24-سبتمبر-2024
غزو بري

غارة إسرائيلية تستهدف مدينة صور الساحلية بجنوب لبنان (رويترز)

كشفت تقارير عبرية أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، كانت على علم مسبق أن "إسرائيل" اتخذت قرارًا بتصعيد هجماتها ضد "حزب الله" في لبنان، مشيرةً إلى أن واشنطن لم تظهر معارضة لمثل هذا التصعيد، على الرغم من عدم اقتناعها بهذه الخطوة، في الوقت الذي يتزايد الحديث عن إمكانية لجوء الجيش الإسرائيلي إلى عملية برية في حال لم تستطع "إسرائيل" التوصل إلى اتفاق مع "حزب الله"، يؤدي إلى انسحابه من جنوب لبنان.

وفي دليل على تناقض تصريحات المسؤولين الأميركيين، كان المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، قد أكد أن الإدارة الأميركية لم يكن لديها علم بأي إخطار من "إسرائيل" للولايات المتحدة قبل تنفيذ هجمات بيروت، في إشارة لتفجيرات أجهزة النداء والاتصال اللاسلكية، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، فضلًا عن الضربة الجوية التي استهدفت مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأدت إلى اغتيال نحو 16 مقاتلًا من وحدة النخبة "قوة الرضوان"، فضلًا عن استشهاد أكثر من 30 سخصًا.

الإدارة الأميركية كانت على علم بتصعيد "إسرائيل"

ضمن هذا السياق، نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن مصادر لم تذكر هويتها، أن "إسرائيل" أرسلت رسائل إلى الإدارة الأميركية، خلال الأيام القليلة الماضية، توضح فيها أنها قررت تصعيد هجماتها على "حزب الله" في محاولة لدفع الحزب لوقف القتال على طول الحدود الجنوبية مع شمال "إسرائيل".

تقول "هآرتس" إن "إسرائيل" قررت تصعيد هجماتها على "حزب الله" في محاولة لدفع الحزب لوقف القتال على طول الحدود الجنوبية مع شمال "إسرائيل"

ووفقًا لمصادر الصحيفة، فقد تم عرض هذا الموقف من قبل وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، الذي يتواصل باستمرار مع نظيره الأميركي، لويد أوستن، مشيرة إلى أنه بينما لم تعرب واشنطن عن معارضتها، فإنها لم تكن مقتنعة أيضًا بأن هذه الخطوة ستنجح.

وبحسب "هآرتس"، فإن الإدارة الأميركية تدعم الهجمات الجوية التي تشنها "إسرائيل" على "حزب الله" في لبنان، وتضيف أن الإدارة الأميركية قدمت حتى الآن دعمًا كاملًا لأعمال "إسرائيل"، حتى أن كبار مسؤولي البيت الأبيض أشادوا ببعض عمليات الاغتيال الإسرائيلية لكبار قادة "حزب الله".

وتقول الصحيفة العبرية إن البيت الأبيض يشعر بالقلق من أن رد "حزب الله" على الضربات الإسرائيلية قد يؤدي إلى غزو بري إسرائيلي لجنوب لبنان، وهي خطوة ستجد الولايات المتحدة صعوبة في دعمها، وتقدّر الإدارة أنه في هذه المرحلة، لم يتخذ المسؤولون السياسيون والأمنيون بـ"إسرائيل" قرارًا بعد بتنفيذ مثل هذا الغزو، وبالتالي فقد حذروا "إسرائيل" من العواقب المحتملة.

ونقلت "هآرتس" عن مسؤول إسرائيلي كبير مشارك في المحادثات مع الإدارة الأمريكية، قوله إن "الاستراتيجية التي اتبعتها الإدارة (الأميركية) في الأشهر الأخيرة، محاولة منع التصعيد في الشمال من خلال المفاوضات لإطلاق سراح (المحتجزين) الرهائن وإنهاء الحرب في غزة، قد فشلت بسبب الفجوات الكبيرة بين إسرائيل وحماس في المحادثات، وكذلك الصعوبة في التواصل مع زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار".

ووفقًا للصحيفة العبرية، لا تملك الإدارة الأميركية حاليًا استراتيجية بديلة، وبالتالي تقتصر على الحوار المستمر مع المسؤولين الإسرائيليين والحكومة اللبنانية، محاولة ضمان ألا يؤدي تبادل إطلاق النار بين الأطراف إلى غزو بري إسرائيلي أو سقوط ضحايا مدنيين بشكل جماعي.

وكانت قناة "كان 11" العبرية، قد نقلت، أمس الإثنين، عن مسؤول أمني اسرائيلي كبير لم تسمه، تأكيده أن "إدارة بايدن أعطت مباركتها للعملية العسكرية، لأسباب من بينها إدراك الولايات المتحدة، أن من المستحيل الآن التوصل إلى اتفاق دبلوماسي يؤدي إلى وقف إطلاق النار في الشمال"، في إشارة إلى الحدود مع جنوب لبنان.

ما احتمالات غزو "إسرائيل" لجنوب لبنان؟

إلى ذلك، اعتبر الكاتب الصحفي قي صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، آفي يسسخروف، أنه "إذا لم نشهد مفاجآت كبيرة كتلك التي نشهدها طوال الوقت في الشرق الأوسط، فإنه من أجل إجبار حزب الله على الانسحاب إلى ما وراء نهر الليطاني ووقف النار في اتجاه شمال إسرائيل، ستضطر إسرائيل إلى القيام بعملية برية في لبنان، واحتلال مساحة واسعة من الأراضي. وحتى عملية كهذه لن تؤدي بالضرورة إلى وقف كامل لإطلاق النار، لكن يمكن أن تدفع نصر الله إلى التفكير في تسوية ما".

ورأى يسسخروف في مقاله، أن "ثمن العملية البرية سيكون باهظًا جدًا بالنسبة إلى الطرف الإسرائيلي، وأيضًا بالنسبة إلى القوات التي تقاتل على الجبهة، وفي الجبهة الداخلية"، مضيفًا أنه "سيحاول نصر الله إثبات استمراره في إطلاق النار، والقصف بقدر ما يستطيع، وحتى الآن، لا يبدو أن لدى إسرائيل خياراً آخر".

وأضاف الكاتب في مقاله أن "نصر الله الذي سارع إلى القتال من أجل الفلسطينيين عليه أن يفكر في الانسحاب إلى ما وراء الليطاني، إذا وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار في غزة، وبذلك، تنشأ معادلة جديدة"، لافتًا إلى أن "تنازل نصر الله يؤدي إلى وقف إطلاق النار في الجنوب ومنع "نكبة" غزة. ليس هناك ما يضمن نجاح صيغة كهذه، لكن من الممكن أن يكون هذا هو المخرج الوحيد قبل دخول حرب برية طويلة وصعبة".

وفي السياق ذاته، رأى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، اليوم الثلاثاء، أن "إسرائيل" و"حزب الله"، قد "انتقلا إلى مرحلة حرب شاملة بينهما منذ، أمس الاثنين، حتى لو لم يُعلن ذلك رسميًا، وحتى لو لم يجتز جنود إسرائيليون بعد الحدود إلى لبنان، وحتى لو لم ينفذ حزب الله بعد تهديده بإطلاق صواريخ نحو منطقة تل أبيب الكبرى".

وفي معرض حديثه عن عدد الشهداء الكبير، والدمار الهائل الذي تسببت به غارات الجيش الإسرائيلي، قال هرئيل إن "هذه ليست أرقامًا يستطيع حزب الله أن يحتويها، والأكثر من ذلك أن العديد من (الشهداء) القتلى هم من المدنيين"، مشيرًا إلى أن "حزب الله" رد على محاولة القيادي البارز، علي كركي، بإطلاق الصواريخ على وسط مدينة حيفا، وعلى وادي عارة ومستوطنات الضفة الغربية.

وبحسب ما يرى هرئيل، فإن "حزب الله" من "المرجّح أن ينجر لاحقًا إلى استخدام رشقات ثقيلة أكثر، في العمق الإسرائيلي. هناك كثيرون في الجانب الإسرائيلي يتمنون ذلك، ويعتقدون أن هذه هي بالضبط الفرصة لإلحاق الهزيمة به"، ويختم مقاله التحليلي بالإشارة إلى أن "خلاصة القول، نحن نسير على المسار السريع نحو الحرب، حتى لو لم نخبر بذلك رسميًا بعد".

من جانبه، اعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق، تمير هايمن، في مقال تحليلي نشر على موقع القناة الـ12 العبرية، أن رد "حزب الله المحدود جدًا" على الغارات الإسرائيلية، يشير إلى أن الحزب يدرس الأضرار التي لحقت به ويجري تقييمًا للوضع، وأضاف مستدركًا "لكن يحظر علينا أن نوهم أنفسنا، فخلال فترة قصيرة سيدرك حزب الله الواقع وسيكون أمام نصر الله خياران".

وبحسب هايمن، فإن الخيار الأول يتمثل بـ"توسيع دائرة إطلاق النار، وسيبقى على شكل معادلات، وإطلاق النار نحو مناطق أخرى مثل منطقة تل أبيب، لكن بصورة مدروسة نسبيًا، وإن كانت أوسع مما رأينا سابقًا"، فيما اعتبر أن الخيار الثاني يدور في سياق "أن يدرك نصر الله أنه في وضع سيء، ويقرر أن يذهب حتى النهاية، وفي هذه الحالة سنكون في حرب شاملة".

وعلى ضوء ذلك، يرى المسؤول الاستخباراتي السابق، أنه "الآن خصوصًا، فيما الزخم إلى جانبنا في الشمال، يجب البدء بالتفكير كيف ندمج العمل السياسي بالعمل العسكري، وإذا لم نفعل ذلك الآن، سنكتشف أن الوقت بات متأخرًا مثلما هو حاصل في الجنوب"، في إشارة إلى قطاع غزة الذي يواجه عدوانًا منذ أكثر من 11 شهرًا.