غالبًا ما يبدأ اهتمام الإنسان بالكتابة في اللحظة التي يقرأ فيها، بمعنى أنّ القراءة فعل يسبق الكتابة، يمهّد لها، ويعبّد الطريق إليها أيضًا، دون أن يكون القصد هنا أنّ كلّ قارئ هو كاتب بالضرورة، وإنّما أنّ الكاتب العميق هو في الواقع قارئ عميق أيضًا. والقراءة بهذا المعنى لا تكون وسيلة إمتاع ومؤانسة وتثقيف وتهذيب فقط، وبل خطوط إمداد خفية لجبهات الكاتب وخطوط الكتابة الأولى.
إنّها، ببساطة، ما يحثّ الكاتب على غزو أراضٍ جديدة بحثًا عمّا هو جديد، وما يُساعد على الثبات أيضًا، ويمهّد للتمكين.
مع نهاية سنة 2019، التقينا الكاتب السوريّ فوّاز حدّاد، وسألناه عن قراءاته لهذه السنة، أفضلها تحديدًا، لا سيما وأنّها شهدت صدور رواية جديدة له تحت عنوان "تفسير اللاشيء". هنا نصّ إجابته.
سمح تراجع حمّى النشر في الرواية هذا العام عن السنوات السابقة، باستدراك ما فاتني من متابعة ما نشر خلال السنوات السابقة، فأتيح لي الاطلاع على كم لا بأس به من الروايات، لفتني منها، مما قرأته عرضًا ولم يخيبني، رواية "ستونر" للروائي الأمريكي جون ويليامز.
عادةً أقرأ على سبيل التعرّف إلى الروايات المترجمة حديثًا من دون أفكار مسبقة. الرواية أعجبتني مع أنّني لم أسمع بها ولا باسم كاتبها، فاستعنت بجوجل، فإذا بها رواية نشرت في عام 1965 لم تحز على الاهتمام في حينها، لكنّ النقد سيتنبّه إليها بعد أربعين عامًا على نشرها، وتظفر بسمعة تستحقّها. تدور الرواية في أجواء الجامعة، وتصور شخصية عادية، عاشت زمانها، وأدركت حقائقه الكبرى؛ العمل، الحب، الخيانة من خلال حياة محدودة.
وأيضًا، هناك رواية "استسلام" للروائي الإسباني راي لوريغا الذي لم أقرأ له من قبل. رواية ديستوبية، تفوح بذلك المزيج المتشائم من كافكا وأورويل، المثير فعلًا أنها لا تخفي المخاوف من نتائج ما قد يتمخّض عنه واقع العالم الحالي، فيما لو ترك للسياسات الشعبوية العنصرية أن تعبث فيه.
فواز حداد: حافظت الرواية السورية في 2019 على الجدية والابتكار والتعامل مع الفنّ والواقع
أما الرواية العربية، فاللافت ما يزال برأيي الرواية السورية، ليس لأنّه لدي ضعف نحوها، وإنّما لمحافظتها على الجدية والابتكار والتعامل مع الفنّ والواقع، وإن لم يتح لي متابعة هذا الكم الغزير المتدفق منها، لكن يبقى اللافت، حسبما اطلعت عليه لهذا العام هو رواية ممدوح عزام "أرواح صخرات العسل" حيث يوالي ترسيخ تجربة روائية متميزة، كانت منذ بداياتها ذات تأثير هائل. ورواية نبيل الملحم "إنجيل زهرة" مسجلًا عملًا إضافيًا مبهرًا، يضعه في مقدمة الروائيين السوريين.
اقرأ/ي أيضًا:
رواية "تفسير اللا شيء" لفواز حداد.. استنطاق نصف قرن من الشمولية