حيث إن كورونا يسيطر على المجال الكوني كما على المجال الشخصي لكل فرد، وحيث إن أخبار الإصابات والموت تعم الفضاء الكوني والشخصي، فإن الخوف والقلق والارتباك والهوس والفوبيا والهستيريا وغيرها من مفردات وحالات شبيهة هي المسيطرة علينا جميعًا، وإن بدرجات متفاوتة.
في غمرة هذا الفيضان الكالح للأخبار، تبدو أن جميع النوافذ التي يمكن أن تفضي إلى أمل ولو طفيف مغلقة
في غمرة هذا الفيضان الكالح للأخبار، تبدو أن جميع النوافذ التي يمكن أن تفضي إلى أمل ولو طفيف مغلقة، حتى إن العلم: مصدر الثقة الوحيد هذه الأيام، والمكان الذي ينظر إليه الجميع منتظرًا ماذا سيخرج منه، حتى العلم يعطي أملًا من هنا، ويسحبه في الوقت نفسه، كأن يصرّح عن دواء محتمل، لكنه يغلق بوابة الأمل عبر رمي الدواء في مجاهيل الأيام القادمة... كل ذلك، وإن كان صحيحًا في ظل استفحال الأزمة، إلا أن ثمة أخبارًا يغفل عن بثها الإعلام إلا فيما ندر، وهي أخبار من يُشفى من المرض، ذلك أن الإعلام يتعامل مع الخبر وفق المثل الألماني: أخبار جيدة، لا أخبار. ذلك يعني أن القاعدة الإعلامية العالمية هي البحث عن/ والترويج للأخبار السيئة فقط! ما أقوله ليس رغبة بالتزييف والتضليل والتقليل من خطورة الأمر، بل هي نوع من الاستجابة الضرورية لرغبة الناس بنوع من الأخبار الإيجابية التي لن تقلل من حجم الأمر في نظرهم ووعيهم وسلوكهم، بل تحميهم، إلى حد ما، من الأعراض النفسية لفكرة الموت المحقق القادم التي وضعها كورونا في الواجهة من رؤية البشر!
اقرأ/ي أيضًا: فيسبوك، كورونا، سوق الاعلانات... وأشياء أخرى
دليل ذلك هو الشعور الشخصي الذي يصاحب كلًا منا، والموصوف بارتياح من نوع ما لدى اطلاعنا على خبر إيجابي من نوع: اقتراب ظهور دواء، أو شفاء حالة من المرض نعرف صاحبها شخصيًا أو عبر وسائل التواصل.. فلدى متابعة تعليقات الناس على حالة يعلن فيها صاحبها أنه شُفي من المرض وينقل تجربته وخبرته في ذلك، نجد نوعًا من لهاث الناس وراء ذلك الخبر وكم أشعرهم بنوع من الاسترخاء والطمأنينة النسبيتين اللتين هما مجاز عن أننا ليس شرطًا أن نموت لدى إصابتنا! وأن احتمال الشفاء قائم. إن التعبيرات التي يستخدمها الناس للرد على شفاء حالة من نوع: أرحتني، جعلتني أشعر بالاطمئنان، أزحت كابوسًا عن صدري... وسواها، تشير كم أن الناس بحاجة لأخبار إيجابية.
في التلفزيونات، يقرؤون الإصابات والوفيات متجاوزين قراءة حالات الشفاء، وكأن ذكر هذه الحالات يطعن بالخبر
لدى متابعة أخبار كورونا عبر محطات التلفزيون المختلفة، يضعون في الصورة المرافقة ثلاث خانات: الإصابات، والوفيات، وحالات الشفاء. لكن في قراءة الخبر يقرؤون الإصابات والوفيات متجاوزين قراءة حالات الشفاء، كأن ذكر هذه الحالات يطعن بالخبر من حيث كونه خبرًا صحفيًا، تماشيًا مع المثل الذي يطرحه العاملون في مجال صناعة الخبر وهو أنه عندما نقول: عضّ الكلبُ الرجلَ، فهذا ليس خبرًا صحفيًا، لكنه يصير كذلك عندما نقول: عضّ الرجلُ الكلبَ! متجاوزين في ذلك مشاعر الناس وحاجتهم لذكر عدد حالات الشفاء قبل عدد حالات الوفيات من دون الانتقاص من جحم الكارثة والتعامل معها بخفة.
اقرأ/ي أيضًا: أيام في نابلس.. هذا جيد سوف ننجو
جميعنا ننتظر دواء ما، أو معجزة ما ريثما يتحقق الدواء، وجميعنا استحوذ علينا الخوف، بل الرعب ربما من كورونا، ولا أمل لدينا الآن سوى بالعلم والمختبرات. وإذا كان صحيحًا أن الشعوب القديمة كانت تنتظر الأنبياء ليحلوا لها أزماتها، فإننا ننتظر عالمًا عبقريًا ليحل لنا أزمتنا مع كورونا. إلا أن الناس، في خضمّ ذلك، بحاجة لأخبار إيجابية أيضًا تقوّي بها مناعتها النفسية على الأقل. وهذه مسؤولية يجب أن تظهر بالحجم ذاته الذي يجب أن يظهر به الخبر صحيحًا.
اقرأ/ي أيضًا: