الترا صوت – فريق التحرير
أعادت الصحف العبرية مرًة أخرى، إثارة الحديث عن الدور التجسسي الذي تمارسه الإمارات على خصومها في الدول العربية، والمعارضين ونشطاء حقوق الإنسان، مستعينًة بخبراء إسرائيليين كانوا يعملون بالوحدة 8200 الإسرائيلية المختصة بالأمن السيبراني، عن طريق استقطابهم بمبالغ مالية كبيرة، وتقديم امتيازات خاصة لتجنيدهم في خدمة التجسس السيبراني لصالحها.
كشفت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن الإمارات تستقطب خريجي وحدة الأمن السيبراني الإسرائيلية، بتقديم رواتب تزيد عن مائة ألف دولار شهريًا
الإمارات تجند خبراء إسرائيليين بمهارات عالية
حيث كشفت صحيفة هآرتس على سبيل المثال، أن الإمارات اعتمدت على خبراء إسرائيليين لديهم مهارات عالية بهدف اقتحام شبكات الإنترنت لخصومها السياسيين، وتضيف الصحيفة أن الخبراء الذين جندتهم الإمارات للعمل في شركة "دارك ماتر" خدموا سابقًا ضمن قوات النخبة الإسرائيلية للأمن السيبراني، حيث عملت على دفع مبالغ كبيرة لاستقطابهم، وصلت إلى مليون دولار أمريكي سنويًا، بالإضافة لمكافآت مالية، ومنزل على شواطئ قبرص حيث تدير الشركة عملياتها.
اقرأ/ي أيضًا: مشروع "الغراب".. موظفو الاستخبارات الأمريكية في خدمة القمع الإماراتي
وتساءلت الصحيفة العبرية في تقريرها عن قانونية استعمال الخبرات والمهارات التي تدرب عليها خريجو وحدات الأمن السيبراني التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلي مع "دارك ماتر"، نظرًا لأن الأخيرة تعتبر شركة تكنولوجيا عربية لديها صلات وثيقة مع النظام الديكتاتوري في الإمارات.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن الإمارات قبل عام تعاقدت مع شركة AGT International المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوتشافي لتطوير مشروع مدينة ذكية في أبوظبي، إلا أن هذه التكنولوجيا ستمكن الإمارات من مراقبة المواطنين، ويقول مسؤول تنفيذي في مجال الأمن السيبراني حول ذلك: "هناك فرق جوهري بين البيع لأبوظبي والعمل لصالحهم. في اللحظة التي تبيع فيها شركة إسرائيلية إلى دولة خليجية، تكون إمكانات (المنتج) مقيدة بأوامر من وزارة الدفاع الإسرائيلية، ولكن عندما يذهب الباحث إلى العمل هناك يأخذ كل علمه به، ولا يوجد حد لكيفية استخدامه".
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية كشف في وقت سابق أن شركة AGT International قدمت أساور إلكترونية ومعدات مراقبة بقيمة 800 مليون دولار لحماية الحدود وحقول النفط في الإمارات، مضيفة أن المسؤولين الإماراتيين وصفوا ذلك بأنه "قرار غير سياسي مدفوع بما يصب في صالح الأمن القومي للبلاد"، وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الشركات الإسرائيلية التي تعمل داخل الإمارات مسجلة عبر شركات موجودة في أوروبا، وتقوم بإصدار فواتير الشحن عبر دولة وسيطة، غالبًا ما تكون الأردن أو قبرص.
مائة ألف دولار.. الراتب الشهري للخبراء الإسرائيليين
وفي ذات السياق، كشفت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن شركة "دارك ماتر" تستقطب خريجي وحدة الأمن السيبراني الإسرائيلية، بتقديم رواتب تزيد عن مائة ألف دولار شهريًا، بالإضافة للمكافآت المالية، وإقامتهم في منازل فاخرة في قبرص، وأشارت إلى أنه على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات، فإن لديهم تعاونًا أمنيًا لاستهداف إيران التي يعتبرنوها "خصمًا مشتركًا" لهما.
وتضيف الصحيفة بأن الإمارات تقوم بالتواصل مع العاملين السابقين في وحدة الأمن السيبراني لتجنديهم، بحسب ما أخبر العديد منهم الصحيفة العبرية، التي أشارت بدورها إلى أن "دارك ماتر" تقوم بنقل الموظفين الإسرائيليين إلى الفنادق والمنتجعات السياحية في تايلاند للعمل بشكل مستقل، حيثُ يقول أحد المسؤولين الأمنيين السابقين إنه عند مغادرة الاستخبارات الإسرائيلية يجب الانتظار عامين للعمل مع القطاع الخاص، بينما يمكنك حاليًا أن تترك عملك مع الاستخبارات الإسرائيلية، وتبدأ في اليوم التالي مع "دارك ماتر".
وكانت شركة جوجل قد حجبت في آب/أغسطس الماضي المواقع التي تعتمدها شركة "دارك ماتر"، مشيرًة إلى أن متصفح كروم ونظام تشغيل أندرويد سيصنفان كل المواقع التي اعتمدتها الشركة في الإمارات بأنها غير آمنة، وجاء قرار جوجل بعد أن قررت شركة موزيلا مالكة متصفح فايرفوكس اتخاذ إجراء مماثل مع المواقع التابعة لـ"دارك ماتر".
ما العلاقة بين "دارك ماتر" والحكومة الإماراتية؟
وفقًا لتقرير أعده جوي أودل لموقع ميدل إيست آي العام الماضي، فإن شركة "دارك ماتر" التي تأسست في عام 2015 تقوم بتشغيلها الحكومة الإماراتية بنسبة 80 بالمائة من قاعدة عملائها، وعلى الرغم من أنها وصفت نفسها سابقًا باعتبارها "شريكًا استراتيجيًا للحكومة الإماراتية"، فإن الرئيس التنفيذي للشركة فيصل البناي كاد أن يشير في مؤتمر صحفي إلى أن الشركة مستقلة.
وتصف الشركة نفسها عبر موقعها الإلكتروني بأن هدفها "حماية الحكومات والمؤسسات من التهديد المتنامي باستمرار من الهجمات السيبرانية"، عبر تقديم مجموعة من خدمات الحماية الإلكترونية غير الهجومية، ونفى البناي في مقابلة أجراها مع وكالة أسوشيتد برس أن تكون شركته مسؤولة بشكل مباشر عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتبكة في الإمارات.
وكانت عدة تقارير سابقة قد أشارت إلى أن الشركة عينت مجموعة من أفضل المواهب التي كانت تعمل في المؤسسات الأمريكية المتخصصة في الأمن القومي والتكنولوجيا، وتبيّن أنها كانت تدير عقدًا استخباراتيًا يقوم على تجنيد عملاء سابقين من الاستخبارات الأمريكية ومسؤولين حكوميين أمريكيين لتدريب مسؤولين أمنيين إماراتيين، وذلك بهدف تعزيز جهاز الاستخبارات الإماراتي.
وينقل الموقع البريطاني عن خبير أمن إيطالي يُدعى سيمون مارغاريتيلي أجرى مقابلة عمل مع الشركة في عام 2016، أنه أُبلغ خلالها عن عزم الإمارات تطوير نظام مراقبة "قادر على اعتراض، وتعديل، وتحويل حركة عناوين بروتوكول الإنترنت، للجيل الثاني والثالث والرابع لشبكات الاتصال"، وقدمت له راتبًا شهريًا بقيمة 15 ألف دولار معفى من الضرائب، لكنه رفض العرض لأسباب أخلاقية.
بدأت نشاطها التجسسي منذ عام 2011
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011 بدأت الإمارات تستخدم مراكز الأمن السيبراني لكبح جماح الثورة وقمع الأصوات المنشقة، حسبما يذكر الموقع البريطاني،الذي يشير إلى أن الإمارات أوجدت لهذه المراكز صبغة تشريعية وسط قانون الجرائم الإلكترونية، كما أن أبوظبي صاغت أحكامًا غامضة توفر أساسًا قانونيًا لاحتجاز أي شخص ينتقد النظام على الإنترنت في عام 2012، كما قامت بتشكيل الهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني في الإمارات المسؤولة عن الحماية الإلكترونية، وتعمل بالتوازي مع وحدة الأمن السيبراني التابعة للقوات المسلحة الإماراتية.
ويستشهد معد التقرير في حديثه بتصريح لمسؤول شرطة دبي عندما أعلن في عام 2016 أن الحكومة الإماراتية تراقب مستخدمي الإنترنت في البلاد عبر 42 منصة تواصل اجتماعي مختلفة، ويشير كذلك إلى تفاخر المتحدث الرسمي باسم الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات، بأن جميع الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت عرضة للمراقبة من طرفهم.
إذ تعرّض عشرات الأشخاص الذين وجهوا الانتقادات للحكومة الإماراتية عبر منصات التواصل الاجتماعي للاعتقال التعسفي، أو أُجبروا على الاختفاء، فضلًا عن تعرُّضهم في الكثير من الحالات للتعذيب، وحكم بالحبس ثلاث سنوات على الصحفي الأردني تيسير النجار في عام 2017 بسبب تعليقاته على موقع فيسبوك، فيما حكم على الأكاديمي الإماراتي ناصر بن غيث بالحبس 10 سنوات للسبب ذاته.
اختراق هواتف الخصوم السياسيين
وقالت وكالة رويترز في مجموعة تقارير سابقة كانت قد نشرت خلال الأشهر التسعة الماضية، إن الإمارات استخدمت سلاح إلكتروني يدعى كارما بواسطة وحدة للعمليات الإلكترونية في أبوظبي تضم مسؤولي أمن إماراتيين وضباطًا سابقين بالمخابرات الأمريكية يعملون كمتعاقدين لصالح أجهزة المخابرات الإماراتية، لاختراق هاتف آيفون يستخدمه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكذلك أجهزة يستخدمها النائب السابق لرئيس الوزراء التركي محمد شيمشك، ووزير الشؤون الخارجية في سلطنة عمان يوسف بن علوي بن عبد الله.
ووصفت الضابطة السابقة في مشروع ريفين أو الغراب الأسود (برنامج تجسسي سري للإمارات) لوري ستراود في حديثها لرويترز أنهم عندما حصلوا على سلاح كارما الإلكتروني شعروا بالإثارة. تضيف: "لقد بدا الأمر هكذا، لدينا أداة التسلل الجديدة الرائعة هذه التي اشتريناها للتو. أحضروا لنا الآن قائمة ضخمة بالأهداف التي تمتلك أجهزة آيفون"، مضيفًة أنه "كان أشبه باحتفال عيد الميلاد"، حيثُ ضمت القائمة نشطاء ودبلوماسيين وزعماء دول من خصوم الإمارات، كان من ضمنهم الناشطة اليمنية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان.
وكانت الإمارات قد أنشأت مشروع ريفين عام 2009 بمساعدة متعاقدين ممن كانوا يعملون في المخابرات الأمريكية، ومسؤولين كبار آخرين ممن عملوا في البيت الأبيض في إدارة جورج بوش الابن، حيث كان هدفها في البداية تضييق الخناق على الإرهاب بمساعدة الإمارات في مراقبة ذوي الأفكار المتطرفة في المنطقة، لكن الوثائق تبيّن أن مهمة المشروع سرعان ما توسعت لتشمل المراقبة وقمع مجموعة من خصوم الإمارات السياسيين.
اقرأ/ي أيضًا: نيويورك تايمز: أبوظبي تستعين بخبرات إسرائيلية للتجسس على قطر
وبعد إعلان دول الإمارات والسعودية والبحرين ومصر مقاطعتها لدولة قطر وفرض حصار عليها، بدأت الإمارات باختراق أجهزة النشطاء والصحفيين والدبلوماسيين القطريين والعرب، وكان من بين الذين اخترقوا هواتفهم الإعلامية اللبنانية جيزيل خوري، حيثُ عملوا على اختراق هاتفها بعد ثلاثة أيام من بدء الحصار بسبب إجرائها اتصالًا هاتفيًا مع المفكر العربي عزمي بشارة.
منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011 بدأت الإمارات تستخدم مراكز الأمن السيبراني لكبح جماح الثورة وقمع الأصوات المنشقة
وقال ضباط سابقون إن الإمارات قبل عام 2012، كانت تعتمد إلى حد بعيد على اقتحام عملاء إماراتيين لمنازل المستهدفين في غيابهم وزرع برمجيات تجسس على أجهزة الكمبيوتر، لكن مع تأسيس الأمريكيين لمشروع ريفين، أتاحت عملية اختراق أجهزة الأشخاص المستهدفين عن بعد، ما يعتبر نصرًا مثيرًا للمتعاقدين يمكن أن يقدموه هدية للعميل، وعلى الرغم من أن الخبراء اخترقوا الهواتف إلا أنهم لم يطلعوا بشكل كامل على البيانات التي حصلوا عليها، حيث كانوا يقومون بإحالتها إلى مسؤولي المخابرات الإماراتية الذين يشرفون على العملية.
اقرأ/ي أيضًا:
حصار قطر يكشف الخطورة الحقيقية للهجمات الإلكترونية.. حرب بديلة أقل تكلفة