يبدو أن الصيغة النهائية لـ"قانون الإعلام" اللبناني الجديد، جاءت على شاكلة واضعيه. فبعد خمس سنوات من الأخذ والرد، أبصرت المسودة النور، على أيدي نواب الطبقة السياسية، وممثلين عن النقابات الصحافية "المقربين" منهم. وبذلك يكون القانون بالطبع قد تآلف مع "توجهات" الأحزاب والطوائف، ويتيح لهم امتيازات تضمن استمرار ما يريدون فرضه. فلا الحريات هي ما يحاول القانون صونها ولا القيم وأخلاقيات المهنة ما يريد ضمانته، بل يتوغل في حفظ مصالح القائمين على الصحف الموزعة طائفيًا وحزبيًا، والمدعومة من دول ومحاور ورجال سياسة محليين.
يتضمن قانون الإعلام اللبناني الجديد قيودًا على حرية الإعلام حسب عدد من منظمات المجتمع المدني
خمس سنوات كاملة قضاها قانون الإعلام في لجنة الاتصالات والإعلام، جعلت مسودة اقتراح القانون عرضة لتغييرات دائمة أثناء الجلسات الـ49 التي خصصت لمناقشته، وتم في نهايتها التوصل إلى صيغة وصفت بأنها "أفضل الممكن". لكن فور الإعلان عنها، رفضت مؤسسة "مهارات" المسودة، واعتبرتها تتضمّن قيودًا على حرية الإعلام، معبرة عن قلقها من تراجع مساحة حرية الرأي والتعبير وازدياد القيود على حرية الإعلام في لبنان.
وأوضحت "مهارات" في بيان، أن الكثير من الإصلاحات التي تقدّمت بها، عبر اقتراح النائب غسان مخيبر، لم يؤخذ بها (في المسودة)، وأهمها إلغاء صلاحيات مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية ومخافر التحقيق في ما يتعلق بالتعبير عن الرأي بواسطة الإنترنت، إضافة إلى منع كافة أشكال التوقيف والاستدعاء للناشطين على ذمة التحقيق في مثل هذه القضايا.
اقرأ/ي ايضًا: ديك "النهار".. حين يتقيأ عنصرية ضد السوريين
كما أسفت لتضمن مسودة لجنة الإعلام والاتصالات عقوبات تقضي بحبس الصحافيين في قضايا تتعلق بممارسة مهنتهم، علمًا وأن المسودة أفرطت في استخدام "العبارات المطاطة"، التي من شأنها تقييد حرية التعبير والصحافة، تحت عناوين خشبية مثل التعرّض لشخص رئيس الدولة أو ممثلي الدول الأجنبية أو تعكير السلام العام وتعريض سلامة الدولة للمخاطر.
وأكد البيان أن "لجنة الإعلام" راعت مصالح فئة خاصة وضيقة من أصحاب امتيازات الصحف الورقية على حساب مبدأ حرية إصدار الصحف الورقية للجميع من دون قيود غير مبررة. وتضمّنت المسودة قيودًا غير مبررة ومقيدة للإعلام الإذاعي والتلفزيوني، لا تراعي التطور التكنولوجي المتسارع لهذا القطاع والتحوّلات التي طرأت على تقنيات البث، كإخضاع البث التلفزيوني والإذاعي الذي يتم بواسطة الإنترنت للترخيص المسبق.
يراعي القانون الجديد للإعلام في لبنان مصالح أصحاب الصحف الورقية ويقيد الإعلام المرئي والمسموع
وانتقد البيان إقرار اللجنة حق الرقابة لجهاز الأمن العام على المطبوعات ومنح السلطة المطلقة لوزير الإعلام أن يقرر منع دخول أي مطبوعة أجنبية إلى لبنان ومصادرة نسخها تلقائياً قبل صدور أي قرار قضائي.
وكان شارك في إعداد المسودة المجلس النيابي وممثلون عن نقابتي الصحافة والمحررين وممثلون عن الإعلام المرئي والمسموع، كانوا قد شاركوا في كل النقاشات واطلعوا على البنود المتعلقة بهذا القانون، لكن لم يتم إدراج مواقع التواصل الاجتماعي في خانة الإعلام. والتخوف بدا جليًا، من هذه النقطة. إذ يبدو أن الدولة والطبقة السياسية والدينية القائمة، متخوفة من الانتقادات على مواقع التواصل، فلم تدرجها في خانة الإعلام، انطلاقاً من أنها ذات طابع شخصي، فيما القانون في مادته الثامنة، يحدد وسائل الإعلام بتلك التي تحمل "طابعًا مهنيًا".
اقرأ/ي أيضًا: إعلام لبنان الإسخريوطي
وعليه، فإن القانون، بعد إقراره من الهيئة العامة، سيكون معنيًا بتنظيم أربعة مصادر للنشر المهني، أي الصحافة المكتوبة والمرئي والمسموع والمواقع الالكترونية الإخبارية على أنواعها، بالإضافة إلى استطلاعات الرأي، التي اعتبر القانون أنها جزء لا يتجزأ من قضايا النشر.
وإذا كان التطور المتسارع لوسائل النشر، قد حكم عمل لجنة الإعلام وجعلها في سباق دائم معه، إلا أنه يُسجّل لاقتراح القانون الذي صدّقته اللجنة أنه القانون الأول الذي يتناول الإعلام الالكتروني. ومع ذلك فقد أقرّ رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله أن ما أقر ليس كافيًا، إنما هو الحد الأدنى المقبول "ويحتاج في المستقبل الى تطوير".
فهل فعليًا قد يشهد لبنان، تطويرًا لاحقًا لقانون الإعلام، أم أن ذلك، مثل دراسة القانون، سيحتاج سنوات وسنوات حتى يتم التفكير في إعادة النظر فيه؟ أم أن تصريح فضل الله، هو استباقي، ليسكت من سينتقد القانون وبنوده؟.
اقرأ/ي أيضًا: