يظهر لمتتبع أخبار معركة هذه الأيام الكبرى في العراق، أي معركة تحرير الموصل، بما يشوبها من إشكالات على من يتدخل ومن لا يتدخل ومن ينتهك حقوق الإنسان ومن يشارك لأجل غايات ثأرية طائفية أن هذه المعركة قد تبشر ببداية أخرى، أو بدخول حقبة جديدة في الصراع المنضوي تحت إطار عنوان "الحرب على الإرهاب"، لكن هل ستكون هذه الخطوة، أي العمليات الحربية في الموصل، نهاية لحقبة إرهاب تنظيم داعش في العراق، وهل ستكون خطًا فاصلًا أمام الممارسات والخطط الطائفية المدعومة إيرانيًا للحشد الشعبي بقيادة هادي العامري وقاسم سليماني؟.
بنظرة أكثر قربًا لمجمل عمليات التحضير التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، بما فيها من مناكفات بين مختلف الأطراف المنضوية وغير المنضوية في إطار العملية، يتضح أن تداعيات عملية الموصل ستكون أكثر تعقيدًا مما تتناوله تصريحات قادة الجيش العراقي والفصائل المشاركة معه، بل وأكثر تعقيدًا مما يصوره رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي. بالتأكيد يبرز هذا التعقيد المركب بشان الموصل ومعركتها نظرًا لطبيعة التركيبة الديموغرافية في المدينة، وطول فترة الهيمنة الداعشية عليها، وكذلك نظرًا لمنهجية الحشد الشعبي الشيعي الثأرية، فلم توفر تصريحات قادة الفصيل اتهام قطاعات بأكلمها من أهل الموصل بالتعاطف والقتال إلى جانب داعش، ما يفضح مسبقًا المبررات التي ستطرحها هذه القيادات للدفاع عن حمامات الدم المتوقعة بحق المدنيين على يد عناصر الحشد المنصاعين لخطابات زعاماتهم بكل ما فيها من تطييف وتحريض وتمرير لأوامر طهران.
يبرز التعقيد المركب بشأن الموصل نظرًا للطبيعة الديموغرافية للمدينة، وطول فترة الهيمنة الداعشية عليها، ومنهجية الحشد الشعبي الشيعي الثأرية
اقرأ/ي أيضًا: العراق.. بيئة خصبة للإفلات من العقاب
وللمتشكك حول هذه التخوفات المرتقبة بشأن مجازر بحق المدنيين وجرائم قتل جماعي وتهجير قسري مرتقبة في الموصل حال إفساح المجال لارتكابها أمام مليشيا الحشد الشعبي الشيعي يكفي أن يطلع بالتحفظات والانتقادات الصادرة عن منظمة العفو الدولية الصادرة خلال الـ24 ساعة الأخيرة من عمر عملية الموصل، والتي اندرجت تحت عنوان "انتهاكات مروعة" ولم تخلُ الانتقادات من انتقاد الدوافع الطائفية وراء الانتهاكات، وفضح طبيعة أن لا ضرورات عسكرية أدت لهذه الانتهاكات، إنما هي ثارات الطائفة والحزب والوكلاء المحليين لسياسات طهران، هذا ما قالته منظمة العفو الدولية عما وقع فعلًا في كل من الشرقاط والقيارة عقد بسط سيطرة الجيش وحلفائه من المليشيات على هاتين المنطقتين، وكذلك يجب أن لا يُمحى من الذاكرة ما وقع في الرمادي وفي الفلوجة خصيصًا من استهداف انتقامي واضح للمدنيين، الذين وليس للمصادفة ينتقلون من سيطرة داعش واضطهاده إلى تلقي عقوبات الانتقام الطائفي على يد مليشيا الحشد ومن يتبعها.
وكانت منظمة العفو الدولية أوضحت في حزيران/يونيو المنقضي أن جملة واسعة من انتهاكات حقوق الإنسان وقواعد حماية المدنيين في أوقات النزاع قد جرى انتهاكها بعمق أثناء العمليات الحربية لاستعادة سيطرة الجيش العراقي وحلفائه على الفلوجة، ومن بين الحوادث التي وثقتها المنظمة الدولية جمع أكثر من 1300 ذكر عراقي من الفلوجة من مختلف الأعمار، بدت عليهم آثار الضرب والتنكيل المختلفة، ليتم فرز قرابة 600 منهم واقتيادهم للمجهول بعد ذلك، بحسب المنظمة الدولية دائمًا. ووفقًا لتقرير لجنة التحقيق المختصة، المكلفة من قبل السلطات العراقية نفسها، فقد تحدثت عن 643 حالة اختفاء قسري، والعثور على مقبرة جماعية أخرى تضم 49 جثة لشباب من الفلوجة تعددت آثار التعذيب والتقتيل عليها من بين الحرق والتقطيع والتشويه.
اقرأ/ي أيضًا: الشباب.. آخر ثروات العراق
هذا وتبقى قيادات الحشد والفصائل المقربة منه ومن طهران مثل مليشيا عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، الذي لم يوفر فرصة منذ أسابيع إلى اللحظة بأن يصرح أنه وعناصره موجودون في معركة الموصل بغاية "الانتقام من قتلة الحسين" لا أكثر، فكل من هو على الضفة الأخرى وفق تصنيفات هؤلاء الطائفية سيكون هدفًا يسيرًا لانتهاكاتهم المغللة بالانتقام والثأر من المدنيين وانتمائهم الديني، وليس بالضرورة من الإرهاب أو أي تنظيم إرهابي، الذي للمصادفة قتل وقهر ما يكفي ويزيد في الموصل وغيرها بحق من يريد أهل العصائب والحشد وباقي لفيفهم أن ينتقموا من سنيتهم.
وعليه من المنطقي والموضوعي التوقع بأن معركة الموصل ستكون ساحة انتهاكات أخرى وفسحة جديدة أمام كل الطائفين ليعبروا عن شهوة التقتيل لديهم، وعتبة إعادة إنتاج للإرهاب الطائفي على طرفي الخندق الداعشي والحشدي أكثر منها معركة نصرة للإنسان وكرامته وحقوقه.
اقرأ/ي أيضًا: