ألترا صوت - فريق التحرير
يقع كتاب "تاريخ الأدب العربي" لعمر فرّوخ (1906 - 1987) في سياق تأريخ الأدب العربي، الذي شغل كثيرًا من مؤرخي الأدب في القرن الماضي، وكما فعل سواه مما كتبوا في هذا الباب يسعى فرّوخ إلى تقديم كتاب عربي يسدّ النقص في المشهد، ويكون مرجعًا للباحثين والقرّاء.
ولد عمر فروخ في بيروت أواخر العهد العثماني. نشأ في بيئة محبة للعلم والمعرفة. تخرّج من الجامعة الأمريكية في بيروت، وأتمّ تعليمه في ألمانيا وفرنسا، حيث تخصّص في الأدب والفلسفة الإسلامية. كان عضوًا في مجمع اللغة العربية في دمشق، وكذلك في مجمع القاهرة، وقد تجاوزت مؤلفاته الستين، موزعة بين الأدب ومختلف العلوم والفنون، وهي بين صغير الحجم ومتعدّد الأجزاء، ومؤلفاته تدل على سعة إطلاع وثقافة شمولية. من أعماله: تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون، التبشير والاستعمار في البلاد العربية، أبو العلاء المعري.. الشاعر الحكيم، عبقرية العرب في العلم والفلسفة، الحضارة الإنسانية وقسط العرب فيها، التصوّف في الإسلام، عبقرية اللغة العربية، نهج البلاغة للإمام علي كرم الله وجهه، أثر الفلسفة الإسلامية في الفلسفة الأوروبية.
بدأ فروخ العمل على سلسة "تاريخ الأدب العربي" عام 1951، وبدأ بطبعها عام 1970، بعد قرابة العشرين عامًا من الإعداد لها، فصدرت في ستة أجزاء تعدّ مرجعًا لا غنى عنه.
الكتاب رحلة موسوعية في تاريخ الفنون الأدبية العربية منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، تصحبها استطلاعات تاريخية وجغرافية واجتماعية ولغوية، لكلّ عصر أو مكان يتناوله، كما يركز، في الجزء الأخير، على الأدب في المغرب العربي والأندلس من أوائل القرن الثالث عشر إلى أواسط القرن السادس عشر.
حاول صاحب كتاب "العرب واليونان وأوروبا: قراءة في الفلسفة" أن يضع أكبر قدر ممكن من تراجم الشعراء والخطباء والأدباء، ذلك أنه رأى أن كتاب التاريخ الأدبي العربية تختار في العادة بضعة شعراء، ولهذا حاول أن يرمّم هذا النقص فمن الجاهليين وحدهم تناول الكتاب ما يزيد على الخمسين رغم قلة الأدباء في تلك الحقبة، لكنه في العصر العباسي مع وفرة أهل الأدب حاول أن يقدّم من رأى أنهم يمثلون علامات بارزة، موازيًا في المرحلتين بين الجمع الحريص كما في الجاهلية، والاختيار الدقيق كما في العصر العباسي. بهذا المعنى يستطيع القارئ أن يعاين داخل هذا التأريخ لمسار الأدب العربي جهدًا أنطولوجيًّا، ينتخب تجارب تعبّر عن ما يسميه فروخ بـ"العبقرية العربية"، ويحاول أن يستنطق أدباء العصور الخوالي بما يعطي صورة أقرب إلى الشمول لمذاهب واتجاهات وتيارات الأدب في كل عصر من العصور، وفي كل فنّ من فنونه وأبوابه. وفي تراجمه للأدباء نسّق عمله بحسب سِنيْ الوفيات، وكل ترجمة تنقسم إلى: حياة الأديب، خصائصه، المختار من آثاره، المصادر والمراجع لدراسته. كما ركّز فيها أيضًا على نقل وإيراد آراء النقّاد القدماء ممن عاصروا الأديب المعني، فبحسب رأيه أن هؤلاء عرفوه أكثر مما نعرفه نحن، خصوصًا أن آثارًا كثيرة ضاعت ولم يتسن لنا الوقوف عليها لفهم عوالم كثير من الأدباء.
يبدأ الكتاب بتمهيد حول اللغة العربية وخصائصها، ويتناول لهجاتها المختلفة، ثم يدرس مرحلة الكتابة والتدوين، لينطلق بعد ذلك في العصور الأدبية. يبدأ الجزء الأول بمقدمات للأعصر تليها تراجم. في مقدمات الأعصر استعراض لأهم الأحداث التي شهدتها. اعتمد صاحب "عمر بن أبي ربيعة المخزومي وفصل في تطور الغزل والنسيب في الشعر العربي" على تعاقب الدول أساسًا للانتقال من عصر إلى عصر، لكي تكون هذه الدول عنوانًا للعصور، لكن هذا لا يعني أن الخصائص الأدبية زالت بزال دولة، أو بانتهاء عصر ومجيء آخر.
"تاريخ الأدب العربي" الذي مرّ عليه زمان كثير لا يزال يحمل طزاجةً وقوة تؤهله بقوة ليكون حاضرًا ومؤثرًا لفهمنا لتشكّل الأدب العربي والفكر الذي يقوم عليه.
اقرأ/ي أيضًا: