حملت الأيام الأخيرة من شباط/فبراير الفائت فصلًا جديدًا من فصول أزمة فيروس كورونا بعد تفشّيه في عددٍ من الدول الأوروبّية، حاصدًا أرواح أكثر من ألف إنسان في إيطاليا وحدها خلال أيامٍ قليلة، لتكون أوروبّا، وفقًا لمنظمّة الصحّة العالمية، البؤرة الجديدة للفيروس الذي طاول أيضًا دول أمريكا اللاتينية، تزامنًا مع إعلان الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب السبت 14 آذار/ مارس الجاري، حالة الطوارئ في الولايات المتّحدة الأمريكية بهدف مواجهة الوباء الذي قدّر عدد من المسؤولين الأمريكيين وصول عدد المُصابين به في ولاية أوهايو وحدها إلى مئة ألف مُصاب.
وسط المخاوف المُتصاعدة من "كورونا"، يبدو أنّ سكّان إدلب، بالإضافة إلى المؤسّسات والمنظّمات الصحّية العاملة في المنطقة، قد انتقلوا من مرحلة المراقبة إلى مرحلة انتظار الفيروس
تطوّرات مثيرة دفعت دول العالم للزجّ بكامل ثقلها لمواجهة كورونا، واستنفار كافّة قدراتها أيضًا للحدّ من انتشاره. ولكنّها، قبل ذلك كلّه، أبرزت السؤال التالي: ماذا بشأن الأماكن الخالية أو المجرّدة من إمكانيات مواجهة الفيروس والوقاية منه، كمناطق النزاع والحروب مثل الشمال السوريّ الخاضع لسيطرة المعارضة، أي أجزاء من محافظة إدلب وريف حماة الغربي وريف اللاذقية الشرقي وريف حلب الغربي.
اقرأ/ي أيضًا: وقف إطلاق النار في إدلب.. تسوية أم فرصة لالتقاط الأنفاس؟
اتّخذت المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المسلّحة خلال الأيام الماضية إجراءات استثنائية شملت إغلاق معابرها مع مناطق سيطرة قوّات سوريا الديمقراطية "قسد"، ومناطق سيطرة ميليشيات النظام، بالإضافة إلى إغلاق معابرها الحدودية مع تركيا كخطوةٍ أوّلية الهدف منها الوقاية من الفيروس في بقعة جغرافية يشهدّ قطاعها الطبّي نزيفًا متواصلًا منذ أكثر من عام، أي أنّ معركة مؤسّساتها الصحّية ضدّ "كورونا"، في حاله انتشاره في المنطقة، لن تكون متكافئة بفعل ضعف الإمكانيات الطبّية، إذ قُدِّرت نسبة عجز القطّاع الطبّي في الشمال بأكثر من 80 بالمئة.
ووسط المخاوف المُتصاعدة من "كورونا"، واستمرار دول كثيرة حول العالم بالعمل على عزل نفسها وشلّ الحياة الاجتماعية مؤقّتًا للحدّ من تفشّيه؛ يبدو أنّ سكّان محافظة إدلب شمال غرب سوريا، بالإضافة إلى المؤسّسات والمنظّمات الصحّية العاملة في المنطقة، قد انتقلوا من مرحلة المراقبة إلى مرحلة انتظار الفيروس، وذلك تزامنًا مع دعوات متزايدة لمنع التجمّعات الكبيرة، وإغلاق المدارس والجامعات، وإلغاء الأنشطة الدينية أيضًا، في محاولة لكسب الوقت والعمل على تحديد الآلية أو الكيفية التي سيجري من خلالها التعامل مع الوباء المُميت في حال وصوله إلى المنطقة التي جرّدتها روسيا وميليشيات الأسد من إمكانياتها الطبّية.
فالمنطقة التي كانت هدفًا لحملة عسكرية برّية وجويّة على مدار 13 شهرًا، منذ شباط/ فبراير 2019، وحتّى آذار/مارس الجاري؛ ساءت فيها أحوال القطاع الطبّي، وتفاقمت أزمته بفعل استهداف الطائرات الحربية الروسية والطائرات التابعة لنظام الأسد للمستشفيات والمرافق الطبّية بشكلٍ مُباشر، في ظلّ ضعف التمويل وانقطاع الجزء الأكبر منه منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب وريف حلب الغربيّ، ممّا جعل القطاع الطبّي قريبًا دائمًا من الانهيار.
