يمكن للتطورات الأخيرة في قضية المدوّن السعودي رائف بدوي أن تفضح الضعف أو العجز "الضمني" عن تثبيت الحكم الموجه إلى مؤسس موقع "الليبراليون السعوديون"، والقاضي بسجنه لعشرة أعوام وجلده ألف جلدة وتغريمه مبلغاً مالياً ضخمًا. بعد كل شيء، يمكن أن ينتصر العالم للمدون المنسي.
لماذا يأتي الناس لمشاهدة أحدهم يجلد؟!
زوجة رائف بدوي إنصاف حيدر قالت لـ"الترا صوت"، إن "المحكمة لا تزال تدرس ملف زوجها، فمرة يتم ثبيت الحكم ومرة أخرى يعاد للدراسة، وكل هذا يتم بسرية عالية، حتى أننا لا نستطيع أن نعرف على ماذا تستند المحكمة في كل هذه القرارات، بل وتحيط بهذه الأخبارالسرية والغموض". المرأة متمسكة بالأمل رغم كل شيء. تعتبر أن "ذلك سيكون بداية لتصحيح مسار قضية رائف، أنا أكرر، أنا أتأمل فقط". أما عن آخر التطورات في قضية زوجها، فتقول حيدر إنها "تأكدت فقط من وجود القضية للدراسة في المحكمة العليا، من مصدر خاص في وزارة العدل"، من دون أن يخبرها المزيد من التفاصيل، لأن الأمور تتم بسرية كبيرة في المحكمة العليا. و"لا أستطيع أن أقول أنها أخبار ممتازة، بل أتمنى أن تكون إشارة جيدة، كما أتوقع بتنفيذ الجلد في أي وقت، لأن الأمورغير واضحة". وإن أعيد تنفيذ قرار الجلد، فإن ذلك لن يكون إنسانيًا على الإطلاق.
السلطات السعودية كانت قد بدأت بتنفيذ الحكم بحق رائف بدوي مطلع العام الحالي، بعدما تلقّى 50 جلدة في ساحة عامّة قرب "مسجد الجفالي"، في مدينة جدة، أمام أعين الناس. ودائمًا ثمة سؤال يطرح نفسه، لماذا يأتي هؤلاء الناس؟ كان من المقرر استكمال قرار الجلد كل يوم جمعة على مدى 19 شهراً، غير أن تدهور حالة بدوي الصحية حالت دون ذلك، إضافة إلى أن حملات الضغط العالمية المتعاطفة مع المدون، أحرجت المملكة قليلًا. ولا يزال تأجيل تنفيذ الحكم قائمًا من دون سبب واضح لاستكماله، بحسب زوجة بدوي، مكتفية بالتعبير عن وضعها ووضع أولادها بأنه "لا يوصف". وفعلًا لا يحتاج المشهد إلى وصف، وطبيعة الحكم إلى عرض. كل شيء واضح تمامًا.
بلا سبب، اعتقل زوجها عام 2012 بتهمة إساءته للدين ودعوته لإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكأن الثانية مرتبطة بالأول. وتعبّر حيدر عن صدمتها مما يجري مع زوجها "هل يحدث هذا كله لأنه عبّر عن رأيه سلميًا؟".
وكان رائف بدوي يعمل بعد تأسيسه "الشبكة الليبرالية السعودية الحرّة" عام 2006، إلى جانب المدونة السعودية سعاد الشمري التي أُلقي القبض عليها في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2014 على خلفية التهمة نفسها، ولا أحد يتحدث عن قضيتها هي الأخرى، على الدعوة للحوار حول الإسلام السياسي في بلده وفصل السلطة الدينية عن السياسة، وترسيخ الفكر العلماني، الذي وجد فيه الحل الوحيد لإنقاذ بلده من التيارات المتطرفة والأفكار المتشددة. ويبدو أن تهمًا مثل هذه كبيرة فعلًا.
حُكم على رائف بدوي في 2013 بالسجن لمدة سبع سنوات، والجلد 600 جلدة، وإغلاق موقع "الشبكة الليبرالية السعودية الحرة"، لكن وفي 7 أيار/مايو 2014 استأنف الحكم، وقامت محكمة الاستئناف بزيادة العقوبة التي حكم بها عليه، وكان هذا غريبًا.
رافق جلد رائف بدوي ضجة إعلامية كبيرة، منظمة العفو الدولية اعتبرته سجين رأي "احتُجز لا لشيء سوى لممارسته حقه في حرية التعبير عن الرأي بشكل سلمي". وأدانت عدة دول أوروبية الحكم بحق بدوي، فيما وصفت الحكومة السعودية هذه الانتقادات بأنها "تدخّل في شؤون البلاد الداخلية". ولا تزال قضية بدوي تثار في العديد من المحافل الدولية، بالإضافة إلى الجهود التي تبذلها زوجة بدوي عبر تنظيم تظاهرات احتجاجية أمام سفارات المملكة السعودية في كندا، الدنمارك، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، هولندا، وغيرها.
وكان نجل رائف بدوي، طراد، قد توجه إلى والده برسالة مصوّرة بالفرنسيّة، ضمن حملة "الكتابة من أجل الحقوق"، التي نظّمتها "منظمة العفو الدولية" للمساهمة في إطلاق سراح الناشط والمدوّن السعودي، يقول فيها "بابا، صدّق، لم أكن لأتخيّل يوماً أن أعيش من دونك.. لماذا أنت في السجن يا أبي؟ هل صحيح لأنك أنشأت موقعًا يشجع على الحوار السياسي والاجتماعي؟ ها أنا أتابع أخبارك، هناك الكثير من الناس يدعمونك.. أنا وإخوتي نفكر في السرّ كيف يمكننا إخراجك من السجن، ميريام تقول إنها ستذهب إلى السعودية وتحطّم السجن، وبذلك يمكنك الخروج.. يجب أن تعود إلى البيت، نحن دائمًا بانتظارك".
بعيون أبنائه
رائف بدوي هو أب لثلاثة أطفال "طراد، نجوى، وميريام"، حصلت زوجته وأولاده على اللجوء السياسي في كندا منذ عامين. حاز جوائز عدّة منها جائزة جمعية "مراسلون بلا حدود" لعام 2014، وجائزة حرية التعبير "دويتش هفيله" 2015، بالإضافة إلى ترشيحه لجائزة "نوبل" للسلام للعام الحالي.