قد لا يكون الحديث عن التطبيع كافيًا، عندما يتعلق الأمر بوصف ما يجمع الدول المناهضة للديمقراطية في الوطن العربي مع إسرائيل.
تتجاوز العلاقة بين دول مثل السعودية والإمارات والبحرين، حدود التطبيع، باعتباره تنازلًا سياسيًا، تدعمه مصالح ما، وتصل إلى بناء تحالف واضح، غير قائم على حسابات الأمر الواقع
تتجاوز العلاقة بين دول مثل السعودية والإمارات والبحرين، حدود هذا التطبيع، باعتباره تنازلًا سياسيًا، تدعمه مصالح ما، أو مساعٍ دبلوماسية أو اقتصادية، وتصل إلى بناء تحالف واضح، غير قائم على حسابات الأمر الواقع، ولكن على تصالح تام مع السردية الصهيونية، كما وضح المفكر العربي عزمي بشارة في غير مرة. وبالتأكيد فإن فهم ما يحدث اليوم، يختلف عن فهم عمليات التسوية السياسية التي وقعتها دول عربية، واتفاقيات السلام في العقود الأخيرة، ويحتاج إلى إطار جديد.
اقرأ/ي أيضًا: MBC في رمضان... شاشة الذباب
كما لا يرتبط الوضع الجديد فقط بالتملق لإدارة اليمين الأمريكي من بوابة إسرائيل، على أهمية هذا التحليل، ولكنه يصل إلى ما هو أبعد، على غرار تقديم خطاب جديد، يبدو منفصلًا عن حسابات الواقع، ويرتبط أكثر بإعادة قراءة شاملة للصراع العربي الإسرائيلي وتاريخ إسرائيل، وبالتأكيد إعادة قراءة لأحداث مثل الهولوكوست، وتاريخ اليهود العرب، وغيرها.
لا بد من تفسير هذا التطور اللافت في علاقة بعض العواصم العربية مع إسرائيل، في مستويين. المستوى الأول، هو العداء المشترك للديمقراطية. حيث أصبح من البديهي القول إن دولة عربية غير ديمقراطية، تحكمها عائلة أو شخص لعقود، هي دولة قابلة للفهم أكثر، وأسهل للتعامل بالنسبة للإسرائيليين. وهو ما لا ينفك يعترف به عسكريون وسياسيون إسرائيليون صراحة، في مؤتمرات مرموقة وتقارير مطولة. غير أن هذا العامل يصبح ملحًا، مع تصاعد موجة ثانية من الربيع العربي.
في سياق هذا الظرف، ينشأ نوع من التصالح العقائدي، القائم على قناعات إستراتيجية أكثر من مجرد مصالح. حيث يبدو أن هناك إدراكًا تبلور، أو تم الإفصالح عنه أخيرًا، داخل أنظمة بعض العواصم الخليجية، بأن ما يجمعها مع إسرائيل أعمق من حسابات مرحلة بمرحلة، حيث يصبح العداء للتحول الديمقراطي، في أوجه، رمزًا لهذا الرابط مع تل أبيب، في معادلة تستطيع فيها دول متهمة بالإرهاب مثل السعودية والإمارات، وفي محاكم أمريكية، من كسب صفة الاعتدال فجأة، لأن ما لا يشكل خطرًا على إسرائيل، لا يشكل خطرًا أبدًا.
المستوى الثاني، وإن كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالسياق العربي، إلا أنه يتعلق بنمط أوسع، وبمرحلة جديدة من الدبلوماسية الإسرائيلية. حسب ما يشير المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، في مقابلة مع موقع تروث آوت، فإن النظام السياسي في إسرائيل، استفاد بشكل مباشر من صعود حركات اليمين الشعبوية إلى الحكم في عدة مناطق في العالم، حيث استطاع بناء أنماط جديدة من التحالف، التي لا يعكرها أي اهتمام، وإن كان محدودًا، بأسئلة حقوق الإنسان.
تستفيد إسرائيل بالتأكيد من كونها جزءًا من التحولات غير الديمقراطية، أو من الانقلاب على الديمقراطية في العالم، ولكن عندها أسبابها الخاصة، التي تنبع من بنيتها الاستعمارية، كما يوضح المفكر المعروف.
يلاحظ تشومسكي المأزق الحقوقي الذي تتعرض له إسرائيل، التي تدرك جيدًا أنها "تفقد الدعم بين قطاعات الرأي العالمي المهتمة ولو قليلًا بحقوق الإنسان والحقوق المدنية"، ويربط ذلك مع العلاقات التي بدأت تل أبيب ببلورتها في السنوات الأخيرة من أجل تعويض ذلك، مع دول أقل اهتمامًا بالمسائل الحقوقية، مثل الهند والصين، ومع دول عربية تشبهها من ناحية الاعتماد على الولايات المتحدة، وإهمال الحقوق والحريات، على غرار السعودية والإمارات ومصر.
إن القول إن العلاقة مع إسرائيل علاقة مناهضة للديمقراطية، بطبيعتها، قول لا يزال يكتسب كثيرًا من الوجاهة، خاصة في وقت تبذل فيه الرياض وأبوظبي كل جهد متاح، من أجل التعامل مع الواقع الجديد في دول الموجة الثانية من الربيع العربي، وهو ما أكده تنسيق العاصمتين مع القاهرة، للقاء بين الوجه العسكري الأول في سودان ما بعد البشير، وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
اقرأ/ي أيضًا: مسلسل "أم هارون".. مناعة القطيع والترويج للتطبيع
لكن ما يجب التنبه إليه، هو أن هذا التضاد بين إسرائيل والديمقراطية، يتجاوز السياق العربي. لقد دعمت إسرائيل أنظمة عنصرية ومناهضة للديمقراطية في العالم جميعه، على غرار ما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. لكن الجديد، أن العلاقة مع الأنظمة غير الديمقراطية تلك، أصبحت بمثابة إستراتيجية كاملة وواضحة بالنسبة لإدارة بنيامين نتنياهو، الذي يتبجح بفتح أبواب "عالم الاعتدال" العربي، حيث يموت آلاف المعارضين، ويعيش مئات آلاف المعتقلين في ظروف غير إنسانية.
لا يتعلق هذا "التشابه" بالتطبيع فقط، ولكن يتجاوزه. إنه نوع من التصالح العقائدي مجددًا، والانقلاب على الديمقراطية وحقوق الإنسان. تصالح قد يستدعي أحيانًا "التسامح" مع أقليات دينية عاشت في الوطن العربي قبل عشرات السنوات، كما تفعل الدراما السعودية فجأة، في نفس الوقت الذي يتم فيه اغتيال رجال دين إصلاحيين، وإعدام حقوقيين أو خطفهم في ظروف غير إنسانية. وكل هذا، تحت سقف من الاعتدال، يمنح نتنياهو صكوكه الجديدة.
اقرأ/ي أيضًا:
الدراما الخليجية في السنوات الأخيرة.. مسلسلات لصناعة تاريخ آخر