لا تقتصر مظاهر العوز والحاجة على طلاب اليمن الدارسين في الجامعات اليمنية بل إنها امتدت لأكثر من 9300 طالب يمني يدرس في الخارج. تسيطر على هؤلاء هواجس الخوف والقلق من المجهول الذي ينتظر مستقبلهم الدراسي، فمصير آلاف الطلاب اليمنيين في دول عربية وغربية مرتبط بمصير "الدولة"، التي باتت اليوم منقسمة إلى سلطتين حاكمتين منهارتين، في شمال البلاد وأخرى في جنوبها، وبدت المشاكل التي يعاني منها الطلاب المبعوثون للدراسة خارج اليمن تتجلى بوضوح مع تأخر صرف مستحقاتهم من قبل وزارتي التعليم العالي والمالية.
يسيطر الخوف على 9300 طالب يمني يدرسون في الخارج نظرًا لتأخر صرف مستحقاتهم من الحكومة اليمنية
يخشى حمدي اليافعي، طالب سنة رابعة بكلية الطب في جامعة القاهرة، من العواقب الناتجة عن تأخير صرف مستحقاته المالية هو وباقي زملائه، إذ يخشون إمكانية طردهم من الكليات التي يدرسون بها أو من الشقق التي يسكنون فيها أو أن يعجزوا عن تأمين المأكل والمشرب.
أما مهران عسلان، وهو طالب يدرس الهندسة البترولية في مدينة قازان الروسية، فيقول لـ"الترا صوت": "حال من يدرس في بلاد غربية أقسى بكثير، تزداد المعاناة مع ازدياد تكاليف المعيشة ووضعنا تدريجيًا صار أصعب من وضع الطلاب في اليمن، فالمبلغ الذي نحصل عليه من الحكومة اليمنية غير كاف وقد لا يصلنا أصلًا والجميع يعرف أننا ممنوعون من العمل بموجب القوانين الروسية مما زاد من تعكير الوضع".
ومن الهند، يؤكد الطالب محمد غالب، الذي يدرس الإدارة، أن كافة زملائه مستاؤون من استمرار تجاهل مطالبهم بسرعة صرف مستحقاتهم الدراسية وقد أصدروا بيانات متتالية تحذر من الآثار الناتجة عن ذلك. ويضيف لـ"الترا صوت": "لجأنا إلى تنفيذ اعتصام داخل سفارة اليمن في الهند ولكن دون جدوى وإن استمر تجاهلنا فسوف نضطر إلى تصعيد الاحتجاجات لأننا مع بداية السنة الجديدة مضطرون إلى دفع حق السكن والتأمين الصحي والرسوم وغير ذلك". ويشاطر علي فتح الله ما طرحه زميله مؤكدًا: "لم يعر أي مسؤول في البلاد أي اهتمام لمشاكل الطلاب اليمنيين في الخارج والكل يفسر ذلك بكونهم منشغلين بالحرب المستعرة داخل الوطن".
وفي ذات السياق، يبدي خالد الرويشان، وزير الثقافة اليمني الأسبق، تعاطفه مع قضايا الطلاب المبعوثين للدراسة خارج اليمن. ويقول الرويشان: إن "الطبقة الحاكمة مشغولة بتعيينات جديدة مما يعني تكاليف وموازنة إضافية لكنها تهمل هؤلاء الطلاب".
وتعاني وزارة التعليم العالي اليمنية، التي تصرف على الابتعاث الخارجي سنويًا خمسة عشر مليار ريال يمني، من خلل ومشاكل كثيرة، انطلاقًا من قضايا الفساد التي رافقت أداء هذه الوزارة منذ تأسيسها ومرورًا بوجود الملحقيات الثقافية، التي يرى باحثون وأكاديميون أنها شكلت محور عبث وإهدار للمال العام. وفي هذا السياق، يقول الباحث عبدالرحمن الصالحي لـ"الترا صوت": "كباحثين قدمنا بحوثًا ودراسات مركزة حول تطوير نظام التعليم العالي والابتعاث في اليمن. وكنا دائمًا ومازلنا نوصي بإلغاء الملحقيات الثقافية بجميع الدول وتعيين موظف في كل سفارة للقيام بصرف مستحقات الطلاب كل ثلاثة أشهر واستغلال المرتبات الطائلة التي يستلمها الملحق الثقافي ومساعدوه والنفقات التشغيلية الخيالية للملحقيات ويتم تحويل هذه المبالغ الطائلة لصالح تحسين أوضاع الطلاب في الخارج، وبالطبع لم يحدث أي تغيير حتى يومنا هذا".
تعاني وزارة التعليم العالي اليمنية، التي تصرف على الابتعاث الخارجي سنويًا 15 مليار ريال يمني، من خلل وفساد كثير
ويضيف الصالحي: "تقلل هذه المشاكل من التحصيل العلمي للطالب اليمني وتفوقه الأكاديمي ومع ذلك نرى الطالب اليمني، وبشهادة القائمين على إدارة الجامعات الأجنبية، حريص على الانتظام في الدراسة والالتزام بالواجبات والمهام المطلوبة والالتزام بأخلاقيات البحث العلمي والأمانة المهنية للأبحاث التي يتم المشاركة فيها".
أما عن الحلول للمشاكل المالية لطلبة اليمن في الخارج، فيعلق الصالحي: "من الضروري زيادة المساعدة المالية للطلاب وفقًا لتوصيات اللجان المختلفة وبما يلائم بلد الدراسة، وإنشاء صندوق إقراض للطلاب في الملحقيات الثقافية، يقرض الطالب ما يحتاجه من مال عند وصوله إلى بلد الدراسة على أن يتم استرجاع القروض بخصمها بالتقسيط من مستحقاته خلال فترة تمتد على اثني عشر شهرًا وتحويل مستحقات الطالب إلى حسابه البنكي مباشرة في توقيت زمني محدد، وصرف المساعدة المالية بداية كل شهر مباشرة دون المعاملات الروتينية التي تربط متابعة قيد الطلاب وأدائهم بصرف المساعدات، وتحويل المساعدات المالية عبر الحساب البنكي للطالب واعتماد الرسوم الدراسية للطلاب المبعوثين كاملة وتغطية التأمين الصحي، وإنشاء صندوق مالي من قبل الملحقية لتغطية تكاليف الظروف المرضية والاستثنائية".
لا أحد يطالب في الظروف التي يعاني منها اليمن الآن بالكثير، لكن يطمح طلاب اليمن بعد استقرار الوضع السياسي في البلاد وانتهاء الحرب أن يتم إنشاء صندوق مالي يدعم من الداخل ومن رجال الأعمال أو المهتمين بتوفير دعم لأبحاث الطلاب ووضع اعتبارات خاصة لأصحاب الحالات الخاصة بزيادة في المعونة المالية بشكل مناسب.
لكن طموحات طلاب اليمن تتناقض مع الواقع الذي تعيشه وزارة التعليم العالي اليمنية في الوضع الراهن، حيث أن منصب الوزير لا يزال شاغرًا. في ذات الإطار، يقترح الوزير السابق الرويشان حلًا آخر يتمثل في "تقديم الرئيس هادي طلبًا رسميًا عاجلًا لمجلس التعاون الخليجي بحل إشكالات الطلاب المبعوثين للدراسة في الخارج ولو مؤقتًا".
اقرأ/ي أيضًا: