في رياض الأطفال التي دخلناها، ومن ثم المدارس في مراحلها الأولى، وحتى اليوم، ما زال البعض من مدعي الوطنية من الساسة أو الذين يتاجرون بإقناع الآخرين بضرورة "تقديم أرواحهم" فداءً للوطن، بأن لا شيء أهم من الوطن.
أصبحت فكرة الوطن في البلدان العربية فكرة غير قابلة للنقاش. عليك أن تعيش على الأرض التي ولدت عليها، حتى وإن لم تتوفر فيها متطلبات الحد الأدنى للعيش بكرامة
لا يمكن أن أختزل حياتي بمنطقة جغرافية واحدة وأقول هذا وطني. يُمكن لأي مكان أن يتحول إلى وطنٍ، وبعد دقائق تكون رقعة جغرافية أخرى هي الوطن الجديد. الوطن بصراحة هو ذلك المكان الذي يُمكن لك أن تجد فيه وعائلتك الأمن والأمان.
أصبحت فكرة الوطن في البلدان العربية فكرة غير قابلة للنقاش. عليك أن تعيش على الأرض التي ولدت عليها، حتى وإن لم تتوفر فيها متطلبات الحد الأدنى للعيش بكرامة، وإن لعنت الوطن أو ما يحدث فيه، فإنك لعنت المقدس.
رفعنا شعارات لا مبرر لها ونحن أطفال في المدارس عندما كنا نخرج بتظاهرات بأوامر من الفرق الحزبية التابعة لحزب البعث آنذاك. من بين هذه الشعارات "نموت نموت ويحيا الوطن"، "بالروح بالدم، نفديك يا عراق".
اقرأ/ي أيضًا: "وجهة سفر".. براويز معلقة للثورة
كانت تلك الشعارات ترمز إلى قضية واحدة، وهي أن الوطن الذي تحاصره الحروب ويفتعل قادته الأزمات مع دول الجوار والعالم، عليك أن تموت من أجله حتى يبقى ولادًا لإمعات مثل صدام حسين ونوري المالكي وغيرهما، ونُصبح نحن حطب الحروب التي يخوضها.
بقيت فكرة الوطن لأزمة لم يتخلص منها كثير منا. بقينا نعتقد أن الوطن شيء مقدس حتى وإن لم نجد فيه راحتنا. كما بقينا نفرط باعتقادنا وتقديسنا، لنعبر عن مواقف غير مقنعة، بأنه المكان الأفضل في العالم. هو المكان الذي يُحبه الله. هذه فكرة ساذجة أخرى.
بصراحة يا سادة يا كرام، الوطن لا يُمكن له أن يكون سجنًا كبيرًا، وعندما يتحول إلى سجن، ففي تلك اللحظة بالإمكان أن نبصق عليه من على أول طائرة تقلنا إلى حيث الأمن والأمان.
أسلافنا، كانوا يبحثون عن الماء والزراعة، وفي أى مكان وجدوا ما يوفر لهم قوتهم، كانوا يستوطنون هناك، لذلك لا يمكن أن تكون هذه الأرض التي نعيش عليها مقدسة، مثلما نعتقد بأن بقية البلدان هي ليست أوطاننا.
على العكس من ذلك تمامًا، أينما وجدت الاستقرار والاحترام والقانون، حينها عليك أن تفخر بأنك تنتمي لوطنٍ حقيقي، لا وطن فيه الحروب لا تنضب مثل نقمة نفطه.
اقرأ/ي أيضًا:
لجوء من نوع آخر
السخرية.. مُتنفّس الخائفين وسلاح المقهورين