يُؤكّد الباحث خالد عودة الله في محاضرة جميلة له تحمِل عنوان "في معنى العودة إلى أدب غسان كنفاني" على أنّ أدب كنفاني يتميّز بكونه أدبًا له أهمية وراهنية دائمة، ويُفنّد عودة الله أسباب أهمية هذا الأدب وراهنيته بالعودة إلى طبيعته أولًا، من حيث كونه في كلّيته يجيء ليعبّر عن روح وآمال وآلام الشعب الفلسطيني.
ويُضيف عودة الله بأنّ أكبر دليل على أنّ النتاج الأدبي لغسان يُعبّر عن روح الشعب الفلسطيني هو وجوده كسيرورة غير قابلة للاستنفاد، وعدم اقتصار التعامل معه على المختصين والناقدين، وعودة جميع أفراد الشعب الفلسطيني إليه في كلّ وقتٍ وحين لإنعاش الذاكرة واستحضار المعاني الغائبة.
أجاد كنفاني في رواياته وقصصه التعبير عن هواجس وحالات الشعب الفلسطيني في مرحلة النكبة وما تبعها، ولم يكتفِ بذلك، بل إنّه وظّف قدراته المعرفية والبحثية من أجل الحفر في الأدب الفلسطيني الذي جاء بعد النكبة وتحليله والتبحّر فيه
وفِعلًا، فإننا مع كلّ ذكرى جديدة للنكبة نعود كفلسطينيين إلى هذا الأدب وكأنّه جزءٌ من تركيبِ فطرتنا الأولى، فتَرِد على أذهاننا عباراته وأسئلته الصعبة هكذا، ببساطة، كأنّنا نُعطي تلكَ الأسئلة والعبارات صفتها كمعبّرة عنا وناطقة بلسانِ مأساتنا الجمعية.
أجاد كنفاني التعبير في قصصه ورواياته عن روح الشعب الفلسطيني في مرحلة النكبة وما بعدها، فتلك القصص والروايات ارتبطت زمنيًا بثلاث حقب زمنية هي؛ مرحلة ما بعد النكبة والهزيمة، وهي المرحلة التي شعَر فيها الإنسان الفلسطيني بالعار وعقدة الذنب وجاءت رواية "رجال في الشمس" لتعبّر عنها وتمثّلها، ومرحلة شتات الفلسطينيين في المخيمات وسعيهم من أجل التطهّر من دنس الهزيمة الذي أصابهم إبان النكبة ومثّلتها رواية "ما تبقى لكم"، ومرحلة النشوة والتطلع إلى المستقبل وحالة إعلان الوجود الوطني إبان فترة الحركة الوطنية الفلسطينية وانطلاق الثورة والكفاح المسلح ومثّلتها رواية "أم سعد".
أجاد كنفاني في رواياته وقصصه التعبير عن هواجس وحالات الشعب الفلسطيني في مرحلة النكبة وما تبعها، ولم يكتفِ بذلك، بل إنّه وظّف قدراته المعرفية والبحثية من أجل الحفر في الأدب الفلسطيني الذي جاء بعد النكبة وتحليله والتبحّر فيه، وهو الذي قاده إلى ابتداع تعبير "أدب المقاومة" لوصف نتاجات الأدباء الفلسطينيين في المرحلة التي تلت النكبة، حيثُ عملَ على إبراز نتاجاتهم في دراسة مطولة صدرت في كتابين، الأول بعنوان "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966"، والثاني بعنوان: "الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968".
يحتفي كنفاني في كتابيه بالأدب المقاوم المكتوب من قِبل الأدباء الفلسطينيين، ويصفه بأنّه يُعتبر نموذجًا متقدّمًا للأدب المقاوم، ويقول في هذا الصدد: "إن أدب المقاومة العربي في الأرض المحتلة يقدّم لتواريخ الأدب المقاوم في العالم نموذجًا متقدمًا في الحقيقة وعلامة جديدة نادرًا ما استطاعت آداب المقاومة المعروفة في العصور الحديثة أن تُحقّق ما يوازيها في المستوى مقارنة بمهماتها الصعبة وشديدة التعقيد وظروفه التي لا تشابه بين ما لدينا من الأمثلة المعاصرة إلا ظروف المواطنين السود تحت حكم دولة جنوب إفريقيا العنصرية، بل تفوقها قسوة ووحشية..".
لا أدلّ على راهنية أدب غسان كنفاني وإنتاجاته الفكرية من تِلكَ اللسعة الغامضة التي تصيبنا ونحنُ نقرؤه، عربًا وفلسطينيين؛ تلك التي نشعر بها مع كلّ حرفٍ جديدٍ نمرّر عليه عيوننا في كتبه، فيزداد معه شعورنا بحضيض الأزمنة التي نعيش فيها، والتي أصبحت فيها الخيانة والتطبيع العلني مع الاحتلال مجرّد وجهة نظر.