في عام 2015، حلّ البرازيلي نيمار ثالثًا في سباق الكرة الذهبية، خلف الأسطورتين كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، تقديرًا للدور الكبير الذي لعبه مع برشلونه، ومساهمته بفوز النادي بثلاثية تاريخية تحت قيادة المدرب لويس إنريكيه.
وقد نجح نيمار في ترك بصمة كبيرة مع النادي الكتالوني، فهو جزء من الثلاثي الرهيب الذي شكله مع ميسي ولويس سواريز، المعروف باسم MSN، حيث خلقوا رعبًا حقيقيًا لكل الفرق التي واجهتهم، وقد كانت جماهير البلاوغرانا تتمنى أن تستمر هذه الثلاثية لأطول فترة ممكنة، إلا أن معطيات كثيرة دفعت نيمار إلى كسر هذه الحلقة صيف العام 2017، عندما دفع باريس سان جرمان البند الجزائي للّاعب البرازيلي، والذي بلغت قيمته يومها 220 مليون يورو، فانتقل النجم البرازيلي من الكامب نو إلى حديقة الأمراء، رغمًا عن برشلونة، في واحدة من أهم صفقات القرن الحالي، وأكثرها إسالةً للحبر.
تقول الرواية إن فكرة الخروج من برشلونة لمعت للمرة الأولى في رأس نيمار، بعد مباراة الريمونتادا الشهيرة التي انتصر فيها برشلونة على باريس بسداسية مقابل هدف، وتأهل بإعجاز إلى ربع نهائي دوري الأبطال، رغم الخسارة ذهابًا في باريس برباعية نظيفة. قدم نيمار أداءً عظيمًا في مباراة العودة وكان له الفضل الأكبر في التأهل، لكن الجمهور قدّم معظم التحايا لميسي بعد المباراة، فشعر نيمار، وهو مرتبط بصداقة عميقة مع ميسي لا تزال حتى اليوم، أنه لا يحظى بالتقدير الكافي في كتالونيا، وأنه سيبقى الرقم 2 في الفريق مهما فعل، لاستحالة منافسة ميسي في قلوب البلاوغرانا، كما أن فرص فوزه بالكرة الذهبية شبه معدومة في ظل تواجده بفريق واحد مع ميسي.
بالنتيجة، يمكن القول ان نيمار كان يملك أسبابًا منطقية إلى حدّ ما للقبول بالعرض الباريسي في العام 2017، فالصفقة ستجعله اللاعب الأغلى في التاريخ، ونجم الفريق الأول مع راتب خيالي وامتيازات كبيرة، من بينها الحصول على الرقم 10 وتسديد ركلات الجزاء والركلات الحرة، بالإضافة إلى أن نجاح الفريق في الفوز بدوري الأبطال، كان سيمنحه جائزة الكرة الذهبية على الأرجح.
الأحلام التي كان يفكّر فيها نيمار، لحظة توقيعه العقد مع باريس سان جرمان، ذهبت بأغلبيتها أدراج الرياح، فبقي دوري الأبطال عصيًا على النادي الباريسي، وفشل نيمار حتى في الوصول إلى اللائحة القصيرة للكرة الذهبية طوال فترة تواجده مع الفريق، وبخروجه المرتقب من باريس وانتقاله إلى الهلال، فإن ملف الكرة الذهبية انتهى بالنسبة له تمامًا على الأرجح.
لماذا فشل نيمار مع باريس؟
على مستوى الأندية التي هي بقيمة باريس سان جيرمان، بإمكانياته المالية الكبيرة وسخاء إدارته، فإن عدم التتويج بدوري الأبطال يعدّ فشلًا، وبالنسبة للاعب بقيمة نيمار، أحد أفضل المواهب في القرن الواحد والعشرين، فإن الخروج من أوروبا دون معانقة الذهب في حفل الفرانس فوتبول، يعدّ هو الآخر فشلًا وخروجًا من الباب الضيق، فيصحّ معه القول إن نيمار هو من أبرز اللاعبين الذين أهدروا موهبتهم.
لا يتحمل نيمار وحده بالتأكيد مسؤولية إخفاق باريس سان جرمان الأوروبي، ولكن يمكن القول إنه لم يلبّ طموحات جماهير الفريق، والآمال التي عقدتها عليه. العائق الأول كان سلسلة الإصابات التي لحقت به، فاللاعب غاب عن الكثير من المباريات الحاسمة لفريقه وخاصةً في دوري الأبطال، ويرى بعض المحلّلين أن نيمار كان يتحمل جزءًا من مسؤولية هذه الإصابات، بسبب نظام حياته غير الصحي، وإفراطه في السهر وحضور الحفلات، وعدم التزامه بالتدريبات والأنظمة الرياضية التي يضعها له مسيّرو النادي، بل أن بعض الأصوات اتهمت نيمار بادّعاء الإصابة كل سنة في فترة عيد ميلاد شقيقته، وقضاء عطلة في البرازيل.
أُعطي نيمار موهبة عظيمة، وسرعة كبيرة ومهارات لن تجدها بسهولة عند لاعب آخر، لكنه وحده المسؤول عن إهدار تلك الموهبة وعدم مراعاتها
فنيًا، يعاب على نيمار هبوط مستواه في بعض المباريات الحاسمة مع الفريق، من بينها إضاعة فرص سهلة في نهائي دوري أبطال أوروبا 2020 ضد بايرن ميونيخ. جماهير باريس تشعر أن اللاعب لم يقدم مع الفريق ما كان يقدمه مع برشلونة. بالإضافة إلى ذلك لم يظهر الكثير من التفاهم بين نيمار والنجم العالمي الآخر كيليان مبابي، الذي أتى إلى باريس بعد نيمار، فكان كلّ منهما يحاول خطف الأضواء من الآخر، وبرزت الخلافات بينهما إلى العلن.
أُعطي نيمار موهبة عظيمة، وسرعة كبيرة ومهارات لن تجدها بسهولة عند لاعب آخر، فنيمار من القلة التي تميّزت بتسجيل الأهداف وبصناعتها بنفس الكفاءة، يسدّد بكفاءة بالقدمين، بارع بالركلات الحرة، مراوغ من الطراز الأول، لكنه افتقر في الوقت نفسه إلى العقلية الاحترافية، ولم يقدم تضحيات جسيمة من حياته الشخصية لصالح مسيرته الرياضية، فكانت النتيجة خروجًا مبكّرًا من أوروبا، وهروبًا إلى السعودية اذا جاز التعبير، حيث ستكون أكبر طموحاته المنافسة في دوري أبطال اسيا، مع أن الجميع يدرك أنه في سن الـ 31، لا يزال نيمار قادرًا على المنافسة في أعلى المستويات، ومع أكبر الفرق الأوروبية.
أحد الحسابات على فيسبوك كتب عن نيمار: " لو قلت لي في العام 2014، أن نيمار سيخرج من أوروبا في سن الـ 31، دون أن يحقق كأس العالم، أو الكرة الذهبية، أو أي إنجاز فردي كبير آخر، فكنت سأحاجك حتى آخر نفس. لكن ها هو يخرج من أوروبا في سن الـ 31 بلا كرة ذهبية وكأس عالم وبلا أي إنجاز فردي كبير. نيمار هو أكبر موهبة ضائعة بتاريخ الرياضة ".