"مصر إلى الأمام" أو "Egypt Forward"، الحملة الدعائية التي انطلقت بشكل مُريب في العاصمة الأمريكية واشنطن، بغرض الترويج لمصر أو قُل النظام المصري، بقدر ريبة انطلاقتها المغمورة، كان توقفها مريبًا، لكن حلّ اللغز لا يزال يحمل وراءه أسرار ومعلومات لا بد أن تروى.
دعاية مريبة
حين انتشر مقطع فيديو قتل مواطنين في سيناء على يد أفراد من قوات الجيش المصري، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتداولته وسائل إعلام غربية، وتحديدًا أمريكية، كان على الكونغرس الأمريكي أن يبدأ تحقيقاته، فدعا خبراء في شؤون الشرق الأوسط، لرواية شهاداتهم بشأن ما يجري في القاهرة من انتهاكات لحقوق الإنسان، بعضها بات مقننًا!
لمدة 6 أشهر حاولت الشركة الأمريكية مداوات مزيد من جراح سمعة النظام المصري الملطخة، لمنع قطع المعونة الأمريكية
لم تنتقل تلك الأخبار إلى مصر بأي شكل، فلا تجرؤ صحيفة على نشرها، لكن شركة دعاية وعلاقات عامة أمريكية تُدعى "ويبر شاندويك" بدأت دفاعها مدفعوع الأجر عن النظام المصري، بتدشين حملات دعائية مغمورة في محاولةٍ لإزالة التراب عن النظام المصري. وحضر مندوب عن الشركة جلسات الكونغرس، ووزع كتيب من 14 ورقة بعنوان "مصر في أمان"، على أعضاء البرلمان الأمريكي بهدف طمأنتهم على الأوضاع في مصر، وإزالة أية مخاوف بخصوص مقطع الفيديو المذكور.
اقرأ/ي أيضًا: حبس آلاف المصريين في 2017 بقانون ملغي 89 عامًا
ولمدّة ستة أشهر استمرّت محاولات الشركة في مداواة الجراح التي تركها مقطع الفيديو الفاضح، في محاولة لعدم قطع المعونات العسكرية عن مصر، والتي كانت على وشك أن تنقطع بقرار من الكونغرس، ما جعل من الأمر برمته مريبًا.
"كيف تدافعون عن ديكتاتور يقتل شعبه؟"
هذا السؤال وجهه الكاتب الأمريكي إيفي شاربيو في مقال بصحيفة "أتلانتيك" الأمريكية، إلى مسؤولي الشركة، التي فضح بالمستندات سعيها لتبييض وجه نظام سياسي يقتل معارضيه، بمقابل مالي. وذكر شاربيو المرّات التي قامت بها الأجهزة الأمنية المصرية بتصفية المعارضين من جماعة الإخوان المسلمين.
في المقابل حاولت الشركة أن تدافع عن سمعتها، وتغسلها بحملات مضادة تُصوّر شاربيو كاتبًا مدفوع الأجر يعمل لحساب شركة علاقات عامة منافسة. لكن الطوفان كان أقوى منها، فجرف الأرض من تحت أقدام مسؤوليها، فاضطروا إلى فسخ التعاقد حفاظًا على ما تبقى من سمعة الشركة، التي كان يفترض أن لها مكانًا بارزًا بين شركات العلاقات العامة الأمريكية.
وتزامنًا مع فسخ التعاقد، توقفت حملة "Egypt forward"، وتوقفت الصفحات الإعلانية التي كانت تؤجرها الشركة للقاهرة، ولن تتكرر مرة أخرى مشاهد الإعلانات الضخمة على مباني وول ستريت إذا زار السيسي الولايات المتحجة مرة أخرى، فلم تعد مصر دولة تستحق الدعاية والإعلان أو غسيل السمعة، وإلا ما كانت خسرت أهم مسوّق لمشروعاتها.
وخلال حملة صحف أمريكية مهتمة بالدفاع عن الحقوق لقطع ذراع السيسي الإعلامية، كشفت عن صورة من العقد، تحمل توقيع اللواء خالد فوزي، رئيس المخابرات المصرية، كطرفٍ ثانٍ، ومدير "ويبر شاندويك" كطرف أول. أمّا قيمة التعاقد فهي مليون و200 الف دولار سنويًا، بالإضافة إلى المبالغ المطلوبة لإيجار لوحات إعلانية، ومساحات دعائية في الصحف، ومصاريف إدارية، وتكاليف الحملات الإعلانية، وطبع الكتيبات، ورشوة كتاب مقالات للدفاع عن نظام السيسي.
واعتبرت صحف أمريكية أنّ تعاقد الشركة مع مصر أمر طبيعي، لكن قرارها بالتعامل مع جهاز مخابرات أجنبي ليس عاديًا، بل ربما يعاقب عليه القانون.
وتضمَّن الاتفاق بين فوزي وشركة "ويبر شاندويك"، تدشين حملة "Egypt forward"، التي بدأت بتحميل الإخوان مسؤولية كافة أعمال العنف والإرهاب في البلاد طوال السنوات الأربع الماضية، حتى تلك التي أعلن مسؤوليته عنها تنظيم ولاية سيناء (أنصار بيت المقدس سابقًا) المُبايع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ولكن، هل تعني حملات العلاقات العامة والدعاية تدليسًا كاملًا وكذبًا بينًا؟ على الأقل كان الأمر كذلك مع الحملة التي تولتها الشركة الأمريكية لصالح النظام المصري، إذ بني العقد على ثلاثة محاور أساسية، الأول الدعاية لإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الجماعات الإرهابية بجميع المنظمات والهيئات والبرلمانات، والثاني شراء أقلام كتَّاب للدفاع عن نظام السيسي باعتباره "يحمي العالم من الإرهاب"، والثالث إبراز دور مصر باعتبارها شريكًا إقليميًا واستراتيجيًا للولايات المتحدة لمواجهة مخاطر إقليمية.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي تتعاقد فيها مصر مع شركة علاقات عامة لترويج مواقفها وغسيل سمعة نظامها، فقد سبق أن أعلنت عام 2013، التعاقد مع شركة علاقات عامة أمريكية "مشهورة"، بُغية "تحسين صورتها أمام مراكز صنع القرار في واشنطن"، وفقًا لبيان رسمي.
قامت الحملة الدعائية للنظام المصري في واشنطن على التدليس الكامل والكذب البيّن ورشوة كتاب وإعلاميين
وبررت وزارة الخارجية التعاقد، في بيانها الرسمي، بقولها إنّ "التعاقد مع شركات العلاقات العامة الأمريكية نهج متعارف عليه بين دول العالم، حيث يحرص عدد كبير منها على التعاقد معها لتسهيل التواصل بين حكوماتها وجهات صنع القرار في الولايات المتحدة باعتبارها دولة كبرى لها مصالح واتصالات في مختلف أنحاء العالم".
اقرأ/ي أيضًا: قمة ترامب والسيسي في واشنطن.. الدولارات أولًا!
وكانت الحكومة المصرية مضطرة لتبرير دفع أموال الضرائب لشركة علاقات عامة أمريكية، لأن التوجّه إلى الدعاية السياسية للدولة كان جديدًا في مصر آنذام، إلَّا أن العَقد لم يدم طويلًا، فلم تتحمَّل الشركة تبعات انتهاكات النظام المصري بحق العُزّل، وفضّلت أن تحافظ على صورتها وسط شركات الدعاية الأمريكية، التي تعتبر "القَتْل والتعذيب" حدًا لا يمكن التهاون معه.
اقرأ/ي أيضًا:
جيش السيسي الإلكتروني.. تسريبات وفضائح فيسبوكية
"تجارة الأمن القومي".. صفقات السلاح تضخ المليارات في جيوب السيسي