث عن "مهن القسوة"
يقسّم حلاقو الدواب عمومًا زبائنهم إلى فئتين؛ "العربجية" أو "السريحة" وهم الأدنى والأفقر و"أصحاب الكاريتة"، التي تأخذ الناس للفسحة، وهؤلاء الأعلى دخلًا ماديًا، والذين يدفعون بشكل أفضل، إلى جانب "الجزارين"، أغنى طبقة يتردد عليها أي حلاق دواب، بحسب محدثنا محمد.
ويوضّح محمد أن هناك مشاكل أخرى تواجهه أثناء عمله، كصعوبة أن يحلق لحصان مشاغب، قد يهجم عليه في أي وقت، حيث "يضّطرك بعض الدواب أثناء قص شعرها إلى تلجيمها بما يسمى "الواش"، الذي يربط حول فكي الحيوان، فأحيانًا تستسلم الدابة وأحيانًا أخرى يزيد الأمر من هيجانها"، كما يوضح محمد.
خلال حديثه مع :الترا صوت"، صارحنا محمد أنه لا يتمنى أن يتبعه ابنه في ذات المهنة، كما حصل معه، يقول: "لا جدوى مادية، وهي مهنة صعبة وفيها مخاطر عدة".
يجتمع حلاقو الدواب عادة في سوق الثلاثاء بمنطقة المنيب في مصر، كأكبر تجمع لهم بأدواتهم والدواب التي تباع وتشترى خلال السوق، حيث يذهب الجميع ليرى ما يمكن أن يشتريه أو يبيعه أو يجهّز به ليوم الجمعة "المشهود من كل أسبوع".
تتميز نهاية الأسبوع بالنسبة لحلاقي الدواب بمنافسات سباق الخيل، التي يحرصون على حضورها كفرصة للاستمتاع
ففي نهاية كل أسبوع تقريبًا، ينسى حلاقو الدواب وأصحاب الخيول كل العمل وتعبه ويحرصون على متابعة السباق الذي يقام في أحد الطرق السريعة، يقول محمد: "السباق يجعل الخيل نشيطًا ومرحًا كما يجعلنا أيضًا في ذات الحالة، هو بمثابة تجديد دماء وحرية ينالها الخيل مع كل جري وسباق"، مما يجعل الجميع في حالة استمتاع إلى جانب شهرة الخيل الفائز على مستوى وطني، يقام السباق كل أسبوع في منطقة مختلفة، ويكون أفضل مواسمه في الشتاء.
اقرأ/ي أيضًا: