وُلد الروائي والناقد الأدبي اليمني، عمار باطويل، في وادي دوعن بمحافظة حضرموت شرقي اليمن، عام 1981. انتقل إلى السعودية: مكة ثم المدينة ثم جدّة، قبل أن يُسافر إلى ولاية مينيسوتا الأمريكية لدراسة العلوم السياسية.
عمار باطويل: لن تنتصر المرأة في الحياة، إلا عندما يتحرر الرجل من العبودية. يزيح الرجل شعوره بالقيد على المرأة
بعد عودته من الولايات المتحدة، استهواه الأدب بشكل كبير، فبدأ عام 2010 بنشر مقالاته في الثقافة والأدب والنقد، بعدد من الصحف اليمنية والخليجية، قبل أن يُنتج أدبه الخاص.
اقرأ/ي أيضًا: حوار| زياد عيتاني: الوطن هو الناس الذين يشبهوننا
في عام 2015 صدر لباطويل أول أعماله الروائية، بعنوان "سالمين"، تلتها "عقرون 94" و"طريق مولى مطر". لكنه في 2012 نشر كتابًا بعنوان "قرحة قلم" جمع فيه مقالات في الاجتماع والأدب والثقافة، وكان أول ما نُشر له. ثم في 2014، نشر كتابًا يُصنف في أدب الرحلات بعنوان "الوقوف على حافة ثلجية".
في هذا الحوار الذي أجراه "الترا صوت" مع الروائي اليمني، يتطرق للحديث عن طريقه للأدب وبصحبته، وعن أعماله الأدبية، وملاحظات حول نصوصه وبيئتها.
- كيف كانت بداياة طريقك للأدب الأدب ومع الأدب؟ لمن كنت تقرأ؟ وكيف تبلورت محاولاتك الأولى؟
كانت اهتماماتي الأولى بالكتب السياسية. لكن شعرت بأن روحي قريبة إلى الأدب، فسلكت تلك الطريق، وهي طريق وعرة. وبدأت بكتب عدة، مثل كتب أنيس منصور ورحلته الشهرية "حول العالم في 200 يوم"، وكتاب "في صالون العقاد.. كانت لنا أيام".
وفي الكتاب الثاني، التمست خيال أنيس منصور، وهو خيال إبداعي انطلق من واقع الشخصية إلى خيال الأحداث حولها، وهو ما أكدته الكاتبة المصرية عبير العقاد.
بالجملة، قرأت معظم كتب أنيس منصور، ومررت طبعًا بالعظيم طه حسين وبعباس محمود العقاد، قبل أن أصبح قارئًا لعدد كبير من الكتاب حول العالم. ومن خلال الكم الهائل من الكتب التي تحيط بي وبحياتي، شعرت بأني أقترب إلى ذاتي الأولى.
أما محاولاتي الأولى، فكانت في الشعر الذي فشلت فيه، فاتجهت إلى كتابة المقال، ونُشرت لي بعض المقالات في عدد من الصحف في بداية مشواري، فشعرت أنني حققت جزءًا مما أصبو إليه. لكن في الكتابة، الطريق طويلة وتحتاج لجهد وصبر أكبر.
- يلاحظ في رواياتك ارتباط وثيق بوادي دوعن والأرض الحضرمية بشكل عام، كيف تفسر ذلك؟
كل رواية من رواياتي لها أمكنتها وشخوصها الخاصة، فرواية "سالمين" تدور أحداثها في وادي دوعن ومن ثم في مدينة جدة؛ وهكذا كل رواية تدور في فضاءات مختلفة تمامًا.
وعلى كلٍّ، فإن وادي دوعن هو الذي نشأت فيه، ورأيت هناك النور للوهلة الأولى في منطقة خيلة. ومن هناك انطلقت وهاجرت كما يفعل أجدادي عبر التاريخ.
- لك ارتباط خاص بالشاعر العربي امرئ القيس. حدثنا عن ذلك
"تطاول علينا الليل دمون" هكذا بدأت غربة وصرخة أمرؤ القيس في إحدى أودية حضرموت، وكأنها الصرخة الأولى لاغترابه مبشرًا بقدوم أفواجٍ من بني قومه تتطاول بهم الليالي في عوالم عدة في هذه الكون. وعلاقتي به، علاقة إنسان محب لكل جميل من كلمة وشعر وفكر.
- في عام 2012، صدر لك "قرحة قلم". كان ذلك الكتاب باكورة أعمالك. لماذا كانت بدايات كتاباتك "قرحة"؟
"قرحة قلم" يحاكي قرح البنادق وأصواتها عندما تنطلق مصوَّبة نحو الهدف. ومن العنوان كانت بداية انطلاقتي، مُعولًا على صوت القلم، أي قرحته، بدلًا من أصوات البنادق، والتي سمعنا دويّها لسنوات، وللآن لم تسكت.
