يتذكر عشاق كرة القدم في أرجاء العالم ممن عاصروا العقدين الأخيرين من القرن الماضي كيف كانت إيطاليا جنة اللعبة وقبلة النجوم والمدربين الأبرز والأغنى. حينها كان الدوري الإيطالي محط أنظار العالم، ورغم تراجع هذه الصورة مع ارتفاع أسهم الدوري الإنجليزي والليغا الإسبانية والبوندزليغا الألمانية وحتى الدوري الفرنسي، لا يزال الـ Serie A يحمل طابعًا خاصًا ومميزًا يضمن له نصيبه من المتابعة في أنحاء العالم.
لا يزال الـ Serie A يحمل طابعًا خاصًا ومميزًا يضمن له نصيبه من المتابعة في أنحاء العالم
على أرضية الملاعب الإيطالية تصوّب الأعين على كوكبة من اللاعبين المتميزين، لكن خلف الخطوط هناك نجوم آخرين لا يلعبون بأقدامهم ولكن بعقولهم. 20 مدربًا يتنافسون على لقب الدوري الإيطالي في الموسم الجديد الذي انطلقت أولى جولاته الأحد الماضي. مدربان اثنان فقط من خارج إيطاليا، هما الصربي سينسيا ميهايلوفيتش مدرب تورينو، والكرواتي إيفان يوريتش مدرب جنوة. ورغم وجود المخضرم لويجي ديلنيري على رأس القيادة الفنية لفريق أودينيزي والشاب المتألق سيموني إنزاجي مع لاتسيو، فإن الأضواء ستكون مسلّطة بالضرورة على الخماسي الذي يقود الفرق الخمسة الكبيرة صاحبة الحظوظ الأوفر للتتويج بلقب الموسم 116 من المسابقة العريقة.
اقرأ/ي أيضاً: منافسة أخرى.. 4 مدربين يشعلون الدوري الفرنسي
سباليتي.. المتحدي
لم يكن لوشيانو سباليتي لاعبًا مشهورًا، بل قضى مشواره كله في الدرجات الدنيا، لكنه استطاع بناء اسمه عبر مسيرته الممتدة في عالم التدريب طيلة 22 عامًا، تولى خلالها تدريب العديد من الأندية الإيطالية مثل سامبدوريا وأودينيزي وروما. درّب لوشيانو سباليتي روما مرتين، وكانت ولايته الأولى مثمرة شهدت تحقيقه لقبين للكأس ولقبًا للسوبر مع ذئاب العاصمة بين عامي 2005 و2009، كما فاز بلقب أفضل مدرب في إيطاليا مرتين خلال تلك الفترة، قبل أن يشدّ الرحال إلى روسيا لتدريب زينيت سان بطرسبرج بين عامي 2009 و2014، ليعود من جديد لتدريب روما الموسم الماضي.
ورغم استعادة روما بريقه وإنهائه الدوري في المركز الثاني خلف البطل يوفنتوس تحت قيادة لوشيانو سباليتي، إلا أن الأخير فضّل البحث عن تحدٍّ جديد، لينتقل لتدريب إنتر ميلان الساعي للعودة من جديد للأضواء بعد عدة مواسم مخيّبة للآمال، شهدت تغيير قيادته الفنية لأكثر من مرة خلال الموسم الواحد. قدوم لوشيانو سباليتي إلى الإنتر سيشكّل تحديًا مزدوجًا، فالفريق الذي أنهى الموسم الماضي في المركز السابع وفشل في التأهل للبطولات الأوروبية، يسعى لاستعادة هيبته على الصعيد المحلي، بينما سيحاول المدرب استغلال قائمة فريقه المدججة بنجوم لم يظهروا مستواهم الحقيقي والمأمول حتى الآن لتحسين أداء الفريق الذي تلقى 14 خسارة في الموسم الماضي.
يملك لوشيانو سباليتي إحصائية مميزة مع روما، حيث نجح المدرب المخضرم في تحقيق المركز الثاني في 5 مواسم، بينما فشل في مناسبة وحيدة مع روما في الوصول للمربع الذهبي بحصوله على المركز السادس في موسم 2008/2009. ربما يكون هذا هو رهان إدارة النيواتزورى، الإيمان بقدرة لوشيانو سباليتي على تغيير حال العملاق الإيطالي الذي يعيش حالة تخبط لا تنتهي منذ موسمه التاريخي في 2009/2010 وتحقيقه لثلاثية تاريخية غير مسبوقة لأي ناد في إيطاليا حتى يومنا هذا، عندما فاز بالدوري والكأس ودوري أبطال أوروبا. فهل يستطيع سنيور سباليتي إثبات ملاءمته لخطة النيواتزوري في الموسم الجديد؟
قدوم لوشيانو سباليتي إلى الإنتر سيشكّل تحديًا مزدوجًا، فالفريق يسعى لاستعادة هيبته على الصعيد المحلي إضافة إلى تحسين آداء الفريق
دي فرانشيسكو.. مجنون الفوز
أربعة مواسم قضاها يوزيبيو دي فرانشيسكو لاعبًا في صفوف روما كلاعب وسط، وكان ضمن تشكيلة الذئاب التي توّجت بلقب الدوري للمرة الأخيرة في موسم 200/2001. بعد اعتزاله كرة القدم، عمل دي فرانشيسكو إداريًا في روما، قبل أن يبدأ مشواره التدريبي في الدرجات الأدنى مع فريق مثل ليتشي وبيسكارا، وهناك استطاع تحقيق نجاحات نوعية جمع بينها عدم ثقة إدارات تلك الأندية بعقلية جديدة، تحتاج لكثير من الصبر والتضحيات لأجل النجاح معها.
