"دون مساعدة مرشد، توجهنا إلى ساحة "جامع الفنا" بمدينة مراكش، وبشكل عشوائي قررت الجلوس أمام امرأتين تقومان بنقش الحناء على أذرع السياح، تظاهرت برغبتي في ذلك وقمت بتشغيل الكاميرا المخبأة في الحقيبة، سألت المرأة وهي تتفنن في رسم الحناء على ذراعي إن كانت هناك بنات للمتعة، فأجابتني بأن لديها فتاة بعمر 15 سنة، ثم ذهبت فورًا للبحث عنها قصد جلبها، إلا أنها لم تجدها، وعادت بعدها بساعة، برفقة فتاة في عمر 8 سنوات، سألتني إن كنت أرغب فيها".
مراكش، الملقبة بـ"بانكوك" إفريقيا، تعرف تفشيًا واسعًا لآفة استغلال الأطفال جنسيًا في ظل ضعف النظام القضائي المحلي في هذا المجال
كان ذلك مشهدًا من تحقيق تلفزيوني إيطالي، قام به الصحافي لويجي بيلاتسا حول "دعارة القاصرين في مراكش"، لصالح برنامج "Le lene"، المعروف في إيطاليا بتحقيقاته الجريئة والمثيرة للجدل.
اقرأ/ي أيضًا: اغتصاب الأطفال في المغرب في ارتفاع.. إلى متى؟
دعارة الأطفال في مراكش.. ظاهرة مستفحلة
في مشهد آخر في التحقيق المتعلق بدعارة القاصرين في مراكش يلتقي الصحافي لويجي بيلاتسا متقمصًا دور الزبون فتاة، صرحت له أنها تبلغ 16 سنة من العمر، لكن هيئتها تبدو أقل من ذلك، استفسرها عن جنسيات الزبائن الذين تتعامل معهم بكثرة، فأجابته بأنهم أوروبيون وسعوديون، ونفت له أن يكون إيطاليين من بينهم بعد أن سألها، أخبرته بأنها لجأت إلى الدعارة وهي بعمر 15 سنة، بعد أن عجزت عن شراء أدواتها الدراسية وحاجياتها بسبب فقر أسرتها، وأردفت له أنها تتقاضى 200 دولار لليلة الواحدة، ثم وصلتها رسالة حينئذ على هاتفها من طرف عجوز فرنسي.
وكانت الداخلية المغربية قد طردت الإعلامي الإيطالي، بتاريخ 28 سبتمبر/أيلول 2016، بعدما اقتحم عشرات رجال الأمن شقة كان يصور فيها شهادات قاصرين، وصادروا الكاميرات، ثم اقتادوهم إلى التحقيق، ليرافقوه بعد ذلك إلى المطار مباشرة من أجل ترحيله بطائرة إلى ألمانيا، إلا أن جزءًا من التحقيق المصور كان قد أرسله مسبقًا ليتم بثه على قناة "إيطاليا أونو" في الفترة الأخيرة من العام الجاري.
لم يكن هذا التحقيق مفاجئًا، فمراكش، الملقبة بـ"بانكوك" إفريقيا، تعرف تفشيًا واسعًا لآفة استغلال الأطفال جنسيًا، حيث سبق للشبكة العالمية لحماية الطفولة أن أعدت دراسة حول ''البيدوفيليا' أو دعارة القاصرين، بمساعدة الجامعة الأمريكية ''جونز هوبكينز''، خلصت فيها إلى أن المغرب أصبح "وجهة جذابة ونقطة ساخنة للسياحة الجنسية التي تشمل الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، مضيفة أن المعتدين يتهربون من العدالة بطريقة أو بأخرى، بسبب ضعف النظام القضائي المحلي في هذا المجال.
علاوة على ذلك، رصدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في بيان لها في الآونة الأخيرة، انتشار ظاهرة استدراج الفتيات القاصرات للنوادي الليلية بمراكش، عن طريق إغرائهن بتوفير المشروبات الكحولية والشيشة المجانية، قصد توظيفهن في الدعارة واستقطاب الزبناء للملاهي، وأيضًا سجلت الجمعية الحقوقية تحول بعض حمامات التدليك إلى ما يشبه أوكار دعارة، تُمتهن فيها كرامة العاملات، متهمة السلطات بالتماطل في محاربة هذه الآفة.
