بعد مرور ثلاث سنوات من التحاقها بجامعة القاضي عياض في مدينة مراكش، وأيضًا بالحي الجامعي في المدينة، وجدت الطالبة غيثة نفسها مضطرة للمغادرة بعد استيفائها المدة المسموح بها، نتيجة رسوبها في بعض المواد، إلا أن ظروفها الصعبة لا تسمح لها بمغادرة الحي الجامعي واستئجار غرفة في حي قريب من الجامعة.
تقول غيثة، طالبة الأدب الفرنسي، لـ"الترا صوت" إنه "نظرًا إلى ظروفها المادية الصعبة فقد اقترحت عليها زميلاتها في الغرفة التي شغلتها إلى جانبهن لسنوات، المكوث معهن خلسة عن إدارة الحي الجامعي"، والذي لا يسمح قانونه الداخلي باستفادة الطالب من السكن والمطعم الجامعي لأكثر من ثلاث سنوات.
لا يسمح القانون في المغرب باستفادة الطالب من السكن والمطعم الجامعي لأكثر من ثلاث سنوات
كما لا يستفيد الطلبة الذين قرروا إكمال دراستهم العليا سواء بسلك الماجستير أو الدكتوراه من السكن الجامعي. وعبد الله، الذي حصل على إجازته في الأدب العربي بتفوق وقرر متابعة سلك الماجستير، أحد هؤلاء. وقد قرر هو الآخر خرق القانون والمكوث في الحي الجامعي بالاتفاق مع زملائه السابقين في الغرفة لأن ظروفه المادية لم تخول له الانتقال إلى سكن خاص يدفع إيجاره شهريًا.
يؤكد العديد من الطلبة، على غرار غيثة وعبد الله، أن السكن في الحي الجامعي بطريقة غير قانونية هو حلهم الوحيد أمام عدم توفر الإمكانيات المادية خاصة مع ارتفاع أسعار كراء المنازل المحيطة بالجامعات إلى مستويات قياسية.
تتعدد قصص معاناة الطلبة المغاربة بحثًا عن سكن جامعي. وسناء طالبة القانون بالدارالبيضاء، ليست أفضل حظًا من عبد الله وغيثة. التحقت سناء بالجامعة وهي تحلم بتجربة جديدة وتفوق دراسي قبل أن يصبح حلمها الأساسي الحصول على سرير في الحي الجامعي، وهو ما لم تحققه لعدم استيفاء ملفها أحد الشروط المطلوبة، رغم ظروفها المادية المتواضعة والمسافة التي تبعد منزل عائلتها عن الجامعة. اضطرت سناء إلى البحث عن سكن خاص قريب من الجامعة وبسعر منخفض.
تقول سناء لـ"الترا صوت": "اصطدمت بواقع عدم استفادتي من السكن الجامعي رغم ظروفي المادية الصعبة وحالة والدي المعوز، وكان أمامي خيارين إما أن أرجع إلى قريتي دون إتمام دراستي الجامعية أو أن أشتغل لأدفع إيجار السكن، وهو ما حدث بعدما عملت كنادلة في أحد المطاعم ليلًا، واكتريت غرفة على سطح منزل إلى جانب ثلاث طالبات يعانين ذات المشكل".
في المقابل، يرفض البعض من الطلبة السكن في الحي الجامعي. في هذا السياق، تتحدث زهيرة، الطالبة في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، لـ"الترا صوت": لم أتقبل فكرة تقاسم غرفة واحدة مع أربعة أشخاص، وهي تتسع في الأصل لشخصيين اثنين، سيكون لكل شخص طباع وميولات مختلفة ولن يكون التعايش سهلًا".
ترتفع أسعار كراء المنازل المحيطة بالجامعات إلى مستويات قياسية بالمغرب
تتعرض الطالبات إلى مشاكل مختلفة، عند اختيارهن السكن بمفردهن. يتدخل أصحاب المسكن في حياتهن الخاصة ويراقبن أوقاتهن ورفاقهن ويتعرضن في أحيان كثيرة للتحرش من طرف أحد الجيران. وتوضح زهيرة: "نظرات الجيران في الحي الشعبي الذي أقطنه جارحة، يرونني فتاة متحررة اختارت الابتعاد عن مدينتها وأهلها بحجة إكمال دراستها الجامعية، وما تسبب لي في البداية في أزمة نفسية أثرت على مردودي الدراسي وشتت تركيزي في التحصيل العلمي إلا أني تجاوزت الأمر بتجاهلهم".
ويضطر الطلبة لتخفيف تكاليف السكن الخاص باللجوء إلى السكن الاجتماعي في أحياء شعبية عبر مجموعات تصل إلى 8 أشخاص، أو اختيار مساكن في أحياء بعيدة يضطرون معها إلى تحمل أعباء التنقل، أو السكن بمنازل ناقصة التجهيز.
ويعتمد قبول الطالب في السكن الجامعي على الوضع المادي لأسرته وأدائه الأكاديمي وأحيانًا موقع مدينته الجغرافي. وعلى الطالب الراغب في الاستفادة من السكن الجامعي، إيداع ملف لدى المصالح المختصة يتضمن عددًا من الوثائق من ضمنها شهادة الدخل السنوي للأبويين من طرف إدارة الضرائب والسلطات المحلية، وبيان للنقاط المتحصل عليها في الثانوية العامة وشهادة طبية تفيد عدم إصابته بأي مرض معد.
كما يعاني الطلبة الذين توفقوا في الحصول على سرير بالحي الجامعي بدورهم من مشاكل أخرى منها خدمة الطعام الجامعي، إذ عليهم الوقوف لمدة قد تزيد عن 20 دقيقة في صف طويل لانتظار وجبات "رديئة وغير صحية"، كما يصفونها. كما يشتكون من انعدام الأمن ليلًا داخل الحي الجامعي وعدم ملائمة مواعيد افتتاح الحي الجامعي مع انطلاق الدراسة ببعض الجامعات والمعاهد العليا.
وكرد على هذه المشاكل، يؤكد المسؤولون أن طاقة استيعاب لأحياء الجامعية بالمغرب لم تعد كافية لتقبل العدد الكبير من الطلبة الراغبين في مواصلة دراساتهم الجامعية، إذ تضم شبكة الأحياء الجامعية 20 وحدة موزعة عبر كافة المدن الجامعية، ويرون أن نسبة الاستجابة للمطالب المقدمة تبقى مرتفعة في حدود 70 في المئة عادة.