لكن اسمه بدأ في اللمعان في عام 2012 حين قاد ساسولو للتأهل لدوري الدرجة الأولى، لكن تذبذب نتائج الفريق في المستوى الأعلى جعل الإدارة تطيح به في منتصف الموسم واستبداله بألبيرتو ماليزاني الذي حقق البقاء بصعوبة شديدة في المركز الـ17. لكن الموسم التالي ظهر لإدارة ساسولو أن الفريق لم يقدّم أداء ولا يشهد تطورًا فكانت الاستعانة من جديد بالشاب المجنون الذي قاد ثورة كبيرة في الفريق الصغير وثبّت مكانه بين أندية القسم الأول من ترتيب الدوري الإيطالي في آخر 3 سنوات، حتى إنه شارك للمرة الأولى في تاريخه في مسابقة الدوري الأوروبي موسم 2015/2016.
إنجازات صغيرة ربما ولكنها تكشف عن عقلية متميزة يحملها دي فرانشيسكو الذي لا يحب الخسارة وعلى استعداد للتضحية في سبيل الفوز بكل شيء، ولكن السؤال هنا سيكون متعلقًا بالمدى الذي يمكن أن يذهب إليه دي فرانشيسكو في سبيل الفوز مع روما: هل سيلعب بأربعة مهاجمين في الأوقات التي يتأخر فيها فريقه في النتيجة؟ هل سيكون نسخة أخرى من التشيكي المغامر زيدنيك زيمان، حيث الهجوم بلا حساب والمغامرة بلا حدود في كل مباراة؟ الأكيد أننا سنرى روما بشكل مختلف مع دي فرانشيسكو لأنه سيدخل كل مباراة له بحثًا عن الانتصار، وإذا نجح في مهمته فإن المفاجأة ستكون في انتظار جميع المتشائمين والمنتقدين لاختياره مدربًا لروما حين يرونه يرفع درع الدوري في نهاية الموسم بعد غياب طويل.
ساري.. الحالم
لا يشبه ماوريتسيو ساري أيًا من مدربي الدوري الإيطالي، ليس فقط لأنه يقف على الخطوط بلباسه الرياضي خلافًا للأناقة المعتادة التي تميّز مدربي الدوري الإيطالي، ولكن أيضًا لأن مسيرته التدريبية التي بدأت عام 1990 شهدت الإشراف على فرق صغيرة ومتواضعة في الدرجات الدنيا، حتى إن أفضل إنجازاته في التسعينيات تمثلت في قيادته فريق سانسوفينو إلى دوري الدرجة الرابعة ثم الوصول مع فريق آخر مغمور إلى الدرجة الثالثة، وهكذا إلى أن جاءت الألفية الجديدة لتشهد تدريبه فريقًا يلعب في الدرجة الثانية هو بيسكارا، الأمر الذي دفعه لترك وظيفته في أحد البنوك.
لم يمارس ماوريتسيو ساري كرة القدم كمحترف، بل كان لاعبًا هاويًا في المساء وموظفًا في الصباح، ثم تحوّل للتدريب وهو في الثلاثين من عمره، لكنه لن يتفرّع لوظيفة التدريب إلا بعد ذلك بعشر سنوات حين تأتي وظيفة بيسكارا في 2005. أعوام أخرى ستمرّ حتى يتذوق ماوريتسيو ساري طعم الدرجة الأولى، عندما صعد مع إمبولي في 2014 للسيري آ وقدّم معهم أداء مميزًا سيلفت إليه انتباه إدارة فريق مدينته، نابولي، التي سترى فيه خليفة مناسبًا للإسباني رفاييل بنيتز الراحل لتدريب ريال مدريد.
في عامه الأول مع فريق الجنوب الإيطالي، تصدّر نابولي جدول ترتيب الدوري لفترات طويلة، قبل أن يفلت اللقب من بين يديه في الأمتار الأخيرة. وفي تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية قبل عامين، أثناء تصدر نابولي لجدول الترتيب بفارق 7 نقاط عن يوفنتوس، يذكر أن شغف ماوريتسيو ساري باللعبة يقوده في بعض الأحيان إلى إجبار لاعبيه ولساعات طويلة على محاولة ابتكار طرق جديدة في تنفيذ الركلات الثابتة وهو يتفرج عليهم دون أن تفارقه السيجارة. في الموسم الثالث للمدرب الذي قارب على إكمال الستين من عمره، سيكون على لاعبي نابولي التركيز أكثر في التدريبات وابتكار طرق جديدة لإفراح أهالي نابولي الذين يأملون في تحقيق اللقب تحت قيادة ابن مدينتهم، وساري نفسه سيضع نصب عينيه تحقيق اللقب الكبير بعد مسيرة حافلة بالنجاحات الصغيرة، مثلما فعل كلاوديو رانييري قبل موسمين مع ليستر سيتي الإنجليزي. من يدري، فالأحلام تأتي متأخرة أحيانًا.