منذ شباط/فبراير 2019، وحتّى تاريخ وقف إطلاق النار في آذار/مارس الجاري، استهدفت طائرات النظام وحليفه الروسيّ 96 منشأة طبّية، وتقلّصت عدد المستشفيات والمراكز الصحّية في المنطقة بفعل سيطرة ميليشياته على أجزاء واسعة منها، بدءًا من ريف مدينة حماة الشمالي، وأرياف مدينة حلب الجنوبية والغربية، وريف إدلب الجنوبيّ والشرقيّ، بالإضافة إلى عددٍ من المُدن الكبيرة، كخان شيخون ومعرّة النعمان وسراقب. وعلى الرغم من مُحاولات المؤسّسات الطبّية نقل معدّاتها في المناطق المشتعلة إلى المنطقة الحدودية، إلّا أنّ نسبة ما تمّ نقله لا تتعدّى الـ 25%، وذلك بسبب استحالة نقلها أثناء سير المعارك، واستهداف الطائرات للطرق السريعة، أو بسبب تدمير المنشآت الطبّية قبل نقل معدّاتها، كما هي حال منشآت قلعة المضيق وقرية الشريعة ومستشفى الحواش ومركز قرية المستريحة ومركز قرية قسطون.
وكانت المنشآت الطبّية المُستهدفة مُسجِّلة ضمن الآلية الإنسانية لتجنّب النزاع التي يرعاها مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA الذي شارك إحداثياتها مع القوّات الروسية كمحاولةٍ لمنع استهدافها، غير أنّ ما حدث هو العكس تمامًا، إذ تعرّض ما نسبته 80% من المؤسّسات الطبية المدعومة من منظّمة الصحّة العالمية، والجمعية الطبّية السورية الأمريكية "سامز" للاستهداف المُباشر، منها مستشفيات كفرزيتا، ترملا، نبض الحياة/ حاس، كفرنبل الجراحي، الأمل لجراحة العظم، الشامي الجراحي/ أريحا، الإيمان/ جبل الزاوية، الإيمان للأطفال والنساء/ أورم الكبرى، الهدى/ ريف حلب الغربيّ، وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا: إدلب بعد الهدنة الروسية - التركية
لا تبدو حال المنشآت الطبّية في المناطق البعيدة عن خطوط التماس أفضل، إذ تعاني ومنذ فترة طويلة من انقطاع الدعم وشحّ الوقود، عدا عن النقص الحاد في عدد الأطباء والكوادر الطبّية أيضًا، حيث قُدّر عدد الأطباء العاملين في بقعة جغرافية صغيرة تكتظّ بنحو 4 ملايين إنسان مُهجّر بـ 600 طبيب، وهو ما لا يتوافق مع المعدّل العام الذي تفترضه منظّمة الصحّة العالمية، أي وجود 13 طبيبًا و45 ممرّضًا وقابلة لكلّ 10 آلاف نسمة، ممّا يعني أنّ البلدان التي لديها أقلّ من 23 فردًا عاملًا في القطّاع الطبّي للعدد نفسه من السكّان، لن تكون قادرة على تحقيق معدّلات التغطية الواقعية للتدخّلات الرئيسية في الرعاية الصحّية الأولية. وبالتالي، كيف ستتمكّن المنشآت والمؤسّسات الطبّية من التعامل مع حالات طارئة كفيروس كورونا إن وصل؟
لا تبدو حال المنشآت الطبّية في المناطق البعيدة عن خطوط التماس أفضل، إذ تعاني ومنذ فترة طويلة من انقطاع الدعم وشحّ الوقود، عدا عن النقص الحاد في عدد الأطباء
يؤرّق هذا السؤال القطّاع الطبّي في الشمال السوري، والذي يبحث جاهدًا عن إجابات له قبل أن يفوت الأوان ويقع الفأس في الرأس في منطقة صغيرة تكتظّ بالبشر بشكلٍ لا تبدو معه أي إجراءات متعلّقة بالعزل والحجر الصحّي ذات فائدة، لا سيما في مخيمّات اللاجئين التي تضمّ أكثر من مليون ونصف مُهجّر.