النسبة العظمى من الشباب العربي لم تكن تلتفت كثيرًا لأهمية وسائل التواصل الاجتماعي قبل اندلاع ثورات الربيع العربي. يرجع أهم مسببات ذلك لعدم استخدامهم الإنترنت أساسًا، لكن الثورات التي اندلعت شكلت لهم محفزًا لإنشاء حسابات على معظم تلك الوسائل، أهمها "فيسبوك" و"يوتيوب"، وساعدهم في سهولة التعامل معها عاملي انتشار الهواتف الذكية، والولوج للإنترنت بشكل أسرع.
طفرة من قنوات "يوتيوب" سورية تحاكي الواقع الاجتماعي والسياسي والدرامي والثقافي بشكل لا يرقى دائمًا إلى النقد
نشطاء الثورة السورية، كما قرنائهم في بلاد الربيع العربي اعتمدوا في الركن الأول منها للإعلان عن أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان لهم حضور بارز حتى من ناحية السخرية من النظام. لكن سرعان ما تتالى (عدد لا بأس به لم يكونوا نشطاء)، إنشاء القنوات الخاصة على موقع "يوتيوب"، وانتشرت بين السوريين مثل الهشيم في النار، زاد عليها إقبال المتابعين ومشاركتها على نطاق واسع عبر الحسابات الشخصية.
ولاء موصلي
يستند الجمهور العربي عمومًا، لأنها حالة لا تقتصر على السوريين، في معلوماته بالمرتبة الأولى على قنوات "يوتيوب" الكثيرة، من نمط "خمسة أشياء لا تفعلها أثناء التحدث"، وهي تندرج تحت عدة تصنيفات، ورائجة حتى في مجال النشر الورقي، لدينا من هذه الأقنية الكثير، إلا أنها تتحول إلى واعظ ديني في أحيان أخرى، كالذي تقدمه ولاء موصلي، عبر قناتها الشخصية.
اقرأ/ي أيضًا: شاشة "ال بي سي".. آركان حرب بيار الضاهر الانعزالية
أي أن القناة التي لديها أكثر من 45 ألف متابع، مع أنها لم تقدم جديدًا على الصعيد المعرفي، سوى اقتباسات مبعثرة على "غوغل"، أو نصائح دينية نتلقاها منذ صغرنا، حيث أبدت استعراضية لأجل الشهرة أكثر من هدفها غير المعروف.
حمصوود
وهناك القنوات الثقافية، مثل قناة عبد الرحمن دندشي "حمصوود"، والتي اشتهر فيها بنقده للدراما السورية الرمضانية، وتقديم ملاحظات على الأداء التمثيلي، النص، الإخراج، كانت في محلها بنسبة لا بأس منها.
وبحسب ما رصده موقع "ألترا صوت" في "حمصوود"، يظهر أن النسبة العظمى من الملاحظات ركزت على ظهور أشياء تعتبر سقطة كبيرة في المجال الدرامي، مثل ظهور "سرفيس" في مسلسل "خاتون" التاريخي، عندما كان الحصان وسيلة نقل أساسية. لكنه وفي الوقت نفسه لم يستطع أن يلامس العمق في النقد للدراما السورية، وهو ما جعل عددًا من الفنانين يستاؤون مما يقدمه، ولوحظ أكثر تكراره لانتقادات وردت في أعمال ثانية، ما جعله أكثر قربًا من الاستعراض شبه المجاني أحيانًا.
تيوب رصد
في الجانب السياسي برز عدد من القنوات التي اشتغلت على التقاط هفوات النظام السوري السياسية، وإعادة بثها بطريقة فكاهية، إلا أنه لم يكتب لمعظمها الاستمرار، حاليًا تظهر على الساحة قناة "تيوب رصد"، وهي ساخرة بمقاطعها، تركز أكثر على أخطاء إعلام النظام الرسمي والموالي له، على الرغم من الصعود الذي حققته خلال فترة قصيرة، لكنها بدأت تتحول مع مرور الوقت لبضاعة مستهلكة تستنسخ تجارب سابقة.
فهي حتى اليوم لم تقدم شيئًا جديدًا أو متنوعًا، وتسقط أكثر بمطب إعادة إنتاج مقاطعها بطرق مشابهة للسابقة، تُركز كثيرًا على الهفوات الدينية أو الجنسية لدى محللي النظام السوري، وهذا ما يريده الجمهور تمامًا، الذي يهوى مثل هذه الفضائح، لذا تحاول اللعب على فكرة الجمهور يريد ذلك، ونحن سنقدم له الأفضل، طالما أنه متابع شغف.
محمود الحمش
توجد أيضًا القنوات الساذجة، أو التي لا تملك أي أدنى مقوم لإنشائها، منها قناة "محمود الحمش"، الشاب الذي يتكلم في مقاطعه بلكنة شامية مطلقة، معتمدًا على الأمثال والدعاوي الدينية المتناقلة في أزقة الشام القديمة، مثل تلك التي يتحدثها أبو عصام في "باب الحارة".
الحمش لم يقدم أي جديد في هذا المجال لا من قريب أو حتى بعيد، نقده ثرثرة مملة تشبه جلسات النساء الصباحية في منتصف البيت الشامي عندما يتناقلن عن إحدى الجارات، وكلام جنسي مموه يعجب المراقبين الأخلاقيين، متناولًا حسب الحاجة قصصًا حديثة، وإذا لم يكن هناك قصة يقوم باستحداث واحدة قديمة حصلت معه حتى لا يفتقده جهموره، الذي لا أحد يعرف كيف يرى ما يقدمه مفيدًا.
بالعموم جمهور مواقع التواصل الاجتماعي ليس متطلبًا، يمكنه التعاطي مع أي معلومة سواء كانت صحيحة أو خاطئة، مع أي شخصية سيئة أو جيدة، ليس مهمًا طالما أنها تضحكه، وهو ما مهد لأريحية العمل للقائمين على قنوات "يوتيوب"، ونرى كيف أنها تزداد يوميًا، لكن الخوف الأكبر هو أن يتحول مقدمو هذه القنوات لمقدمي برنامج واقع في مرحلة لاحقة، ما يضيف بلاء جديدًا لهذا البلاء.
اقرأ/ي أيضًا: