أثار تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر، الأحد 20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، انتقادًا واسعًا في العراق بسبب ما تضمنه، مما يعتبره العراقيون "طعنًا بالأعراض"، إذ أشار تقرير الصحيفة، التي تصدر في لندن، إلى ازدياد حالات الحمل بطريقة غير شرعية في زيارات الأربعين التي يذهب فيها المسلمون الشيعة، بأعداد هائلة، مشيًا إلى كربلاء لإحياء ذكرى وفاة الإمام الحسين حفيد الرسول.
أشار تقرير للشرق الأوسط إلى ازدياد حالات الحمل بطريقة غير شرعية في زيارات الأربعين إلى كربلاء وهو ما أثار جدلًا واسعًا
واستند التقرير في معلوماته إلى بيان صادر عن منظمة الصحّة العالمية، وهو الذي دفع صحفيين ومدونين عراقيين إلى نبش الموقع الإلكتروني للمنظمة من أجل إيجاد البيان، غير أنهم لم يجدوا ولا إشارة إلى تصريح بشأن موضوع زيارة الأربعين التي تحظى بهالة قدسية في العراق، وإقبال محليّ وإقليمي ودوليّ من قبل المسلمين الشيعة، حيث يبلغ عدد زوّار محافظة كربلاء كل عام أكثر من مليوني زائر عربي وأجنبي.
اقرأ/ي أيضًا: "كذبة لبنان".. ومنارة الحرّيات السعودية!
ويبدو أن صحيفة "الشرق الأوسط" استندت إلى أحّد المواقع العراقيّة الصفراء في معلومتها، إذ لفّق موقع "أصوات حرة" بيانًا لمنظمة الصحّة العالمية بشأن "الحمل بطريقة غير شرعية" في محافظة كربلاء أثناء الزيارة الأربعينية، واعتمدته الصحيفة حرفيًا.
وعلى إثر الضغط المتزايد من قبل المدونين والصحفيين والأحزاب السياسية والمطالبة بمدى دقة الخبر، سارعت منظمّة الصحة العالميّة، في بيان، إلى نفي ما نسب لها، واصفة ما تم نشره بأنه "خبر كاذب"، ودعت وسائل الإعلام إلى "عدم نشر مثل هذه الأخبار الكاذبة دون التحقق من صحة مصدرها".
وأغلقت صحيفة "الشرق الأوسط" مكتبها في بغداد عام 2014 بعد أن قام مسلحون بحذف عنوان رئيسي أثناء طباعة الصحيفة في إحدى مطابع بغداد، غير أن الصحيفة عادت إلى العمل في إقليم كردستان العراق، الذي يحظى بحكم ذاتي، وهي تصدر طبعة عراقية من محافظة أربيل.
وفي بيئة مثل العراق، تكاد غالبيّة أشعاره العامية وأغانيه وأمثاله تتغنى بـ"الشرف"، فإن تقريرًا كهذا يدفع إلى موجة غضب عارم في الأوساط الاجتماعية، وهو ما ترجمته الإدانات التي صدرت عن سياسيين وكتاب وصحفيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى صعيد ردود الأفعال السياسية، وصف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، تقرير صحيفة "الشرق الأوسط" بأنه "تعدٍ قذر"، ولم يتوانَ عن التهديد بغلق مكتب الصحيفة في العراق بطرق "معهودة"، في حال لم تقدم اعتذارًا للعراقيين.
بدورها، سارعت رئيس حركة إرادة، والنائبة في البرلمان العراقي حنان الفتلاوي المعروفة بعدائها للسعودية، التي تمول "الشرق الأوسط"، إلى دعوة الحكومة العراقية إلى "منع" تداول وتسويق صحيفة "الشرق الأوسط" في العراق، فيما أكدت أنها ستقيم "دعوة قضائية" ضد الصحيفة.
دعا مدونون مراسلي صحيفة "الشرق الأوسط" في العراق إلى تقديم استقالاتهم إثر نشر الخبر الكاذب
ودعا مدونون مراسلي صحيفة "الشرق الأوسط" في العراق إلى تقديم استقالاتهم، فيما تضّمنت بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تحريضًا مباشرًا ضد هؤلاء المراسلين، وعلق محمد غازي الأخرس، الأكاديمي والصحفي العراقي على هذه التهديدات بالقول: "لا يضارع سوء خبر الشرق الأوسط سوى التحريض على الصحفيين العاملين في مكتبها ببغداد"، قبل أن يضيف "ثمة تهديدات مبطنة مخيفة أشم رائحتها للصحفيين"، فيما أشار وارث كويش، وهو سينمائي عراقي شاب، بلغة مترجيّة: "بهدوء، أرجوكم: لا تعتدوا على مراسلي صحيفة الشرق الأوسط في بغداد، لا نحتاج مزيدًا من الكراهية وسط حفلة الحقد التي نشهدها في المجتمع".
اقرأ/ي أيضًا: تونس.. لوبيات السياسة والإعلام تعلن الحرب
وعاب كتاب عراقيون مهنية صحيفة الشرق الأوسط، فأحمد سعداوي، الروائي العراقي الحاصل على جائزة "بوكر" عام 2014، وصف تقرير "الشرق الأوسط" بـالـ"مؤسف جدًا"، لافتاً إلى أنه "ينحدر بالصحيفة إلى مستوى الصحف الصفراء التي تنشر تقارير وأخبارًا من دون مصادر، ومعلومات لا أصل لها، خالية من معايير العمل الصحفي المهني". وأشار سعداوي إلى أن التقرير "يعزّز التصوّر السائد لدى قطاع واسع من القراء العراقيين أن الصحيفة ذات نهج طائفي وتحريضي، خصوصًا وأن لديها مكتبًا في بغداد وتطبع طبعة عراقية، ومن غير المنطقي أن تخسر الصحيفة سوقها في العراق".
وقال مازن الزيدي، مدير تحرير صحيفة "المدى" المحليّة، إن "صحيفة الشرق الأوسط بلغت من السقوط الأخلاقي مبلغًا يعاب على زملائنا العراقيين مواصلة عملهم معها، لاسيما بعد إساءاتها الأخيرة للشعائر الدينية التي يحترمها جميع العراقيين".
وعلى أثر السخط العراقي، وتكذيب منظمة الصحة العالمية، حذفت صحيفة الشرق الأوسط التقرير من موقعها الإلكتروني، غير أنه ظلَّ لساعات بصيغة pdf على الموقع، منشورًا على الصفحة الرئيسية، قبل أن تسارع إلى تصميم جديد يحذف الخبر وقدمت اعتذارًا وجهته إلى منظمة الصحة العالمية.
اقرأ/ي أيضًا: