20-أكتوبر-2016

ارتفاع الأسعار والاحتكار يعمقان الأزمة في مصر (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

على صفيح ساخن يتحرك المواطن المصري يوميًا ليضمن قوته اليومي وسط ارتفاع كبير في الأسعار، لا يبدو أنه سيقف عند حد معين وهو مرشح لارتفاع، ووسط تجاهل حكومي ليس فقط لحق المواطن في التعبير بل لمعاناته. على هاشتاج #خريج_توكتوك، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل مع فيديو مدته أربع دقائق، تفاعل فاق كل التوقعات وفاق خمسة ملايين مشاهد على مدار الأيام القليلة الماضية.

التجأ بعض المواطنين المصريين للفيديوهات للتعبير عن تردي الوضع الاجتماعي وهي تعبيرات تلقى رواجًا واسعًا

الفيديو أثار ردود أفعال كثيرة منها المنتقد، حتى من معسكر المعارضة، حيث يرى البعض أن الشاب في الفيديو ذكر معلومات مغلوطة عن مصر، ومنهم من رأى أنه لخص حال المصريين بكلماته الجريئة.

وبعد موجة الهيجان التي سيطرت على الرأي العام حول هذا الفيديو، خرجت امرأة جريئة، كما أسماها رواد مواقع التواصل، من خلال فيديو آخر. السيدة التي تحدثت، بدت أكثر وعيًا وحازت اهتمام الناس أيضًا، تحدثت عن الفقر والغلاء وعن ندرة سلع أساسية وارتفاع سعرها مثل السكر والزيت والسمن والدقيق، وعن متاجرة الإعلام المحلي بالناس وبقوتهم، وعن ما أسمته بـ"لعبة الكبار الذين يصفون ويعتقلون الناس دون تهم".

ويبدو أن الشعبية الكبيرة لهذه المقاطع، جعلت بعض المذيعين المحسوبين على النظام في قنواتهم، يتعرضون للموضوع، فعرض وائل الإبراشي في برنامجه "العاشرة مساء" رصدًا لحالات المعاناة في الأحياء الشعبية في مصر مثل خلال التنقل أحياء "العمرانية" و"امبابة"، وهي أحياء فقيرة وعشوائية وتطالها نار المعاناة والغلاء أكثر من سواها نظرًا لتدني مستوى المعيشة فيها.

اقرأ/ي أيضًا: بعد الدولار.. سوق سوداء لـ"علب الدواء" في مصر

أما أصعب مقاطع الفيديو على الإطلاق وأكثرها تأثيرًا، فقد كانت لشاب أحرق نفسه أمام المنطقة العسكرية الشمالية في الإسكندرية بسبب الفقر والغلاء وأسماه المصريون "البوعزيزي المصري".

أزمة السكر.. إذلال الشعب

من أكثر الصور، التي تم تبادلها على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت صور أزمة السكر التي تكتسح السوق المصرية بسبب التجار المحتكرين، الذين يعملون الآن على "تعطيش السوق" لرفع الأسعار، بعد نشوب أزمة سكر داخل بطاقات التموين المخصصة لصرف السلع لمستحقي الدعم، حيث ارتفعت أسعار السكر داخل السوق المحلي ليسجل الطن 9 آلاف جنيه جملة، بينما قفز سعر الكيلو من 5 إلى 10 جنيهات حال تواجده في محال التجزئة.

وهي أزمة أرجع مراقبون سببها إلى جشع التجار من ناحية وإلى فساد مباحث التموين وهي أزمة مرشحة للاستمرار في ظل غياب رقابة حكومية حقيقية تمنع الاحتكار وتتحكم في كمية المعروض من السوق.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. المسافرون بلا "دولارات" ولا "ماستر كارد"

تجليات أزمة اقتصادية طاحنة

مقاطع الفيديو والصور السابقة ما هي إلا تجليات أزمة اقتصادية طاحنة يمر بها النظام المصري وقد تجلت في عدة أوجه منها مثلًا: تقليص دعم الوقود وبعض السلع بهدف محاولة الحد من عجز الموازنة الذي تجاوز 218 مليار جنيه، خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي السابق (من تموز/يوليو 2014 إلى آذار/مارس 2015).

تزداد الأوضاع الاقتصادية في مصر سوءًا، وهناك حالة من التشاؤم حول قدرة الحكومة المصرية على تنفيذ إصلاحات سريعة

إضافة إلى تراجع قيمة الجنيه المصري وبالتالي تراجع قيمته الشرائية فقد أغلقت العديد من المصانع في العامين الماضيين ومنها مصانع الغزل والنسيج، التي كانت عماد الصناعة المصرية في الماضي حيث إن 50% منها توقفت تمامًا بينما يعاني النصف الآخر من مشاكل عديدة، ونتج عن ذلك أن قرابة 150 ألف عامل مشردون بسبب توقف حوالي 2400 مصنع متعثر، وهذه نصف ما تملكه مصر من مصانع لصناعة الغزل والنسيج والملابس، إذ يبلغ العدد الإجمالي حوالي 4000 مصنع. ويتوقع أن تتأثر مصانع أخرى مثل مصانع الملابس الجاهزة، نظرًا لاعتمادها على ما تنتجه مصانع النسيج.

وقد لفتت هذه الأزمة الاقتصادية أنظار العالم، فقد جاء في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن الأوضاع الاقتصادية في مصر تزداد سوءًا، وأن هناك حالة من التشاؤم حول قدرة الحكومة المصرية على تنفيذ إصلاحات سريعة. وأضافت الصحيفة، في تقرير لها، في 29 آب/أغسطس الماضي، أن الجنيه يواصل الانخفاض أمام الدولار، كما انخفض عدد السياح بنسبة 50% تقريبًا منذ إسقاط الطائرة الروسية في سيناء في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي. وتابعت: "مصر سارعت إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بـ 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات، إلا أنه لن يساعد في سد الفجوة التمويلية الكبيرة، التي قد تصل إلى 21 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة".

وفي ظل تلك الأزمات الاقتصادية، يواصل النظام المصري الترويج لأهمية العيش فيما أسماه بـ"اقتصاد الحرب"، الذي يقتضي في أولى أبجدياته أن يضحي المواطن لتحمّل المحنة التي تمر بها البلا، بينما يواصل النظام إبرام صفقات أسلحة بملايين الدولارات من الدول الأجنبية.

أما السؤال الذي يطرح نفسه هذه الأيام فهو: هل ترويج الإعلام المحلي، الذي من المفترض أنه داعم للنظام، إضافة لبقية وسائل الإعلام، لفيديوهات وصور الأزمة الاجتماعية، هي محاولة للترويج ليوم احتجاجات يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر المنتظر أو "يوم الغلابة" كما يسميه البعض؟ أم هي مجرد محاولات درءًا للانفجار الكبير، الذي يقرأ محللون كثر أنه المصير المحتوم لما يحدث في مصر؟.

اقرأ/ي أيضًا:

 

5 دول تمنع استيراد سلع مصرية لـ"عدم صلاحيتها"

"بلومبرج" تلوم السيسي على تراجع الاقتصاد المصري