تسببت حملة الاعتقالات الواسعة في السعودية، في تشرين ثاني/نوفمبر من العام الفائت، بضجة إعلامية صاخبة، حيث قام النظام السعودي بقيادة ولي العهد وصاحب السلطة الفعلية في البلاد، محمد بن سلمان، باعتقال مئات الشخصيات البارزة، منهم أمراء ورجال أعمال، وعقد معهم صفقات، تنازلوا بموجبها عن معظم أملاكهم وأموالهم مقابل الحرية. لكن القصة لم تنته هنا، إذ ما زال هناك من لم يُفرج عنه بعد، كما أن حملات الاعتقال لم تنته. يعرض هذا التقرير المترجم بتصرف عن صحيفة وول ستريت جورنال، التفاصيل الكاملة لما يحدث في المملكة.
بعد مرور أشهر على بداية الحملة التي شنتها السلطات السعودية وقالت إنها لمكافحة الفساد، لا يزال هناك أحد كبار الأمراء والعشرات من رجال الأعمال والمسؤولين السابقين رهن الاحتجاز، وقد قاموا مؤخرًا باعتقالات جديدة، وفقًا لما ذكره مسؤولون حكوميون.
لا يزال هناك أحد كبار الأمراء والعشرات من رجال الأعمال والمسؤولين السابقين رهن الاحتجاز في السعودية
وقال مسؤولون وأشخاص مقربون من المعتقلين إن بعض المعتقلين تعرضوا للضرب وحرموا من النوم أثناء استجوابهم. وفي بعض الحالات، قال هؤلاء الأشخاص، إن المحتجزين لم يُتهموا بارتكاب جرائم، ولم يُسمح لهم سوى مرات قليلة بالتواصل مع أقاربهم أو محاميهم، أو لم يُسمح لهم على الإطلاق.
وقال اثنان من المسؤولين الحكوميين إن العديد منهم محتجزون في سجن مُشدد الحراسة خارج العاصمة، بينما يقيم آخرون في القصور التي تحولت إلى مراكز اعتقال. واعترف المسؤولون بأن بعض السجناء تعرضوا لمعاملة قاسية.
ولم يستجب المتحدثون باسم الحكومة السعودية لطلبات التعليق. فيما صرح وكيل النائب العام السعودي بأن بعض المعتقلين يواجه اتهامات تتجاوز الفساد ويمكن محاكمتهم في محاكم مُتخصصة في قضايا الأمن القومي والإرهاب.
اقرأ/ي أيضًا: هل تصمد مزاعم محاربة الفساد أمام بذخ ابن سلمان وهدر المال العام؟
ولم يتسن الوصول إلى أيٍ من المحتجزين للتعليق. بينما قال أشخاص مقربون من العديد منهم، إن السلطات أثارت احتمال توجيه تهم بارتكاب جرائم تتعلق بالخيانة أو الإرهاب، الأمر الذي قد يفضي إلى تعرضهم للسجن أو عقوبة الإعدام، معتبرين ذلك مناورة للمماطلة تهدف إلى الضغط على المحتجزين للحصول على اعترافات غير حقيقية أو التفاوض من أجل تسويات مالية.
واعتُقِل المئات من الشخصيات السعودية البارزة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، واحتجزوا في فندق ريتز كارلتون في العاصمة الرياض. وقد أُطلِق سراح معظمهم بعد الموافقة على دفع مبالغ مالية، قال المسؤولون السعوديون إن مجموعها يتجاوز 100 مليار دولار أمريكي.
فيما يقول منتقدو الحكومة إن الاعتقالات الجديدة والمستمرة ما هي إلا محاولة من ولي العهد لتعزيز سلطته وتهميش المعارضين المحتملين بعد عام واحد من تنصيب والده له كحاكم فعلي للبلاد، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة، إلا أن الحكومة تنكر هذا الاتهام.
وفي عهد ابن سلمان، الذي يدير الشؤون اليومية للمملكة العربية السعودية، سعت الحكومة إلى تطبيق سياسة الانفتاح والتغيير في المجتمع السعودي التقليدي المعروف بأنه محافظ دينيًا، باتخاذ خطوات مثل السماح للنساء بقيادة السيارات وفتح دور السينما، لكنها في الوقت ذاته تسجن النقاد، بمن فيهم رجال الدين والنشطاء الحقوقيين والناشطات النسويات أيضًا.
ومن بين أولئك الذين لا يزالون قيد الاحتجاز بعض من أغنى الرجال في المملكة العربية السعودية، وبعضهم شغل مناصب حكومية رفيعة إلى أن أُلقي القبض عليهم في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ومن بينهم الملياردير السعودي الأثيوبي محمد العمودي، ورئيس مجلس إدارة مجموعة بن لادن السعودية العملاقة للمقاولات، بكر بن لادن، والرئيس السابق للهيئة العامة للاستثمار السعودية، عمرو الدباغ، ووزير الاقتصاد والتخطيط السابق، عادل فقيه، الذي كان في السابق أحد المساعدين الموثوق بهم لابن سلمان.
كما اعتُقل الأمير تركي بن عبد الله، الذي يُعد واحدًا من الأمراء البارزين، وشغل منصب أمير منطقة الرياض، وأحد أبناء العاهل السابق، الملك عبد الله.
وقال مسؤول سعودي في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إن الأمير مُتهم بارتكاب جرائم فساد تتعلق بمشروع لبناء مترو أنفاق في الرياض. غير أنه لم توجه إليه أي تهم حتى الآن ولا تزال الطبيعة الدقيقة للاتهامات الموجهة إليه غير واضحة، حسبما ذكر أحد الأشخاص المطلعين على المسألة، والذي يصف اعتقال الأمير بأنه مناورة سياسية تهدف إلى إقصاء منافس محتمل لولي العهد.
إن الاعتقالات الجديدة والمستمرة في السعودية ما هي إلا محاولة من ولي العهد لتعزيز سلطته وتهميش المعارضين المحتملين
وخضع بعض المعتقلين الذين أُطلق سراحهم من فندق ريتز لحظر السفر وأجبر البعض منهم على ارتداء أجهزة تعقّب تُوضع بالكاحل، حسبما قال أشخاص مقربون من هؤلاء المعتقلين السابقين. وأصبح العديد منهم يدافعون بجرأة عن النهج الذي يتبعه محمد بن سلمان. فيما دخل أحدهم على الأقل في شراكة تجارية مع الحكومة.
وقال مسؤولون بالحكومة السعودية إن التحقيقات التي تجريها الحكومة السعودية مع بعض العائلات التجارية المرموقة ما زالت جارية. وفي الأيام الأخيرة، جرى اعتقال ثلاثة مليارديرات من عائلة محفوظ، التي تمتلك مجموعة مصرفية بارزة في السعودية، لأسباب غير معلنة ، كما قال المسؤولون.
وقال هؤلاء المسؤولون الحكوميون إن مديرين تنفيذيين آخرين تفاوضوا سرًا لعقد تسويات مالية لتجنب الاعتقال خلال الأسابيع الأخيرة.
ومنذ أن جرى إغلاق فندق ريتز باعتباره مركز اعتقال وإعادة افتتاحه كفندق في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير، كان هناك صمت رسمي شبه كامل بشأن قضايا المشتبه بهم الـ 56 الذين لم يوافقوا على عقد تسوية.
وذكر أحد الأشخاص المطلعين على هذه المسألة أن الحكومة السعودية تريد تجنب الضجة الإعلامية التي صاحبت ما حدث في فندق ريتز، "وستسعى إلى تنفيذ أي اعتقالات جديدة بمزيد من التكتّم والهدوء".
اقرأ/ي أيضًا: محمد بن سلمان.. صعود سريع لأمير طائش يهدد البلاد والمنطقة!
وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن رجل الأعمال المقيم في جدة عمرو الدباغ، الرئيس السابق للهيئة العامة للاستثمار السعودي والذي يترأس واحدة من أكبر التكتلات في البلاد، تعرض أثناء احتجازه إلى التعذيب الجسدي والنفسي. إذ رفض في البداية طلب الحكومة بالتنازل عن أكثر من 70% من ممتلكاته و50% من جميع الإيرادات المستقبلية التي سيحققها مقابل حريته، وفقًا لما ذكره شخص مقرب منه.
وقال ذلك الشخص: "لا توجد اتهامات أو أدلة، ولم تجر مقابلات مع أفراد العائلة أو المديرين التنفيذيين لشركته. إنه يرفض إبرام تسوية لأن ذلك يُعد إقرارًا منه أنه مذنب، وهو ليس كذلك".
وذكر مسؤولون حكوميون أن السلطات السعودية ناقشت التهم الموجهة إلى وزير الاقتصاد والتخطيط السابق، عادل فقيه، والتي تتضمن شروعه في تدبير مؤامرة لفصل منطقة الحجاز عن بقية المملكة العربية السعودية. وقال أشخاص مقربون من الفقيه إن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة.
اقرأ/ي أيضًا:
اعتقالات الأمراء في السعودية.. كل شيء مباح لوصول "السفاح" للعرش
اعتقالات بالجملة في السعودية.. هل يشعل طيش ابن سلمان حراك "15 سبتمبر"؟