اقرأ/ي أيضًا: "بوفون اليوفي" ليس "دوناروما الميلان"
مونتيلا.. العائد
مسيرة طويلة قضاها فينتشنزو مونتيلا كمهاجم وهدّاف، أبرز محطاتها كانت عشر سنوات قضاها مع روما (1999 -2009) حقق فيها لقب الدوري مطلع الألفية الثالثة. "الطائرة الصغيرة" كما كان يُلقب بسبب احتفاله الشهير بالأهداف، إذ يجري فاردًا يديه كالطائرة، لعب 20 مباراة دولية مع المنتخب الإيطالي قبل أن يبدأ مشواره التدريبي في ناشئي روما فور اعتزاله اللعب.
بعد فترة مؤقتة كمدرب لروما انتقل فينتشنزو مونتيلا لتدريب كاتانيا، ثم فيورنتينا، الذي وصل معه لنهائي كأس إيطاليا ثم لنصف نهائي الدوري الأوروبي في العام التالي. وبعد موسم وحيد مع سامبدوريا، انتقل فينتشنزو مونتيلا لتدريب ميلان، بادئًا مسيرته معه بتحقيق لقب كأس السوبر في 2016. قدّم أداء طيبًا مع الفريق وأنهى الموسم الماضي في المركز السادس بالدوري الإيطالي، لكنه سيبحث هذا الموسم عن طموحات أكبر لتحقيقها.
المدرب الشاب عبّر في وقت سابق عن إعجابه بنشاط إدارة الميلان في الميركاتو الصيفي، مشيرًا إلى أن إدارة الفريق تعمل بجدية من أجل عودة الميلان مرة أخرى لأمجاده بهذه التعاقدات المميزة. فمع ثورة التعاقدات التي يشهدها ميلان هذا الموسم، وإنفاقه أكثر من 200 مليون يورو حتى الآن في سوق الانتقالات لضم اللاعبين أندري سيلفا وفابيو بوريني وهاكان كالهانوجلو ولوكاس بيليا وماتيو موزاكيو وليوناردو بونوتشي إضافة لتجديد عقد حارس المرمى الشاب جانلويجي دوناروما؛ يبدو فينتشنزو مونتيلا مستعدًا لقيادة الروسنيري من جديد للعودة للتوهج بين الكبار ليس فقط في إيطاليا وإنما في القارة العجوز كلها.
مع ثورة التعاقدات التي يشهدها ميلان هذا الموسم وإنفاقه أكثر من 200 مليون يورو حتى الآن، يبدو مونتيلا مستعدًا لقيادة الفريق للعودة للتوهج
أليجري.. المتوّج المألوف
في الموسم الماضي، أحاطت الشكوك حول مستقبل ماسميليانو أليجري في تدريب يوفنتوس، بعدما ربطته تقارير محلية وإنجليزية بالانتقال لتدريب أرسنال الإنجليزي. لكن مع تجديد الفرنسي أرسين فينغر، المدرب التاريخي لأرسنال، عقده لموسمين إضافيين، خمدت التكهنات حول بقاء ماسميليانو أليجري مع بطل الدوري الإيطالي في آخر 6 مواسم.
إذن يستمر ماسميليانو أليجري مع يوفنتوس للموسم الرابع على التوالي، ويدخل مع فريقه بحثًا عن اللقب الثامن في مسيرته مع اليوفي، حيث فاز المدرب مع فريق السيدة العجوز بثنائية الكأس والدوري في المواسم الثلاثة السابقة، بعد رحيل أنطونيو كونتي مدرب تشيلسي الحالي عن تدريب الفريق في 2014، كما فاز بلقي كأس السوبر الإيطالي مرة وحيدة. لكن يظل الطموح الأكبر ممثلًا في الفوز بدوري أبطال أوروبا، بعد خسارة نهائيين في آخر ثلاثة مواسم من البطولة القارية، النهائي الأول أمام برشلونة في 2015 والنهائي الثاني أمام الجار الإسباني الآخر ريال مدريد في الموسم الماضي.
ماسميليانو أليجري الذي سبق له قيادة إيه سي ميلان للتتويج بآخر ألقابه في الدوري عام 2011، يحلم بتتويج خامس في مسيرته التدريبية، سيكون سابعًا على التوالي ليوفنتوس الذي يبقى المرشح الأكبر لحصد اللقب مرة أخرى.
اقرأ/ي أيضًا: