باتت القضايا المتعلّقة بالدّين أكثر ما يثير الجزائريين في الآونة الأخيرة. فما أن يتطرّق أحدهم إلى إحداها، ولو من باب الاجتهاد، حتّى يتعرّض إلى سيل من الانتقادات، في المجالس الواقعية والافتراضية، قد تتجاوز مقام النّقاش إلى مقام السّبّ والشّتم، وربّما يصل الأمر إلى اعتباره من أعداء الدين الذين تحرّكهم منابر أجنبية تسعى إلى تشويه الإسلام والمسلمين.
تعرض الكاتب الجزائري أمين الزاوي، لهجوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب انتقاده طقوس عيد الأضحى ووصفها بـ"المتخلفة"
ويقرأ الباحث في التّراث الإسلامي سعيد جاب الخير هذا الوضع من زاوية أن المجتمعات، التي يهيمن فيها السّؤال الدّيني على حساب السّؤال المعرفي، "تتحسّس من كلّ قراءة نقدية وترى فيها محاولة لهدم الدّين، "بل إنّها تصل إلى مرحلة تربط فيها قداسة سلوك المسلم بقداسة الدّين نفسه، فيصبح متعاليًا عن النّقد والانتقاد".
اقرأ/ي أيضًا: شجاعة النقد.. أمين الزاوي يضرم النيران في الجنّة!
يشرح جاب الخير لـ"ألترا صوت" فكرته، فيقول: "وجد الفكر الوهابي المتطرّف نفسه حرّا مؤخرًا، في الهيمنة على الشّارع الجزائري، لدواعٍ سياسية غير مدروسة، فتراجع منسوب الانفتاح، واختلطت المفاهيم وباتت الأفكار النّقدية والحرّة محاصرة، حتى باتت الصلاة تقام في السّاحات، التي تحتضن حفلات فنّية، وبات انتقاد الفوضى المرافقة لأعراس الزّواج يُفهم معارضة للزّواج، وها هم يفهمون انتقاد سلوكات الجزائري في عيد الأضحى هجومًا على شعيرة الأضحى نفسه".
في كلام سعيد جاب الخير إشارة إلى الهجوم التي يتعرّض له الكاتب أمين الزّاوي، بسبب مقال كتبه في صحيفة "لييرتي" النّاطقة باللّغة الفرنسية، تناول فيه جملة من السّلوكات الجزائرية الموصوفة من طرفه بالبداوة والتخلّف قبيل وأثناء عيد الأضحى من كلّ سنة.
وممّا ورد في المقال، الذي ترجم الكاتب رفيق طيبي مفاصل منه، وحمل عنوان: "من فضلكم أوقفوا هذه البداوة الإسلامية التي تهدّد مدننا": "نحن الورثة الأوفياء للثقافة العربية البدوية، ونعيد إنتاج هذه الثقافة. ابن خلدون لم يكن مستعمِرا، ولا متعاونًا مع حزب فرنسا، ولم يكن انفصاليًا مقرّبًا من فرحات مهني. ابن خلدون كتب بنظرة شاملة: كلّ بلد غزاه العرب، أو أصبح تحت سيطرتهم يشمله الدّمار، فينقلب النّظام وتتراجع الحضارة".
عرب الأمس الذّين وصفهم ابن خلدون بهادمي الحضارة وحرّاس الفوضى، حسب مقال الزّاوي، "ليسوا إلا آباء إسلاميي اليوم، الذين يصلّون في قاعات الحفلات ويتبعون كباشهم في شوارع العاصمة ووهران وعنّابة. إذا استيقظتم يومًا ما وفتحتم النوافذ لتروا البعير يتجوّل في شوارع العاصمة لا تتفاجؤوا. يوم البعير في العاصمة ليس بعيدًا"، كما قال.
سبق للرّوائي أمين الزّاوي، الذي كان مديرًا للمكتبة الوطنية الجزائرية، قبل أن يقال من منصبه عام 2008 بسبب محاضرة ألقاها الشّاعر أدونيس عن الإلحاد في الإسلام؛ أن طرح أفكارًا تناول فيها زوايا مثيرة للجدل في التّاريخ الإسلامي، جمعها مؤخّرًا في كتابه "الغرفة السّوداء للإسلام"، لكنّه لم يتعرّض إلى هجوم شامل مثلما حصل له في مؤخرًا، بسبب انتقاده للسّلوكات المصاحبة لعيد الأضحى.
بدأ الهجوم بإقدام "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، على إعادة نشر خبر نشرته صحيفة "الصّوت الآخر"، ربط سخرية أمين الزّاوي من طقوس عيد الأضحى بالسّخرية من الدّين الإسلامي.
وبين متفهم لموقف صاحب رواية "يصحو الحرير" ورافض له، اكتظ موقع التّواصل الاجتماعي فيسوك، بتدوينات أنست الجزائريين القضايا التّي كانت تشغلهم خلال الأيّام الأخيرة.
سبق للزاوي أن طرح أفكارًا تناول فيها أمورًا مثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي، لكنه لم يتعرض لهجوم مثل الذي تعرض له مؤخرًا
وكتب الإعلامي محمّد يعقوبي في رسالة وجّهها إلى الكاتب: "الحقيقة أنّ لهذه الجرأة وهذا التطرف الاستفزازي سببان، الأوّل أنّ الزّاوي فقد الأمل نهائيًا في منصب وزير، وهو المنصب الذي أجبره طيلة العقدين الماضيين على أن يلبس عباءة المتسامح القادر على التعاطي بعدل مع كل الحساسيات الفكرية"، مضيفًا: "أمّا السّبب الثّاني فهو ما يجنح إليه العلمانيون حين يتغشّاهم الغبار وينساهم النّاس، من خلال سلوكهم مسلك الصدمة،".
من جهته، كتب الأستاذ الجامعي لونيس بن علي: "يتحسس المتدينون من النقد الذي يطال واقع حياتهم، كأنّهم يشكلون استثناءً في التاريخ. لكن لماذا لا يريدون النظر بموضوعية إلى واقعهم المتخلّف؟ هل أصبح التخلف شعبة من شُعب الإيمان؟".
وبين توخّي الصّدمة من طرف التيّار العلماني في مقاربة المسائل الأخلاقية والدّينية، والحساسية الزّائدة التي يقابل بها التيّار المحافظ هذه المقاربات؛ يظل النقاش الفكري في الفضاء الجزائري معلّقًا، بما يؤجّل انتعاش الرّوح المدنية، التي يشترطها الذّهاب إلى المستقبل.
اقرأ/ي أيضًا: