أصبح حسن منهاج، المسلم هندي الأصل، واحدًا من النجوم الجديدة في الساحة الإعلامية الأمريكية، بفضل برنامجه الترفيهي الجاد "Patriot Act"، الذي تذيعه شبكة نتفليكس كل يوم أحد منذ نهاية تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، وهو برنامج يقدم قصصًا صحفية، يمزج فيها حسن بين العرض الكوميدي والتدقيق الاستقصائي، في عشرين دقيقة.
أصبح حسن منهاج، واحدًا من نجوم الإعلام الأمريكي بفضل برنامجه الترفيهي الجاد على نتفليكس
وعلى خشبة الإستوديو الذي يملأه جمهور صغير، يتحرك حسن منهاج، الصحفي السابق في "ديلي شو"، برشاقة وحيوية، وهو يقدم أجزاء الخبر الصحفي بمنظور معلوماتي مدقق، محشوًا بنكهة من حس الفكاهة والتعليقات الساخرة، ووراءه شاشة بانورامية تغطي كامل الحائط، تعرض الصورة والبيانات ومقاطع الفيديو والتدوينات بتناغم مع حديث المُنشط.
اقرأ/ي أيضًا: "SNL بالعربي".. كوميديا سياسية في مواجهة الرقابة
وفي إحدى حلقاته عن السعودية، يتحدث حسن منهاج حول الطريقة التي تعاملت بها الرياض مع مقتل الصحفي جمال خاشقجي وكذلك عن حربها على اليمن، وبعدها ينتقل إلى العلاقة الغريبة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية التي يلعب فيها المال دور الغراء رغم كل النكسات، ثم يشرح المقدم كيف تؤثر خروقات السعودية الحقوقية على دينه كمسلم هندي أمريكي، وكل ذلك في إطار من السخرية.
شكل جديد من الإعلام
فيما قبل، كانت البرامج التلفزيونية تنقسم إلى قسمين، جادة وأخرى كوميدية ترفيهية، ولا يمكن الخلط بينهما، إذ في السابق كانت هناك فكرة سائدة وسط النخب والأكاديميين مفادها أن "المعلومات والترفيه يتعارضان". ولذلك كان من السهل قديمًا تمييز البرامج الجادة عن الترفيهية.
لكن خلال العقد الأخير بدأت بعض البرامج الإعلامية تجنح إلى منحى آخر، وبدأت تقدم المواد الجادة بطريقة ترفيهية، وسرعان ما استقبلها الجمهور بكثير من الإعجاب، وجعل هذه النوعية من البرامج تتمدد أكثر وتتابع في الإنتاج والعرض.
ووصلت وسائل الإعلام العربية بدورها رياح هذه البرامج، التي تقوم على التعليق والسخرية في تناولها للمواد الإخبارية الحديثة، لعل أشهرها "برنامج البرنامج" لباسم يوسف و"السليط الإخباري".
يصطلح النقاد على تسمية هذا النوع من العروض التلفزيونية بـ"infotainme" وتعني تقديم المعلومات بطريقة مسلية، دون السقوط في فخ البرامج الكوميدية، إذ يبقى الهدف الأول لهذه العروض هو إيصال المعلومة الموثوقة والمثيرة للاهتمام، لكن بأسلوب مرح.
جاءت هذه البرامج غير التقليدية مع موجة الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، متأثرة بطريقة أداء نجوم اليوتوب والبودكاست، الذين يقدمون حلقات كثيفة تم إخراجها بطريقة مشوقة وبتصميم جذاب، يعتمد فيها المقدم على العرض المسرحي العفوي المفعم بحس الفكاهة لتقديم موضوع جاد، مستعينًا بالمؤثرات التصويرية والوسائط المتعددة.
في هذه المرئيات المبتكرة، شديدة التنوع والثراء من حيث مكوناتها، يكون المقدم بمثابة المايسترو الذي ينثر القصة أمام الجمهور قطعة قطعة بشكل متناغم، بعد أن عمل عليها بعناية مع فريق الإعداد، ليعرضها في جو من التلقائية والمرح، موظفًا في نفس الوقت مختلف تقنيات الإعلام الجاد. باختصار يقدم هذا الشكل الصحفي البصري قصة مهمة ومدققة، مغلفة بسكر من الفكاهة الخفيفة.
سر نجاح برنامج نتفليكس
على الرغم من أن برنامج نتفليكس، الذي يقدمه حسن منهاج، لم يكن هو الأول من نوعه، وجاء وسط ساحة مزدحمة من البرامج الإخبارية الفكاهية، إلا أنه حقّق نجاحًا منذ بدايته، فهو لم يأت فقط كعمل مسلٍ كباقي البرامج المشابهة، بل أيضًا خلق مضمونًا حيويًا ومفيدًا، وهذا يعزو إلى سببين:
- الأول: النهج الذي اتبعه برنامج نتفليكس في معالجة الموضوعات، إذ اعتمد على المعلومات المدققة الموثقة بالشواهد، كما أنه بدلًا من التطرق لمجموعة من الأخبار في الحلقة الواحدة كما يفعل المقدم أوليفر، عمد البرنامج إلى التركيز على موضوع واحد والتعمق فيه قدر الإمكان. هذا يشبه إلى حد ما برنامج "الدحيح" في ساحتنا العربية، بيد أنه يتناول أخبارًا صحفية حديثة، سياسية في معظمها، وليس موضوعات معرفية.
- الثاني: في الدعم البصري، حيث تتحول خشبة الإستوديو إلى فضاء بانورامي نابض بالحياة، يدمج المشاهد داخل القصة. فبفضل الشاشة الخلفية الموسعة، والتي تعرض بانسجام مع حديث المقدم صورًا ونصوصًا مختصرة ومقاطع فيديو ورسومات بيانية، يتم تعزيز السياق ويَشدَّ نظر الجمهور مع البرنامج حتى النهاية.
خلال العقد الأخير بدأت بعض البرامج الإعلامية تجنح إلى منحى آخر، وبدأت تقدم المواد الجادة بطريقة ترفيهية
ومع ذلك، لا يرى بعض النقاد أن هذا النوع من العروض يمكن اعتباره صحافة حقيقية، أو يمكن أن يعوض طريقة العمل الصحفي مستقبلًا، لكن في كل الأحوال فهو يتناسب مع رؤية نتفليكس، التي تقوم أساسًا على جذب الجمهور عن طريق العمل الذكي والممتع في نفس الوقت.
اقرأ/ي أيضًا:
الخوارزميات وبيانات المستخدمين.. أسلحة نتفليكس لزعزعة عرش هوليوود