في جامعة هي النافذة الأخيرة على الحلم، الفسحة شبه المجانية لآخر شذرات الطموح في بلاد تتعثر بالسياسة، وتتصدع اجتماعياً بهاجس الأمن وانتكاساته، وتنوء تحت وطأة فضائح الفساد والعبث اليومي بسلامة المواطن بدءاً من غذائه وصولاً إلى أمنه وأمانه، وسط حرمانه المتواصل من أبسط حقوقه في الماء والكهرباء والرعاية الصحية، يُمنع الطالب في الجامعة اللبنانية، الباحث عن ذاته أولاً، ثم عن تحقيقها ثانياً في واقع مرير يمكن بالاجتهاد أن يبني مستقبلاً أفضل، من التسجيل بأكثر من تخصص في وقت واحد، في إجراء تقول رئاسة الجامعة إنه إصلاحي.. لكن في وجه من؟!
يُمنع الطالب في الجامعة اللبنانية، من التسجيل بأكثر من تخصص في وقت واحد في إجراء تقول رئاسة الجامعة إنه إصلاحي
اقرأ/ي أيضًا: "إعلام" الجامعة اللبنانية تحرم طلابها من الامتحانات واعتراض على #كلية_الإعدام
عصي في دواليب الحلم
هو مشوار الألف ميل نحو حياةٍ أفضل، ينطلق من مختلف المناطق اللبنانية باتجاه الجامعة اللبنانية بكلياتها الموزّعة بغالبيتها في بيروت، وبفروعها، التي لا تشمل كل الكليات، في بعض المدن الساحلية والداخلية.
قُبيل الانتهاء من المرحلة الثانوية التي تتبلور معها توجهات التلميذ ورغباته بدراسة هذا التخصص أو ذاك، يدخل الطلاب صراعاً بين المرتجى والمُباح، بين الآمال والواقع. فيُضطر الكثيرون أمام صعوبة ظروفهم المادية للالتحاق بالكلية الأقرب، أو بالتخصص الذي يوحي بأنه يضمن لهم وظيفةً سريعةً بعد التخرج في سوق العمل.
ولأن سياسة التوجيه وبرامجها التي تستهدف هؤلاء غالباً ما تنتهجها الجامعات الخاصة التي باتت أقساطها خيالية، فإن الجامعة اللبنانية الرسمية، رغم بُعدها عن أحلام الطالب الثانوي، تظل مقصده لأنها لا تُرهق كاهل والديه في تحمل أعباء تعليمه في جامعات يوصف بعضها بالتجاري كون النجاح فيها مضموناً بمجرد سداد الأقساط كاملةً.
لكن كون الجامعة اللبنانية هي الوجهة الوحيدة لعدد كبير من الطلاب، لا يعني أن مهمة الاختيار بين كلياتها أمر سهل، بل على درجة عالية من الحيرة، والتردد الذي يصل إلى حدود الضياع والاضطراب. من هنا نجد أن الطالب يحرص على تقديم عدة طلبات للخضوع لامتحانات دخول إلى كليات مختلفة ومتنوعة.. عسى إن خابت هنا أن تصيب هناك.
عدد كبير من الطلاب، ممّن يفضلون المواءمة بين صوتي العقل والقلب. بين المنطق والشغف، يقرر دراسة اختصاصين أحدهما يشعره بشيء من الأمان المادي المستقبلي وآخر يطوّر من خلاله موهبةً أو ينمي اهتماماً. فيُتابع مسيرتين تعليميتين متوازيتين يخولان له التخصص في مجالين مختلفين.
آخرون تنطلق رحلتهم في الحياة الجامعية بتخصص واحد، لكنهم سرعان ما يكتشفون أن خيارهم، رغم اجتياز عام دراسي أو اثنين، لا يحقق ما يصبون إليه، أو يجدون أن وقتهم يتسع لدراسة مقررات أخرى في تخصص آخر قريب أو بعيد عن التخصص الأول، فيرتؤون ملء وقتهم كلّه بمذاكرة "مضاعفة".