المفاجئ في الأمر، أن ظاهرة "البيدوفيليا" لا تزال "تابوه" مسكوتًا عنه في المجتمع المغربي، لا يخضع للنقاش العمومي لأسباب "أخلاقية ودينية"، بالرغم من أن مراكش باتت معروفة عالميًا كقبلة للسياحة الجنسية، بما فيها دعارة الأطفال.
ظاهرة البيدوفيليا لا تزال من المسكوت عنه في المجتمع المغربي، ولا تخضع للنقاش العمومي لأسباب أخلاقية ودينية أساسًا
اقرأ/ي أيضًا: قانون المعينات المنزليات.. عبودية بطبعة مغربية
تساهل القضاء والفقر سبب تفشي الظاهرة
تعرف البيدوفيليا علميًا بأنها حالةُ من التوجه الجنسي نحو الأطفال ممن هم في عمر 13 عاماً أو أقل، لكن ليس كل الذين لديهم هوس جنسي نحو الأطفال مجرمين أو قاموا بالفعل على أرض الواقع، إذ بعضهم يمتنع عن الاقتراب من الأطفال ويأخذ علاجاً ضمن مراكز متخصصة، كما أنه ليس كل المعتدين على الأطفال هم بالضرورة من ذوي الهوس الجنسي نحو الأطفال، وتدرج الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) البيدوفيليا ضمن دليل الاضطرابات العقلية منذ عام 1968.
وتكتسب "جريمة البيدوفيليا" وضعًا خاصًا في قوانين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، إذ تُصنف ضمن "الجرائم الجسيمة ضد حقوق الطفل"، ولهذا يتعامل النظام القضائي لتلك البلدان بصرامة شديدة في مثل هذه الجرائم، لكن الوضع مختلف تجاهها في مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبلدان أخرى، إذ تتواطؤ فيها المنظومة القضائية مع العادات الثقافية والأوضاع الاجتماعية الهشة في تكريس هذه الآفة داخلها.
عمر أربيب، وهو عضو مركز الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمراكش، يعتبر أن السبب الرئيسي لتفشي دعارة القاصرين في مراكش هو "تساهل السلطات و القضاء مع هذه القضايا، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بأجانب سواء أوروبيين أو خليجيين،" ويضرب الناشط الحقوقي مثالاً على ذلك، الأحكام القضائية المخففة في عدد من الحالات المسجلة، والتي لا تتجاوز سنتين سجًنا، كما حدث مع الأمريكي "هاولاي" والفرنسي "جون ماري كيوم"، فيما السمة البارزة لدى المنحدرين من دول الخليج هي الإفلات من العقاب.
ويعاقب القانون المغربي على أفعال هتك عرض أو محاولة هتكه على كل طفل أو طفلة يقل سنه عن 18 سنة بعقوبة حبسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، العقوبة التي يجدها الناشطون الحقوقيون مخففة وغير كافية لردع منتهكي كرامة الطفولة، ويطالبون بسن قوانين خاصة متعلقة باستغلال الأطفال في السياحة الجنسية، الظاهرة التي تشهدها مراكش بشكل مستفحل.
وفي هذا السياق، تحمل المراكز الحقوقية السلطة بالمغرب مسؤولية انتشار دعارة القاصرين في مراكش، بفعل فشل السياسات العمومية الذريع في محاربة الفقر ما أنتج مثل هذه الآفات، كما أن الدولة عجزت عن توفير الحماية القانونية والاقتصادية للفئات الهشة، من النساء والأطفال ومن هم في وضعية صعبة.
هذا ويدعو مهتمون إلى فتح نقاش عمومي موسع، على مستوى الإعلام والحكومة والمجتمع المدني، من أجل الوصول إلى مقاربة شمولية لمحاصرة دعارة القاصرين في مراكش، والتحسيس بخطر هذه الآفة على الاستقرار الاجتماعي.
اقرأ/ي أيضًا: