في قلب مدينة الإسكندرية، تحديدًا في الجزء الواقع بين محطة الرمل ومحطة مصر، وعلى بُعد خطوات من المسرح الروماني، يقع شارع النبي دانيال، أحد أعرق شوارع مدينة الرب على الإطلاق.
مرت مدينة الإسكندرية بالعديد من التغيرات والتحولات، وبقي شارع النبي دانيال محتفظًا بقبس من الطابع السكندري الكوزموبوليتاني
طرأت على المدينة تغيرات عديدة، فتغير حكامها وتبدلت أحوال سكانها مرات ومرات، وبقي شارع النبي دانيال محتقظًا بقبس من الطابع السكندري الكوزموبوليتاني.
اقرأ/ي أيضًا: الإسكندرية "مدينة الرب".. في سوق نخاسة رأس المال
لماذا النبي دانيال؟
تتقاسم الإسكندرية العديد من المشتركات مع مدن البحر المتوسط الأخرى، لكنها تحتفظ لنفسها بما يميزها من طابع التنوع الذي يتجلى في شارع النبي دانيال.
وبحسب الباحثين وعلماء الآثار، يعود تاريخ شارع النبي دانيال إلى تأسيس المدينة نفسها، إذ كان أحد طريقين رئيسين في الإسكندرية القديمة، الثاني هو طريق كانوب المعروف حاليًا بشارع الحرية أو عبدالناصر.
أما دانيال فهو أحد أنبياء بني إسرائيل. وتسمية الشارع باسمه، دفع لاعتقاد شعبي بأن النبي دانيال مدفون في الشارع. وهو اعتقاد لا تؤيده أي دلائل، رغم وجود ضريح في مسجد باسم النبي دانيال. لكن الباحثين يقولون إن الضريح ربما يعود للشاعر والعالم شمس الدين محمد بن دانيال الموصلي.
هنا عاش حسن ومرقص وكوهين
وإلى جانب مسجد النبي دانيال، توجد الكنيسة المرقسية أحد أقدم كنائس الشرق على الإطلاق، والتي أسسها مرقس الرسول في القرن الأول الميلادي، وكانت لوقت قريب، المقر البابوي للكنيسة القبطية.
ويضم الشارع أيضًا كنيس إلياهو هانبي، الذي يعود بناؤه للقرن الـ14 الميلادي. وهو مزار سياحي بارز، ويضم العديد من الكتب والمخطوطات القديمة والنادرة.
هكذا يُصبح شارع النبي دانيال، مجمعًا للديانات السماوية الثلاثة ما بين مسجد وكنيسة ومعبد يهودي؛ جميعها تحمل إرثًا تاريخيًا يُخبر بجلاء كيف كانت الإسكندرية.
كما أن هناك اعتقاد شائع بأن قبر الإسكندر الأكبر يقع تحت شارع النبي دانيال. وعلى مدار سنين طويلة، شهد الشارع محاولات لإيجاد القبر المزعوم، لم تكلل أيٌ منها حتى الآن بالنجاح.
جولة في جنبات النبي دانيال
يُصارع شارع النبي دانيال للحفاظ على هوية التاريخية للإسكندرية. ولا يزال الشارع يحتفظ بالعديد من البنايات التاريخية التي تعود لعصور مختلفة طبعت الإسكندرية بالتنوع الثقافي. تقف هذه البنايات جنبًا إلى جنب مع الأبراج الحديثة التي لم يسلم منها الشارع كغيره.
وعلى جانبي الشارع تنتشر المحال التجارية التبي تبيع مختلف السلع، إلى جانب المقاهي والمطاعم التي تحيي الشارع ليل نهار، خاصة أن موقعه في قلب المدينة وعلى بعد خطوات من كورنيش الإسكندرية، جعله مزارًا محببًا لسكان المدينة وزوارها.
وأكثر ما يميز شارع النبي دانيال هي الكتب وباعة الكتب في المحال وعلى الأرصفة، حتى اشتُهر الشارع بأنه مكتبة كبيرة مفتوحة، بمزيج هائل من صنوف الكتب والمؤلفات.
يبقى شارع النبي دانيال أحد الشوارع القليلة المتبقية التي تدفع السائر إلى التفكير والتأمل في تاريخ الإنسان متجليًا في المدينة والعمران
وعلى الرغم مما أصابه من تشوه، يبقى شارع النبي دانيال أحد الشوارع القليلة المتبقية التي تدفع السائر إلى التفكير والتأمل في تاريخ الإنسان متجليًا في المدينة والعمران.
اقرأ/ي أيضًا:
مذبحة المباني الأثرية في الإسكندرية.. مقاولون يُجرّفون وشباب يرصدون ويوثقون
الطريق إلى كوم الناضورة.. فنار الحكايات والأساطير في الإسكندرية