اقرأ/ي أيضًا: غياب الخدمات في الجامعة اللبنانية يشعل حراك الطلبة
إصلاح.. الصواب؟
اعتبر طلاب اللبنانية أن قرار منعهم من دراسة أكثر من اختصاص واحد يمثل عرقلة لمسيرتهم الأكاديمية وليس إصلاحًا كما تروج رئاسة الجامعة
مؤخراً فوجئ طلاب الجامعة اللبنانية، وأولئك الذين يزمعون الالتحاق بكلياتها، بمذكرة إدارية صادرة عن رئيس الجامعة تمنعهم من التسجيل في أكثر من اختصاص في نفس العام الدراسي، وذلك في مراحل دراسة الإجازة، الماجستير والدكتوراه، كما لا تسمح لهم بالتسجيل في مرحلتين مختلفتين. الأمر الذي وصفته الجامعة بالإجراء الإصلاحي على مستويين، الأوّل تحسين مستوى التعليم بحيث ينصرف الطالب إلى حضور مقرراته، خصوصاً وأن نظام المقررات يفرض على الطالب حضور 70 % على الأقل من مجمل الحصص الأمر الذي قد لا يسمح له بدراسة تخصص ثانٍ.
أما المستوى الثاني فهو إتاحة عدد أكبر من المقاعد لعدد أكبر من الطلبة. وقد لفت مستشار رئيس الجامعة للشؤون الإعلامية إلى أنّ من فوائد هذا القرار "توفير الجامعة للكلفة التي تدفعها على الطالب الذي يسجّل في اختصاصين، مع ما يرافقه من كلفة استئجار المباني وتوفير الأساتذة وغير ذلك من الأمور"، مشيراً إلى أن الطلاب الذين يسجلون حالياً في اختصاصين "ملزمون بتعليق تسجيلهم في واحد منهما واستكماله لاحقاً، عندما ينهون اختصاصهم الأول".
بُعيد صدور المذكرة التي أثارت استياء لدى الطلاب، الذين عبّروا عن غضبهم "من الغبن اللاحق بهم" على وسائل التواصل الاجتماعي ودعوا إلى تنفيذ وقفة احتجاجية، صدرت مذكرة توضيحية عن رئاسة الجامعة اللبنانية تشير إلى أن "القرار لا يطال الطلاب المسجلين في مرحلة الدكتوراه"، وأنه "يمنع على الطلاب الجدد التسجيل في كليتين أو اختصاصين مقفلين، حيث الأماكن محدودة، وحيث يخضع المرشح لشرط التراتبية للانتساب إليها ضمن لوائح الناجحين، وهذا حفاظاً على فرص انتساب أكبر عدد ممكن من الطلاب". "أما القدامى، فيحق لهم، مواصلة تسجيلهم في الاختصاص الثاني شرط أن يكون ناجحاً في مواد اختصاصه من دون اجتزاء، وشرط ألا تتجاوز نسبة الأرصدة المسجل بها في الاختصاص الثاني 20 في المئة في كل فصل دراسي"، لافتةً إلى أنه "يمكن للطلاب القدامى الذين سبق وتسجلوا في الكليات والاختصاصات المقفلة الاحتفاظ بالأرصدة التي نجحوا فيها واستكمال دراستهم بعد إنجاز الاختصاص الأوّل".
إزاء مذكرتي الجامعة الأولى والثانية يتساءل الطلاب عن أولويات الإصلاح في الجامعة، معتبرين أن الأجدى تطوير المناهج ومحاربة الفساد حيث وُجد وليس عرقلة مسيرة الطلاب الأكاديمية. كما سألوا إن كان عليهم مواصلة الدراسة لثماني سنوات في الحد الأدنى والتأخر أكثر عن دخول سوق العمل، في حين أن رغبتهم في دراسة اختصاصين معاً كانت لمضاعفة حظوظهم بإيجاد وظيفة مباشرةً بعد نيل "الشهادتين".. ويخلص أحدهم إلى أنه أمام هذه القرارات سيكون بدوره أمام خيارين إما الالتحاق بجامعة خاصة لمتابعة تخصصه الثاني أو الهجرة.
اقرأ/ي أيضًا: