صدرت مؤخرًا عن منشورات المتوسط رواية "الموتشو" للكاتب المغربي حسن أوريد، التي يضعنا من خلالها الكاتب أمام مرافعة أدبية لمِا يعتري العالم العربي، وما يتوزَّعه، وعلاقته بالآخر، منذ الفترة المؤسِّسة، مع حُلْم الوحدة، وما رافقها من انكسار، إلى الربيع العربي، فالأصولية، حتَّى موجة التطبيع.
ذات صيف حيث تبدو مدينة الدار البيضاء، عادية بصخبها وزحامها وقيظها، يذرع أمين الكوهن، فتى ذو توجُّه يساري من براعم حركة "20 فبراير"، شوارعها في اتِّجاه مقرِّ الجريدة ذات التوجُّه الإسلامي التي يشتغل بها.
يضعنا محسن أوريد في "الموتشو" أمام مرافعة أدبية لمِا يعتري العالم العربي، منذ الفترة المؤسِّسة مع حُلْم الوحدة، وما رافقها من انكسار، إلى الربيع العربي، فالأصولية، حتَّى موجة التطبيع
ما يلبث أن يهتزَّ السرد من خلال قصَّة بنيس، الشخصية المُسنَّة والمطّلعة، حيث أُصيب بحادثة سير، أَفقدتْهُ الذاكرة، ودفعتْهُ إلى اختلاط الأزمنة. بنيس كان شاهدًا على التحوُّلات الكبرى التي جرت على العالم العربي، بأحلامه وجراحه واهتزازاته. وهنا سيكون تعبيرًا شفافًا عن حالة فقدان الذاكرة وتداخل الأزمنة التي مسَّت العالم العربي.
في غمرة انشغال أمين "الموتشو" - وهو اللقب الذي أطلقه عليه بنيس - بالحادثة التي أصابت صديقه العجوز، تستغني الجريدة عنه. وكانت مرحلة التسويات والواقعية قد بدأت، ولا يبقى للموتشو إلَّا أن يُكبُّ على الجسد الواهن للمريض، ويسعى أن يُرتِّب هذيانه.
يتعرَّف في غمرة تردُّده إلى مستشفى ابن رُشد على طبيبة بنيس، المحجَّبة، نعيمة بلحاج. تتطوَّر العلاقة في ملابسات متشعِّبة بين إقدام وإحجام.
ترمي مصادفات الحياة بالموتشو في علاقة صداقة مع إستير، جارته الموزَّعة بين جذورها المغربية وهُويَّتها الإسرائيلية.
تتطوَّر خيوط الحكي في حركة دائرة، يرسمها حسن أوريد بمبضع جراح يشق جسدنا، فنخاله يريد أن يستأصل عضوًا ما، ولكن سرعان ما نكتشف أنه يحاول إصلاح عطبه، وسرعان ما سنكتشف أن حسن أوريد، في هذه الرواية، يُنجز عملًا أدبيًا وفكريًا في الآن ذاته.
حسن أوريد كاتب ومفكر مغربي من مواليد 1962. حاصل على دكتوراه الدولة في العلوم السياسية. شغل منصب أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس. له إسهامات فكرية وأدبية باللغة العربية والفرنسية. من أعماله الأدبية: "الحديث والشجن"، و"الموريسكي" (صدرت بالفرنسية عام 2011 وبالعربية عام 2017)، و"سيرة حمار"، و"سنترا"، و"ربيع قرطبة"، و"رباط المتنبّي"، و"زينة الدنيا".
من الرواية
ـ كيف تُلقي بالتعلَّة على إسرائيل؟ أنتَ؟
ـ وكيف تُنزِّه إسرائيل، وتنظر إليها كمثال؟ أنتَ؟
ـ إسرائيل دولة ديمقراطية.
ـ لساكنتها اليهود. كما كانت أمريكا ديمقراطية لساكنتها البيض، من غير الإنسان الأسود.. اسمع يا محند، نبع الغرب آسن، ومَن يقول لكَ بهذا نتاج للغرب، من خلال ثقافته، ومنظومته الفكرية.. هو ذا المشكل، أو مثلما قال أبو حيَّان التوحيدي: إلى متى نبتلع السموم ونحن نظنُّ أن الشفاء فيها؟
ـ لا يمكن أن أجاريكَ في تحليلكَ يا أمين..
ـ أفهم جرحكَ الوجودي يا محند. وهو جرحنا جميعًا.. أعرف ما تستشعره منذ اعتقال ناشطي الريف، والحكم عليهم بأحكام قاسية. من المؤكّد أن هناك أشياء لدى الأمازيغي لا أدركها، ولكني لا أريد أن نتحوّل إلى شيع وطوائف.. عدالة لكلّ طائفة، وحرِّيَّة لكلّ طائفة.. حينما تُجتزأ العدالة، وتُجرى بناء على طوائف تكفّ أن تكون عدالة.