- ما هي الموضوعات الأساسية في عمق الأعمال الأدبية لعمار باطويل؟
ثلاث موضوعات رئيسية تناولتها في روايتيّ "سالمين" و"عقرون 94"، هي: التراتبية الاجتماعية أو الطبقية، والهجرة والذاكرة السياسية. وعلى كل، فأنا أتناول الموضوعات الحكائية من زوايا متعددة، دون التركيز على نمط مُعيّن.
- تعد من قلائل الكتاب العرب الذين أنتجوا في أدب الرحلات، فلك كتاب "الوقوف على حافة ثلجية". ما هي قصته؟
"الوقوف على حافة ثلجية" كان تحديًا لبعض الأصوات التي سخرت من عنوان "قرحة قلم"، وكنتُ وما زلت واقفًا أقرأ وأشاهد العالم من خلال الكلمة، ومازلت أقرأ تحولات المجتمع بقلمي، وأقول لهؤلاء أروني وجوهكم كي أراكم.
ويرصد كتاب"الوقوف على حافة ثلجية"، علاقتي بالوجوه التي قابلتها في الولايات المتحدة، وقرءاتي لتلك الوجوه وفيها، وفي معنى الوجود في بلاد "الآخر".
- ما دلالة تركيزك في رواياتك على المهمشين؟
التهميش يعني إقصاء الآخر عن الوجود، وعدم الاعتراف بإنسانيته، أي النظر إليه كإنسان ناقص لا يستحق حقوقه الكاملة.
ومثل هؤلاء المهمشين تراكمت معاناتهم في ظل هذه التحولات الكبيرة في المجتمع الحضرمي، وهي تحولات سلبية بسبب ظروف سياسية وثقافية واجتماعية.
- تشير في كتاباتك دائمًا للمرأة. برأيك، هل الأعمال الأدبية في اليمن والخليج، تقصي دور النساء في المجتمع؟
كتبت ذات يوم ما معناه أن المرأة لن تنتصر في الحياة إلا عندما يتحرر الرجل من العبودية. فالمرأة، بالنسبة لي، هي الوجه الآخر والأعمق في الحياة، فكيف لنا أن نعيش نصف حياة؟!
أعتقد أنه يجب أن نمضي معًا؛ الرجل والمرأة. يزيح الرجل شعوره بالقيد، على المرأة، فيحاول النيل منها. يجب إذًا أن يتحرر الرجل من العبودية.
- استخدمت في روايتك "عقرون 94" مصطلح "الشرعية" في سياق يبدي وكأنك ساخط منه، ومن أشباهه من المصطلحات.
لا، لست ساخطًا من "الشرعية"، وإنما وجدت أن هذا المصطلح شائع في حياة الناس باليمن بعد حرب 1994 بين الشمال والجنوب، فاستدعيته في الرواية بشكل فني، بحكاية شخصيات الرواية عن معاناتها مع الوضع الجديد، ومفهوم الشرعية التي أتت بها أفواه البنادق.
- كان لافتًا للانتباه بالنسبة للبعض، أنه في روايتك "طريق مولى مطر"، ركزت على سرد حياة البدو في مناطق الوادي الحضرمي، وغابت مناطق الساحل. كيف ترى ذلك؟
لكل رواية أماكنها الخاصة، وأعتقد أنه لا يجب أن يُفرض على الكاتب أحداث وأماكن روايته. هل يمكن مثلًا أن نقول لنجيب محفوظ لماذا معظم رواياتك تدور في حواري القاهرة؟ لماذا لم تكتب عن صحراء مصر؟!
على كل، التعليقات كثيرة، خاصة من نوعية "لماذا تكتب هذا وعن هذا، وليس ذاك وعن ذاك؟"، والتعليقات أيضًا على حجم الرواية. ولو استعمنا لهذه التعليقات فلن ننجز شيئًا، وكأن المطلوب أن نكتب لكل شخص رواية خاصة به.
عمار باطويل: لكل رواية أماكنها الخاصة، وأعتقد أنه لا يجب أن يُفرض على الكاتب أحداث وأماكن روايته
ما أعتقده في المقابل، أن أحداث الرواية هي التي تقودنا للأمكنة فيها، سواءً كانت في الساحل أو في هضبة حضرموت وأوديتها.
اقرأ/ي أيضًا:
حوار| لينا مرواني: المقاومة تنطلق من الوعي السياسي لا من العيش بعقلية الضحية