منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، ازدادت وتيرة الاعتداءات من المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، بالتزامن مع زيادة القيود الشديدة التي فرضها الاحتلال على حركة الفلسطينيين، ناهيك عن المداهمات المتكررة بشكل شبه يومي على مدنهم وبلداتهم.
ويلعب المستوطنون الإسرائيليون دورًا كبيرًا في هذا التصعيد بحق الفلسطينيين، وبحسب تحقيق لصحيفة "فايننشال تايمز"، يأتي هذا التصعيد في ظل أنماط متكررة من العنف والعنصرية ضدهم.
التحقيق استعرض شهادات لفلسطينيين ونشطاء حقوق الإنسان، وبيّن أن المستوطنين وخاصة في المناطق الريفية مثل قرية التواني، أصبحوا يتمتعون بسلطات جديدة عززت الهجمات على المحاصيل والممتلكات والمواشي، لدفع السكان إلى مغادرة أراضيهم.
بيّن التحقيق أن المستوطنين أصبحوا يتمتعون بسلطات جديدة عززت الهجمات على المحاصيل والممتلكات والمواشي، لدفع السكان إلى مغادرة أراضيهم
وبيّن التحقيق كيفية فرض الاحتلال لقيود صارمة على حركة الفلسطينيين، ومنعت الوصول إلى المدن والقرى، ونفذت مداهمات متكررة. وقد أدى هذا إلى زيادة الممارسات الإرهابية من المستوطنين في المنطقة، حيث يعيش نحو 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية بشكل غير شرعي، زادت جرأتهم على ممارسة أفعالهم، بالتزامن مع عملية الإبادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل في قطاع غزة.
ووثّق التحقيق تورط الشرطة الإسرائيلية بممارسات المستوطنين، وعرض حادثة إطلاق نار على شاب اسمه زكريا في قرية التواني، حيث يوثق مقطع فيديو كيفية إطلاق النار عليه من قبل مستوطن، أمام مرأى عيني الشرطي الإسرائيلي، وزعمت سلطات الاحتلال أنها أجرت تحقيقًا بذلك، فتم سحب رخصة السلاح من المستوطن، دون أن توجه له أي تهم.
وتابع التحقيق أنه عندما ذهب زكريا إلى مركز الشرطة لتقديم شكوى، تم اتهامه بإلقاء الحجارة، وأُمر بدفع كفالة قدرها ألف شيكل، حوالي 260 دولارًا. وقال الجيش الإسرائيلي ردًا على سؤال حول الجندي الذي كان حاضرًا أثناء إطلاق النار على زكريا، إن "الفحص المباشر كشف أن الفيديو المنشور لا يجسد الحادثة بالكامل، وبالتالي لا توجد أسباب لمتابعة الإجراءات ضد الجندي".
تم نقل زكريا إلى وحدة العناية المركزة وقضى 82 يومًا في المستشفى، ويقول إن الأطباء اكتشفوا أنه أصيب برصاصة من نوع "دوم-دوم"، وهي طلقة تتمدد عند الارتطام، مما يزيد من الضرر الناجم عنها، وقد احتاج زكريا إلى أربع جولات جراحية في معدته واضطر إلى استئصال جزء من البنكرياس، وكانت إصاباته شديدة لدرجة أنه اضطر إلى تركيب كيس فغر القولون، وفقد ما يقرب من 30 كيلوغرامًا من وزنه أثناء إقامته في المستشفى.
واقعة اعتداء المستوطن على زكريا تمثل حدثًا عاديًا يحصل بشكل يومي من قبل المستوطنين، وفي كثير من الأحيان أمام مرأى جنود الاحتلال، ووفقًا للتحقيق، يشهد سكان قرية التواني حوادث عنف متكررة من المستوطنين، مما يجعل من الصعب عليهم كسب لقمة العيش، ومنذ بداية العدوان على غزة، وسع المستوطنون وجودهم في المنطقة، وأنشأوا ستة مواقع استيطانية جديدة بالقرب من التواني.
هذه الاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين، أدت إلى تهجير السكان المحليين وزيادة الشعور بالخوف من المستقبل، وتظهر العديد من الحوادث حسب التحقيق، أن الاحتلال يتغاضى عن اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، ففي حادثة إطلاق النار على زكريا، لم يواجه المستوطن أي اتهامات رغم الأدلة الواضحة، بالإضافة إلى ذلك، يتمتع المستوطنون بصلاحيات جديدة، بما في ذلك القدرة على اعتقال الأشخاص وإعلان المناطق العسكرية المغلقة، مما يزيد من شعور الفلسطينيين بالظلم والاضطهاد.
ويلعب المستوطنون دورًا محوريًا في الجيش الإسرائيلي، حيث يتم استدعاؤهم لسد الثغرات العسكرية في الضفة الغربية، هذا التداخل بين الجيش والمستوطنين يزيد من تعقيد الوضع، ويجعل من الصعب التمييز بين الجنود والمستوطنين، "مما يزيد من التوترات والعنف في المنطقة"، بحسب ما جاء في التحقيق.
