يعيش ريال مدريد هذا الصيف على وقع مرحلة جديدة من الإحلال والتجديد شبه الكامل لقائمة الفريق، بعد رحيل كريم بنزيما آخر عناقيد الجيل الذهبي لنادي، واستقدام كم لابأس به من المواهب الشابة، والتي ستطبع بصمتها حتمًا على أسلوب لعب الفريق، مما يجعل شغف الجماهير يزداد يومًا بعد آخر لمعرفة الطريقة المثلى التي سينتهجها أنشيلوتي لتحقيق أكبر استفادة ممكنة منهم.
نجح الجيل الذهبي لفريق ريال مدريد في فرض إيقاعه الخاص على الكرة الأوروبية لسنوات ليست بالقليلة، فعلى مدار خمس سنوات ممتدة بين عامي 2014 و2018، استطاع المرينغي التتويج بدوري أبطال أوروبا أربع مرات كاملة في انجاز غير مسبوق في تاريخ القارة العجوز.
حقبة مدريد التاريخية، جاءت بفضل تعاضد عدة عوامل دقيقة، على غرار التكامل والاستمرارية في مركز المدير الفني، كصعود زين الدين زيدان إلى دكة البدلاء من مساعد للإيطالي كارلو أنشيلوتي صاحب إنجاز 2014، لخليفة له في قيادة الدفة التدريبية، استمرارية لم تكن حبيسة الجانب الفني فقط، بل أخذها الفريق الملكي كقاعدة تسيير تطال كل شؤون النادي، واستطاع بفضلها المحافظة على تشكيلة تضم نخبة من النجوم في أوج عطاءاتهم الكروية، فبإطلالة بسيطة على قائمة الفريق حينها سندرك حتمًا مدى التنوع والتوازن الذي توفره للفريق بمختلف المراكز.
بقيادة النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو ورفاقه من أصحاب المواهب والقدرات المميزة، نجح ريال مدريد في مزاوجة تاريخية بين الجانبين الرياضي والاقتصادي، فبقائد خلفي كراموس وظهير طائر كمارسيلو ومايسترو بخط المنتصف كمودريستش، بصم المرينغي لنفسه على عقد خاص مع الجماهير يضمن لهم موعد سنوي مع الاحتفالات، ويضمن لنفسه مداخيل سنوية تحقق له الاستدامة المالية.
عقد العلاقة الرضائية بين الطرفين بدأ يتآكل تدريجيًا منذ نهاية الموسم 2018، مع رحيل المدرب زيدان والبرتغالي ورونالدو بدت علامات نهاية الحقبة وشيكة، خاصة مع مشاهد الضبابية التي طغت على أسوار الروخيبلانكوس في خصوص التعامل مع ملف الانتقالات، والذي أصبح مطلبًا ملحًا من قبل الجماهير التي عانت من سنوات من التخبط على مستوى النتائج والأداء، فشل فيها الفريق في تحقيق أي إنجاز يذكر على المستوى المحلي غير بطولة موسم 2019/2020.
التراجع الأبرز كان على المستوى القاري، حيث خفت ضوء النادي كثيرًا بعد الـ2018، وتسببت انسحاباته تلك في كل مرة في تأكيد قناعة الجماهير بضرورة التشبيب وتغيير الدماء في بعض المراكز، التي تقدم بأصحابها السن وقلت مردوديتهم البدنية كثيرًا.
شعارات الجماهير الرافعة لرايات التغيير، لم تكن بعيدة عن مخططات الإدارة لكنها اختلفت معها في الكيفية والتوقيت المناسبين فقط، فبسياسة المرحلية الفعالة تمكن فريق العاصمة الإسبانية من تغيير شبه جذري لقاعدة الفريق، وذلك بالرحيل المتتالي لنجوم الجيل الأول، بداية من حارس المرمى نافاس، والظهير البرازيلي مارسيلو، وبعدها رحل راموس و فاران، ثم كاسيميرو، وبعد ذلك كريم بنزيما وأسينسيو، لم يتبق منهم في الفريق سوى الثلاثي مودريتش وكروس وكارفخال، وتنتهي عقودهم مع الفريق بنهاية الموسم المقبل، ومن المتوقع رحيلهم في الصيف المقبل.
جيل جديد لريال مدريد
ربما لم يكن التريث الكبير والمرحلية التي انتهجتها إدارة الفريق الأبيض في تجديد قوام الفريق بالفترة الأخيرة، لأسباب ذاتية أو اعتباطية من مسؤولي النادي، بل قد يكون مرده الأساسي مرتبط بتغيير موضوعي في سياسة الاستقدامات، ويكفينا في هذا السياق النظر في معدل أعمار المستقطبين الجدد أو الاطلاع على لائحة الأندية القادمين منها، فسنجد إجابات كافية عما يحصل داخل القلعة البيضاء.
بعد فترتي الجالاكتيكوس الأولى والثانية الممتدة لغاية الجيل الأخير، غيرت إدارة بيريز منهجها كليًا في التعامل مع سوق اللاعبين، فتركت جانبًا مسرح الأسماء الرنانة والأموال الطائلة، إيمانًا منها بندرة المنتج وكثرة القادرين على الدفع في السوق الجديدة التي باتت تحكمها قوى دولية وليست ميزانيات أندية فحسب.
أركان المخطط الجديد كانت تقوم على الاستباق ولا غيره، عبر بعث شبكات كبيرة من الكشافين والعلاقات بالسوق الأمريكية الجنوبية والسوق الفرنسية الأكثر تصديرًا للمواهب بالقارة العجوز بالعقد الأخير، أنتج ذلك عبر تتالي السنوات كمية مواهب شابة هائلة بالنادي لم تكلف النادي الكثير، فإن نظرنا للقائمة اليوم سنجد نجوم كفينسيوس وردريغو يقودان الخط الأمامي للنادي، والأورغواياني فالفيردي وكامفينغا بخط المنتصف، إلى جانب مواهب الكاستيا.
توجه جديد لم يثني النادي عن لعب دوره الريادي في سوق اللاعبين وقول كلمته في بعض الأحيان، وإن كان ذلك بلغة الأموال، سيما عندما يتعلق الأمر بلاعبين شباب اتفق الجميع على موهبتهم، وأخلصوا هم اختيارهم للنادي من بين كل الراغبين، على غرار بيلنغهام والفرنسي تشواميني وحتى الموهبة التركية أردا غولر.
خطة لعب جديدة
بعد عملية التحليل والتجديد التي يشهدها الفريق ومغادرة بنزيما، تم ربط الفريق بالعديد من المهاجمين الكبار، بما في ذلك هاري كين وكيليان مبابي، لكنهم غير مستعدين لدفع الأسعار الجنونية المطلوبة التي حددها توتنهام هوتسبير وباريس سان جيرمان على التوالي، مما يعني أن أي تحرك هذا الصيف غير مرجح للغاية، حيث أكدت صحيفة " آس " الإسبانية أن إدارة ريال مدريد أبلغت أنشيلوتي بالفعل أن النادي لن يكون قادرا على التعاقد مع رأس حربة وأن عليه العمل على تغيير طريقة لعب الفريق.
للتعرف على إجابة كارلو أنشيلوتي عن مطلب الإدارة، دعونا نعود قليلا للخلف في مسيرة المدرب الإيطالي التدريبية، وبالتحديد لفترته الذهبية مع الفريق الأحمر لمدينة ميلان، حينما وجد نفسه مضطرا للتعامل مع قلبي هجوم لا يقل أحدهم كفاءة عن الآخر وهم اينزاغي وتشفشينكو، وخط وسط شامل ومختلف، فاعتمد الرجل على رسم ال4-3-2-1، لتحقيق أعلى قدر ممكن من الاستفادة من الثنائية الأمامية، مع تطويع البرازيلي كاكا في أدوار صانع اللعب المتقدم وتقريبه قدر الإمكان من منطقة الجزاء.
ما تكهنت به الصحافة الإسبانية، وما ظهر خلال الموسم التحضيري لحد الآن، لم يكن مختلفًا كثيرًا، فمع عدم وجود مهاجم نجم، بدأ أنشيلوتي يفكر في تغيير نظامه للموسم المقبل، والذي من شأنه أن يجعله يبتعد عن أسلوبه المعتاد 4-3-3 لصالح لعب 4-3-1-2. حيث ستشهد هذه الخطوة تحمل فينيسيوس جونيور ورودريجو مزيدًا من المسؤوليات الهجومية، إذ سيتم توظيفهم بشكل مركزي أكثر بالعمق الهجومي.
أما بالوسط فيملك كارلو ترسانة من اللاعبين الشاملين من ناحية المميزات والأدوار التي بإمكانهم تقديمها، خاصة مع الإضافة الكبيرة الحاصلة بانتداب بيلينجهام، والذي يمتلك من الخصائص ما يخول له اللعب في كل مراكز وسط الميدان، حيث تدل أرقامه مع دورتموند الموسم الماضي على قدراته المتنوعة في تقمص كل أدوار الوسط بداية من ارتكاز محوري، فهو أكثر من قام بتدخلات دفاعية ناجحة بـ76 مرة مع فريق الجراد الأصفر العام الماضي، وبـ35 مرة خلف رافائيل غيريرو في استرجاع الكرة من الخصوم.
علاوة على تمييزه في الأرقام الدفاعية، فإن الأدوار الهجومية التي يضطلع بها الإنجليزي كبيرة جدا، فهو أكثر من قام بمراوغات ناجحة بالبوندسليغا بـ88 مرة الموسم الماضي، وأكثر من قاد تحولات فريقه الهجومية، وبـ4.5 تمريرة مفتاحية لكل 90 دقيقة، تمكن من خلق 41 فرصة تسجيل لفريقه و 33 تمريرة أنتجت فرصة تسجيل، كذلك هو أكثر الذين حاولوا على مرمى الخصوم لفريقه بـ67 مرة، مع تسجيله لـ14 هدفًا مع الفريق الأصفر بالموسم المنصرم.
فالسؤال الأبرز بالنسبة لكارلو أنشيلوتي وفريقه الفني هو الكيفية المثالية لتوظيف الإنجليزي من أجل تحقيق أكبر استفادة من قدراته المتنوعة، وبحسب ما شاهدناه في المباريات الإعدادية، فإن التوظيف الرباعي لخط وسط ريال مدريد على شكل " ديموند "، قد يكون غرضه الأساسي هو إعطاء أكثر حرية في صناعة اللعب للإنجليزي من خلال توظيفه على رأس الـ3-1 بالوسط وذلك بتقريبه أكثر من المرمى.
من جانب آخر قد تضمن خطة 4-4-2 للمرينغي عدة أمور تكتيكية بدت واضحة خلال مباراة الكلاسيكو الإعدادية الأخيرة، مثل حيوية خط الوسط التي قد تضمن للفريق تحقيق الضغط العالي بشكل مستمر وكذلك الضغط العكسي وسرعة الانتشار في وضعية فقدان الكرة، بالإضافة لتغطية عرض الملعب وعمقه بشكل جيد في المرتدات، ولكنها في الوقت ذاتها قد تطرح عدة سلبيات على الأسلوب الهجومي.