في هذا المقال المترجم عن صحيفة الغارديان البريطانية، يكتب ابن رجل الدين السعودي المعتقل في السعودية سلمان العودة، عبدالله، وهو باحث قانوني سعودي وباحث رئيسي في جامعة جورج تاون بواشنطن، تفاصيل المعاناة التي يتعرض لها والده مع عديدين مثله في سجون النظام السعودي.
تضغط الحكومة السعودية على قضاة المحكمة الجزائية المتخصصة لتوقيع أقسى العقوبات الممكنة. وفي المملكة العربية السعودية قد يعني ذلك قطع الرأس أو حتى الصلب
في أيلول/سبتمبر عام 2017، نشر والدي الداعية الإصلاحي الإسلامي المشهور سلمان العودة تغريدة مسالمة لمتابعيه الذين يبلغ عددهم 14 مليونًا، حث فيها الحكومة على إنهاء الخلاف الدبلوماسي مع قطر. بعدها بساعات قليلة اقتاده ضباط في قوات الأمن من المنزل. وهو يواجه الآن احتمال إعدامه بتهم منها نشر الفساد عبر الدعوة إلى نظام ملكي دستوري، وإثارة الفتنة والتحريض و"الاستهزاء بإنجازات الحكومة".
اقرأ/ي أيضًا: أحكام الإعدام في مصر والسعودية.. خنق المعارضة بالجملة
احتجز والدي منذ اعتقاله وحتى الآن في الحبس الانفرادي. وتعرض لإساءة المعاملة والتقييد والتعمية وصفد بالأغلال في زنزانته، وحرم من النوم والدواء، لدرجة أنهم اضطروا لنقله إلى المستشفى بعد خمسة أشهر من اعتقاله. ومنع 17 فردًا من أسرتي من السفر، واعتقل عمي خالد لأنه نشر تغريدة عن والدي. وطلبت مني السفارة السعودية في واشنطن العودة إلى المملكة العربية السعودية "لتجديد جواز سفري" بعد تجميده.
بعد عام من اعتقاله، ظهر والدي أمام المحكمة الجزائية المتخصصة الشهيرة. تأسست هذه المحكمة عام 2008 لهدف واحد هو محاكمة المتهمين في قضايا الإرهاب، لكنها أصبحت وسيلة لقمع أية معارضة أو نشاط سياسي داخل المملكة. وهي تفعل ذلك إما عبر تخويف المنتقدين وإجبارهم على الصمت بفضل سمعتها المخيفة، أو إسكاتهم نهائيًا عبر توقيع عقوبة الإعدام عليهم. القضايا التي تعرض على المحكمة غالبًا ما تكون ذات دوافع سياسية، وتقوم على أسس مبهمة مثل تهمة "الاستهزاء" الموجهة لوالدي، والتي كانت لتثير الضحك لولا عواقبها الوخيمة.
تجرم المادة 30 من قانون مكافحة الإرهاب أي شخص "يصف الملك أو ولي العهد بشكل مباشر أو غير مباشر بأي وصف يطعن بالدين أو العدالة" وتعتبره عملًا إرهابيًا يعاقب عليه بعقوبة أدناها السجن لخمس سنوات. ويخلع القانون كذلك تهمة الإرهاب على العديد من الحقوق والنشاطات التي تحميها الأنظمة الديمقراطية حول العالم، مثل "الضغط على الدولة لتنفيذ عمل ما أو الإحجام عن القيام به". ولغته المبهمة تسمح للدولة باعتقال أي أحد بتهمة الإرهاب "لإضراره بمصالح المملكة أو اقتصادها أو أمنها القومي". هذا القانون تحديدًا هو الذي سمح للدولة بمحاكمة اثنتين من ناشطات حقوق المرأة وهما لجين الهذلول ومايسة العمودي في محكمة الإرهاب بتهمة مخالفة الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات عام 2014.
تضغط الحكومة السعودية على قضاة المحكمة الجزائية المتخصصة لتوقيع أقسى العقوبات الممكنة. وفي المملكة العربية السعودية قد يعني ذلك قطع الرأس أو حتى الصلب. في العام الماضي اعتقل ستة من قضاة المحكمة وخضعوا للتحقيق لأن نتائج القضايا التي تولوا الحكم فيها لم تكن على هوى النائب العام. في إحدى القضايا، تعرض القاضي الذي برأ المتهم للسجن لعدة أشهر.
هذا هو السياق الذي كان من المفترض أن يعرض فيه والدي أمام المحكمة يوم 28 من تموز/يوليو ليعرف إن كان سيعدم أم لا. لكنه لم يعرض على المحكمة، وكل ما عرفناه أن جلسة الاستماع أُجلت حتى تشرين الثاني/نوفمبر. كل ما يتعلق بقضيته غير قانوني وغير عادل. وللأسف، ليس والدي الوحيد الذي يواجه عقوبة الإعدام بتهم مزيفة، ولا هو المعتقل الوحيد الذي عومل بهذا السوء.
الكثيرون ممن ينتظرون الإعدام حكم عليهم أيضًا من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة بناء على تهم سياسية مبهمة. في تقرير جديد قدمت شهادتي فيه، تنصح المحامية البريطانية هيلينا كيندي، كل من ينتظر عقوبة الإعدام حاليًا بنشر أسباب الحكم فورًا. العديد من هؤلاء المعتقلين، على غرار والدي، قالوا أشياء بريئة ومسالمة، تبين مدى هشاشة هذه الحكومة التي لا تستطيع التعامل مع أدنى قدر من النصح، ما بالكم بالنقد.
بالطبع، لجأت الحكومة السعودية أيضًا إلى وسائل قاتلة بعيدًا عن النظام القضائي، أكثرها شهرة جريمة القتل الوحشية لصديقي جمال خاشقجي. لكن القتل عن طريق المحكمة يظل المسار الأحب لدى السلطة. ما حدث لخاشقجي خارج النظام القضائي هو ما يواجهه والدي داخل النظام القضائي.
اقرأ/ي أيضًا: مواطنو القطيف تحت سيف الأمير الطائش
يبدو أن عدد أحكام الإعدام شهد تزايدًا ملحوظًا منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة في المملكة العربية السعودية عام 2017. شهد عام 2010، 27 حالة إعدام مؤكدة فقط. في 2015 أعدم 158 شخصًا، معظمهم شاركوا في تظاهرات الربيع العربي قبلها بسنوات قليلة. لكن هذا العام شهد إعدام 134 ضحية حتى الآن، بالإضافة إلى 24 آخرين يواجهون خطر الإعدام الوشيك، منهم والدي.
لجأت الحكومة السعودية أيضًا إلى وسائل قاتلة بعيدًا عن النظام القضائي، أكثرها شهرة جريمة القتل الوحشية لصديقي جمال خاشقجي. لكن القتل عن طريق المحكمة يظل المسار الأحب لدى السلطة
هذا الإسراف في القتل هو جزء من مساعي السلطات السعودية لقمع المعارضة وإخراس النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. صحيح أننا غاضبون، لكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن الغضب الدولي ليس كافيًا. ينصح تقرير البارونة كيندي بإرسال فريق تحقيق مستقل، لتقصي ما يجري هناك فعلًا. ونحن بحاجة للدفع بهذا الاتجاه.
إذا أعدموا والدي، فسيكون ذلك جريمة قتل برعاية الدولة ولا يجب أن يفلتوا من العقاب.
اقرأ/ي أيضًا:
اعتقالات بالجملة في السعودية.. هل يشعل طيش ابن سلمان حراك "15 سبتمبر"؟