ونقلت الصحيفة عن باحث أميركي "رفض التصريح عن اسمه" توضيحًا قال فيه: "عندما ترى جنديًا، يصبح من غير الواضح ما إذا كان في الخدمة الفعلية، أو في الاحتياط، أو حارس أمن لمستوطنة، أو مجرد مستوطن عادي ارتدى زيًا عسكريًا اشتراه"، ويضيف أن المستوطنين الذين تم استدعاؤهم حديثًا يدخلون بحالة من العدوانية الشديدة، مما يؤدي إلى تصعيد الموقف على الفور".
ولفت الباحث أيضًا إلى أن العديد من هؤلاء الرجال يحملون رموزًا مرتبطة باليمين المتطرف على زيهم، ويقول: "العديد منهم يرتدون شارة حركة الهيكل الثالث، في حين يرتدي آخرون شارة ترمز إلى مجيء المسيح".
وتظهر الصور التي راجعتها صحيفة "فايننشال تايمز" أن بعض الجنود المستوطنين يرتدون شارات تمزج بين العلم الإسرائيلي ورمز جمجمة العقاب، وقد أصبح هذا الرمز معتمدًا من قبل اليمين المتطرف في الولايات المتحدة.
وتشير العشرات من الصور ومقاطع الفيديو التي راجعتها "فايننشال تايمز" إلى أن العديد من الجنود الإسرائيليين المشاركين في الحوادث حول التواني ينتمون إلى "وحدة الدفاع في ماعون"، وبيّن التحقيق تورط الوحدة بحوادث متعددة منذ بداية العدوان على غزة.
واستعرض التحقيق نموذجًا من أحد المستوطنين، وهو بتسلئيل تاليا، حيث يعتبر من أكثر الجنود المستوطنين عدوانيًة في المنطقة، ونقلت الصحيفة عن ناشطة أميركية أنه تسبب بالكثير من الأذى للفلسطينيين، حيث بدأت مجموعة من الناشطين في الضفة الغربية بتوثيق سلوك الجيش والمستوطنين من خلال تصوير تاليا ورجاله، وأفاد عدد من الناشطين الفلسطينيين والدوليين الذين كانوا حاضرين، بأنه قام باعتقالهم بتهمة تصوير عملية عسكرية.
بتسلئيل تاليا، الذي يُعتبر شخصية مثيرة للجدل بين الفلسطينيين والناشطين، عُرف بتفاعلاته العدوانية مع السكان المحليين، وذلك قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث شوهد في حادثة مُسجلة عام 2022 وهو يهدد مجموعة من المزارعين الفلسطينيين، الذين كانوا يستعدون لزراعة المحاصيل على أراضيهم.
ووفقًا للباحث الأميركي، فإن العديد من المستوطنين الذين استُدعوا مؤخرًا للانضمام إلى الجيش يتصرفون بتوتر ملحوظ أثناء تفاعلهم مع القرويين الفلسطينيين، فيما يُعرف عن تاليا أنه "يبادر بالصراخ تلقائيًا، ويشير ببندقيته، ويرفع صوته بشكل عدواني".
وأشار الباحث إلى حادثة وقعت مع مجموعة من الرعاة وقطيعهم الذي يضم نحو ألف رأس من الأغنام، في وادٍ بالقرب من مستوطنة "كرميئيل"، وقال: "فجأة، نزلت مجموعة من الجنود المستوطنين من الجبل وقامت باحتجازنا"، مضيفًا أن الجنود صرخوا على الرعاة ليجلسوا على الأرض.
وتابع الباحث حديثه مشيرًا إلى أنه في تلك الأثناء أعلن تاليا فرض منطقة عسكرية مغلقة لمدة 30 يومًا على الأرض الفلسطينية التي يعتمد عليها هؤلاء الرعاة لرعي مواشيهم يوميًا، موضحًا أن المناطق العسكرية المغلقة تُفرض عادة لمدة 24 ساعة أو أسبوع، وأن هذا الإجراء يحرم الرعاة من أراضيهم في فترة حيوية من الموسم الزراعي.
ما "تاليا" إلا نموذج يمثل ممارسات المستوطنين، والتي لها آثار اقتصادية كبيرة على الفلسطينيين، حيث تسببت في تدمير المحاصيل الزراعية، مما أدى إلى خسائر مالية كبيرة للمزارعين الفلسطينيين.
ووفقًا للأمم المتحدة، ظل 96 ألف دونم من الأراضي المستخدمة لزراعة الزيتون غير محصودة منذ عام 2023، بسبب القيود التي تفرضها سلطات الاحتلال، وأدى ذلك إلى خسارة 1200 طن متري من زيت الزيتون، بقيمة 10 ملايين دولار، ناهيك عن تهجير 1628 فلسطينيًا، من بينهم 794 طفلًا، بسبب عنف المستوطنين والقيود المفروضة على الوصول لمناطقهم.